العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ

مصر المحروسة... عامٌ على الثورة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في عدد «الأهرام» أمس (25 يناير/ كانون الثاني 2012)، كان المانشيت بالخط الأحمر العريض: «اليوم الكلمة للشعب... الملايين تزحف إلى الميادين للاحتفال بالحرية والكرامة».

الصفحة الأولى خلت من تفاصيل الأخبار فتحوّلت كلها مانشيتات: البرلمان والثوار يتعهدون باستكمال أهداف الثورة؛ النواب يطالبون بـ «محكمة ثورة» لسرعة معاقبة قتلة المتظاهرين؛ رفض سماع أول بيان للحكومة عن الشهداء والمصابين؛ ائتلافات تحتفل وأخرى تؤجل لما بعد تنفيذ المطالب؛ لجان شعبية لتأمين التحرير وعيادات متنقلة وسيارات إسعاف؛ عثمان: الشباب قدّم روحه لنجاح الثورة مثلما فعل شهداء أكتوبر. إنها صحافة ثورة، وعناوينها تقرّر باختصار ما تناولتها الفضائيات والتقارير الصحافية طوال أمس في إسهاب.

حملني الفضول الصحافي للعودة إلى عدد يوم 26 يناير 2011، لمعرفة ما كتبته الصحيفة نفسها عن اليوم الأول لانطلاقة ثورة الشباب المصري، وفوجئت أن المانشيت «احتجاجات واضطرابات واسعة في لبنان. تكليف ميقاتي بتشكيل الحكومة والحريري يتمسك بالسلم الأهلي». بينما الخبر الرابع عن «الآلاف يشاركون في مظاهرات سلمية بالقاهرة والمحافظات». وإلى جانبه خبر صغير: «شيكولاتة وورد في عيد الشرطة»! لقد «خُلع» من الصفحة الأولى اسم رئيس رئيس التحرير السابق أسامة سرايا المعروف بكراهيته العمياء لمعارضي مبارك، وحلّ مكانه اسم عبدالعظيم حمّاد. لكلّ زمان دولةٌ ورجال.

كان شباب مصر قد نزل ميدان التحرير في 25 يناير، ليبدأ بكتابة صفحة جديدة في تاريخها، بعد أن أدخلها النظام السابق في غيبوبة، ورهنها بالتبعية للسياسات الأميركية، وحوّلها إلى كنز ومنجم غاز لـ «إسرائيل». لقد حوّلها مبارك إلى دولة متسوِّلة، وأراد لها شباب مصر استرداد الكرامة الوطنية. وهو يومٌ قال عنه نائب مدير «هيومن رايتس ووتش» للشرق الأوسط جو ستورك إنه «اليوم الذي هَبَّ فيه المصريون معاً مطالبين بوضع حدٍّ لانتهاكات الشرطة وحالة الطوارئ».

أمس، وفي الذكرى الأولى لانطلاق الثورة، عادت الجماهير إلى الميادين، لتطالب باستكمال أهدافها، واستبق ذلك المشير طنطاوي بإعلان وقف قانون الطوارئ الساري منذ عقود، باستثناء ما أسماه «البلطجة». وهو موقفٌ أثار استياء الشباب الذين ينظرون إلى طنطاوي باعتباره امتداداً للنظام السابق الذي يحكمه العسكر.

في يناير 2011، احتشد الآلاف في ميدان التحرير استجابةً لدعوات شبابية للتظاهر في يوم الشرطة، لم تكن من الأحزاب المعارضة، وإنما من عالم «افتراضي»، سرعان ما ثبت أنه أكثر واقعيةًًً وصدقاً من إعلام وتلفزيون وإذاعة النظام. قبلها بشهرين فقط، وقف جمال مبارك، الابن المدلل الذي كان يعدّه أبوه لوراثة العرش ومُلك البلاد ورقاب العباد، ليسخر من شباب «البوك فيس» ما فعل القذافي بعده بشهور!

