العدد 3365 - الأربعاء 23 نوفمبر 2011م الموافق 27 ذي الحجة 1432هـ

هيك: تاريخ الحضارة هو تاريخ الضرائب... فماذا عن المستقبل؟

يرى خبير اقتصادي أميركي، أن تاريخ الحضارة هو تاريخ الضرائب وما تثيره من رد فعل أو مقاومتها شعبياً؛ ولكنه ينبّه إلى أن الضرائب المفرطة تضر بالسياسة الاقتصادية. ويقول أستاذ الحكم والتاريخ بجامعة ماريلاند، جين هيك، إن الضرائب في أفضل الأحوال شر لا بد منه «وفي أسوأها سرطان مستشر... لم يحدث في أي وقت في التاريخ أن كانت الضرائب الأعلى مسئولة عن النمو الاقتصادي الأكبر»، مستشهداً بما يراه انتعاشاً في البلاد بعد أن قام الرئيس الأسبق رونالد ريجان بخفض الضرائب العام 1981. ويضيف هيك الذي عمل كبير مستشاري الخزانة الأميركية بوزارة المالية السعودية في كتابه «بناء الرخاء.. لماذا كان رونالد ريجان والآباء المؤسسون محقين بشأن الاقتصاد»، أن سياسة ريجان اعتمدت على مبدأ اقتصادي بسيط هو أنه «لم تحقق دولة الرخاء بفرض الضرائب» ويعزز ذلك بأن خفض الضرائب بشكل كبير يعقبه نمو اقتصادي كبير نتيجة له.

ويقول، إن أميركا في الوقت الراهن مازالت «اقتصاداً في خطر» وإن نظام الضرائب الحالي هو العقبة الكبرى في سبيل النمو الاقتصادي؛ إذ يدفع الشخص العادي سنوياً أكثر من 6500 دولار ضرائب اتحادية.

والكتاب الذي يقع في 330 صفحة كبيرة القطع أصدرته هيئة أبوظبي للثقافة والتراث ضمن مشروع (كلمة). وترجم الكتاب أحمد محمود وهو مصري ترجم أعمالاً بارزة من التراث الإنساني منها «طريق الحرير» و»أبناء الفراعنة المحدثون» و»تشريح حضارة» و»مصر أصل الشجرة» و»الأصول الاجتماعية للدكتاتورية والديموقراطية» و»الفولكلور والبحر» و»قاموس التنمية.. دليل إلى المعرفة باعتبارها قوة» و»عصر الاضطراب.. مغامرات في عالم جديد» و»التجارة في الزمن الكلاسيكي القديم» و»عندما تتصادم العوالم.. بحث الأسس الأيديولوجية والسياسية لصدام الحضارات».

وفي السطور الأولى من مقدمة الكتاب يثبت المؤلف قول الفيلسوف الألماني هيغل (1770- 1831) بأسى «إن كل ما نتعلمه من التاريخ هو أننا لا نتعلم شيئاً من التاريخ» وفي نهاية المقدمة يقول إن إميركا إذا كانت تريد أن تسود في السوق التجارية العالمية فلا بد أن تستعين «بنوع جديد من الاستحداث السياسي الذي يخلق السياسة التي تتعلم من دروس التاريخ الاقتصادي» باستخلاص دروس ثلاثة آلاف عام من التاريخ.

ويقول، إن استراتيجية ريجان جاءت كنسمة من الهواء لدولة «مصدومة اقتصادياً» إذ سارع الرئيس الجديد آنذاك إلى خفض الضرائب وإن اقتصاد الدولة «استجاب» لتلك السياسات فزادت الصادرات وهبطت أسعار الفائدة وتم إيجاد أكثر من 19 مليون فرصة عمل إنتاجية جديدة «ونتيجة لذلك تم في العقدين التاليين في أميركا تحقيق صافي الثروة القومية على نحو يزيد على أي وقت آخر في تاريخ البشرية».

ويرى هيك أن بلاده في الوقت الراهن «ليست فقيرة مادياً. إنها مازالت مجتمعاً غنياً بالموارد؛ بل وأغنى من أية دولة أخرى في التاريخ بما في ذلك ذاتها السابقة. ومازال اقتصادها أقوى اقتصاد على الأرض ومازالت تتقدم العالم في العلوم والتكنولوجيا» إلا أنه يعترف بأن أميركا تنكمش اقتصادياً بعد أن كان متصوراً قبل عقدين أن الرأسمالية الغربية تواجه تحدياً خطيراً متمثلاً في الاقتصاد الشيوعي والآن «انهار التحدي والتصور».