كان النظام ماضياً في مشروع التوريث، والاستهانة برأي الشعب وتزوير إرادته، وفي الانتخابات الأخيرة أرادها انتخابات ساحقةً ماحقةً، لا تبقي للمعارضة في برلمانه الهزيل شيئاً. كان الوضع قد وصل إلى طريق مسدود. القشرة الأرضية تسمح للبراكين بالتنفيس في قمم الجبال لتحفظ توازنها، أما نظام مبارك فكان يراهن على تكسير العظام، وهكذا كان الانفجار.

كانوا شباباً حالمين، من أبناء الجيل الجديد العابر للقارات والثقافات ومفارز الأمن والمخابرات، وكانت الأحزاب القديمة - دينية وغير دينية - قليلة الثقة بهم، فقابلت دعوتهم بفتور. هؤلاء حقّقوا في ثلاثة أسابيع، ما عجزت عنه الأحزابُ الهرِمَةُ طوال ثلاثين عاماً. لقد أيقظوا الدكتاتور من غيبوبته واضطروه لإعلان تخليه عن التوريث أولاً، وعدم التجديد لنفسه، وأخيراً الانخلاع!

مصر تغيّرت بلا شك. الرئيس وولداه تحوّلوا من القصور إلى السجون، التي غادرها سكّانها ليأخذوا مقاعدهم في مجلس النواب الجديد! الحكومة السابقة بكل هيئتها تقيم الآن في سجن طرة، ووزير الداخلية الذي كان يعذب السجناء تحوّل إلى سجين.

الحشد أمس، ضم إسلاميين وليبراليين ويساريين، يلوّحون جميعاً بالعلم المصري، ويرفعون لافتات تعبّر عن تنوع الآراء والتطلعات في الشارع السياسي. وانطلقت عدة مسيرات من مختلف أنحاء القاهرة لتصب في ميدان التحرير. وحين حاولت فرقةٌ للموسيقى العسكرية أن تعزف للجمهور في الصباح، غطّت عليها هتافات «يسقط يسقط حكم العسكر» فأجبرها على الرحيل!

العسكر أمس استعد للاحتفال بالمناسبة بطريقته، بتنظيم استعراض عسكري وألعاب نارية، وأعلنت وزارة الداخلية عدم تواجدها في الساحات حيث الاحتفالات الضخمة، ودعا الأحزاب لتشكيل لجان شعبية لضمان أمن الشوارع! وهي خطوة قابلتها «منظمة العفو الدولية» بالاستهجان، فعلى «الحكم العسكري مسئولية حماية المتظاهرين، وعلى قوات الأمن التصرف بمسئولية لضمان تمكين الجميع من ممارسة حقهم في التعبير والتظاهر السلمي» حسب قولها.

في السويس، مدينة المقاومة والشهداء، والبوابة الشرقية لمصر، التي قدّمت أول شهداء ثورة 25 يناير، تظاهر الآلاف في ميدان الأربعين هاتفين «من السويس للتحرير يسقط يسقط المشير»! ويبدو أن الشعب المصري لم يعد يحتمل وجود من يذكّره بحكم الجيش القابض على السلطة منذ ستين عاماً. يبدو أن مجرد خروج طنطاوي على التلفزيون وحده كفيل بإثارة غضب الشباب المصري، دون أن يشفع له تمكّنه من الخطابة ولا صوته الرخيم

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3428 - الأربعاء 25 يناير 2012م الموافق 02 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 12:07 م

      تهانينا للشعب المصري

      الحمد لله الذي نصر الشعب المصري العزيز ونسأله تعالى أن ينصر بقية الشعوب العربية من اجل ان تعيش في غد أفضل دون ظلم ولا طغاة.

    • زائر 4 | 8:13 ص

      يا خوفنا على ثورة الشباب المصري!!!

      أين معلقيك يا سيد؟؟؟ دائماً مقالاتك تحصد عدد كبير من تعليق القراء!! ولكن يتضح بأن الأخوة مثلي مصدومين بما يحدث في مصر:

      طرد الديري من مصر دون ذنب!!

      استلام التهاني من الكيان الصهيوني ليس سهل تقبله! وأمور أخرى على شباب مصر الثائر أن ينتبه لها لئلا تسيئ لسمعة الثورة الفتية.

اقرأ ايضاً