وفي رسم خريطة طريق لمستقبل اقتصاد بلاده يقدم المؤلف لمحات من تاريخ نمو الاقتصاد في الحضارات الأخرى وكيف انتعش الاقتصاد بالتوازي مع التطور السياسي؛ فيقول في فصل عنوانه «الإنسان الاقتصادي والسعي وراء المكسب الرأسمالي»، إنه في حين كانت الكنيسة المسيحية تدين السعي وراء رأس المال، وترى أن المكسب المادي «جشع أصيل في البشر» كانت الإمبراطورية الإسلامية « القوة الاقتصادية العظمى في العالم حيث خضعت لها سوق مشتركة.. تمتد من اليابان والصين في الشرق إلى المغرب والمحيط الأطلسي في الغرب، بينما غرقت أوروبا المسيحية في وحل العصور المظلمة الذي ازداد عمقاً».

وأضاف، أن الثروة الإنتاجية التي صنعها «القطاع الخاص» وفرت التمويل الذي مكن مسلمي العصور الوسطى من الاهتمام بالعلوم التطبيقية «وكان وقت الفراغ الذي جعلته تلك الثروة ممكناً هو ما دفع الحضارة الإسلامية إلى أوجها الثقافي في العصور الوسطى». انطلاقا من حافز ديني يحث على امتلاك المعرفة الخاصة بالحضارات السابقة وتوظيفها في تطوير الحضارة المعاصرة. ويسجل أن التحرير التدريجي لتجار أوروبا من القيود الاقتصادية للكنيسة بدأ بتبادل سلع مع الشرق العربي وفي تلك المرحلة بدأت نواة رأسمالية غربية انتصرت على الروح الإقطاعية التي سادت في العصور الوسطى وأثمر ذلك نتائج مهمة منها التقدم التكنولوجي بالتوازي مع النمو الاقتصادي والتطور السياسي.

ويضرب المثل ببريطانيا التي أصبحت العام 1764 في تقدير الماركيز كاراتشيولو «جمهورية ديمقراطية التجارة فيها هي الرب» وبعد أقل من قرن وبحلول العام 1860 سيطرت على نحو 45 في المئة من صناعة العالم و40 في المئة من تجارته في المصنوعات وثلث سفنه التجارية.

ويثبت قول الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو أن الإنجليز تقدموا آنذاك « أكثر من كل الشعوب في الأمور الثلاثة الأكثر أهمية: التجارة والتدين والحرية.» ولكن أميركا بالنسبة إلى هيك دولة وتجمع بشري غير مسبوق.. فيقول إنها كدولة للمهاجرين هي الأكثر تنوعاً عرقياً ودينياً واستطاعت كسوق حرة جديدة أن تمنح للمهاجرين فرصاً للاجتهاد والمنفعة وأصبحت أكثر غنى من إفريقيا، على رغم مواردها الطبيعية الأقل من القارة السوداء وأكثر سلماً من إمبراطورية الاتحاد السوفياتي السابق، على رغم أن بها طوائف ومعتقدات أكثر وهي أكثر تقدماً في التكنولوجيا من أوروبا، على رغم امتلاكها تراثاً فكرياً أقل. ويضيف أن أميركا في كل مرة تستقبل جماعة مهاجرة كانت تعدل ثقافتها السائدة التي تزداد ثراء بالوافدين؛ إذ إنها تفضل الجدارة والطموح والإنجاز على الميراث والتقاليد وكان هؤلاء المحرومون من حقوقهم في بلادهم يجدون السياق الذي لا يخيب آمالهم. ويصف السوق الحرة الأميركية بأنها غاية طموح الذين يريدون تشكيل مصائرهم «وهي السبب في أن أكبر عدد للعراقيين خارج العراق يقيمون في ديربورن بولاية ميشيغان وهم مواطنون منتجون يكسبون رزقهم من صناعة الخدمات الأميركية وهي السبب في أن أكبر تركز لليمنيين خارج اليمن في ديترويت؛ إذ يكسبون رواتب من العمل في صناعة السيارات الأميركية أكبر مئة مرة عما في بلاهم»

العدد 3365 - الأربعاء 23 نوفمبر 2011م الموافق 27 ذي الحجة 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً