العدد 3430 - الجمعة 27 يناير 2012م الموافق 04 ربيع الاول 1433هـ

الانتخابات الكويتية... المشترك والمختلف بين الكويت وخليجها

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

الراصد لتطورات الوضع الكويتي خلال عام الربيع العربي 2011 حتى الآن، يرى أن هناك قواسم مشتركة بين التطورات التي جرت والمطالب والشعارات التي طرحت، والقوى المحركة للاحتجاجات في الكويت، وتلك في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، مع وجود تباينات أيضاً، لا تحجب الحاجة المشتركة لتغيير جذري في دول المجلس الست مجتمعة. لكن الفرق الجوهري هو معالجة الدولة في الكويت لهذه الحركة الاحتجاجية، والمخرج التوافقي للأزمة خلافاً لما جرى في دول الخليج الأخرى.

الكويت على رغم تقدم نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي على دول الخليج الأخرى، وريادتها الدستورية والديمقراطية وحقوق المواطن، فقد واجهت أزمة منذ 2006. وقد تظاهرت عوامل عديدة لتصاعد هذه الأزمة، وجاء الربيع العربي لينقل حركة الاحتجاجات إلى الشارع، ولينقل الصراع إلى العلنية، وليرفع من سقف مطالب الإصلاح إلى الإصلاح الجذري والشامل دستورياً وتشريعياً ومؤسساتياً واستراتيجياً وسياسياً.

بات واضحاً عجز النظام السياسي وقصور مؤسسات الدولة في أداء الحد الأدنى، ونزل الفساد إلى فضيحة اتهامات برشوة رئيس الحكومة للنواب وبملايين الدنانير، لشراء أصواتهم في التصويت على الثقة، وبهذا توصل الشعب الكويتي إلى قناعة سلبية تجاه السلطتين التنفيذية والتشريعية على حد سواء.

في الوقت ذاته وفي موازاة حركة الشارع الذي قاده الشباب أساساً، بلورت النخب الكويتية رؤيتها لعملية إصلاح النظام جذرياً، كما طرحت في مهرجان جمعية الخريجين في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 وتتمحوّر حول ما يلي:

1 - لأول مرة تطرح مقترحات للتعديلات على دستور 1962 والذي ظل صمام أمان للديمقراطية الكويتية على محدوديتها، من منطلق أن تكون الكويت إمارةً دستوريةً ديمقراطيةً، وأن يكون الشعب مصدر السلطات جميعاً فعلاً لا قولاً. ويتجسد ذلك في كون مجلس الأمة منتخباً بالكامل (حالياً 50 منتخباً 16 وزيراً).

2 - إصدار تشريعات وتعديل التشريعات الحالية لتوافق التعديلات الدستورية وتفعيل الدستور فيما يخص حقوق وواجبات المواطن والشعب الكويتي. ويشمل ذلك هيئة مستقلة للانتخابات، وهيئة مستقلة للنزاهة، وقانون للأحزاب وغيرها.

3 - إضفاء المشروعية للتكتلات السياسية القائمة فعلاً لعقود وذلك بشرعنة الأحزاب، والحياة الحزبية والسياسية العلنية، وما يترتب على ذلك من خوض الانتخابات بلوائح، واستشارات ملزمة لتشكيل الحكومة.

4 - تعديل قانون ونظام الانتخابات والدوائر الانتخابية، ويطرح البعض نظام الدائرة الواحدة للكويت، أو تعديلاً في نظام الدوائر الخمس، باعتماد النسبية وتمكين المرأة.

5 - وضع خطة وإجراءات وسياسات لاستئصال الفساد السياسي والمالي والإداري وإرساء نظام الشفافية والنزاهة والكفاءة في أجهزة الدولة والقطاع الخاص والمجتمع.

6 - الانتقال بالدولة من نظام المحاصصة القبلية والطائفية إلى نظام المشاركة، وبالمجتمع من نظام الانتماءات القبلية والعشائرية والعائلية والطائفية والمصالح الضيقة، إلى نظام المواطنة المتساوية، والانتماءات المدنية، مع ضمان التعددية السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

7 - تأكيد استقلالية الكويت ونهجها البناء واستعادة مكانتها الرائدة في الخليج والوطن العربي، من حيث الازدهار الاقتصادي والتنمية، والثقافة والتعليم والدور الخارجي البنّاء في الفضاءات الخليجية والعربية، والإقليمية والدولية.

طبعاً هناك تباينات حول تفاصيل الإصلاح الشامل، والإمارة الدستورية الديمقراطية، لكن هناك إجماعاً فيما بين مختلف القوى المتنافسة ومع التيار الأساسي في الحكم وآل الصباح، على ضرورة الإقلاع من المراوحة إلى التغيير الإيجابي المدروس.

الأبعاد الخليجية

بلدان الخليج الأخرى شهدت حراكاً سياسياً ومجتمعياً كما الكويت، في ظل الربيع العربي، مع تباين أشكال هذا التحرك وسقف المطالب المطروحة وأولوياتها وطريقة تحققها، لكن القاسم المشترك هو أن الأوضاع، وخصوصاً السياسية منها، ليست صحية، وأن هناك حاجة ماسة لإصلاحات جذرية، والخروج من حالة الاستعصاء الحالية. وهذا ما تعترف به أحياناً وعلى مضض قياداتٌ في الأسر الخليجية الحاكمة وبعضهم في مواقع المسئولية.

بلدان الخليج (باستثناء قطر) شهدت طوال السنوات الماضية حركةً نشطةً عبر الفضاء الإلكتروني والتواصل الاجتماعي، حركة نقد وتحرك نشطة لعناصر شابة، غالبيتها غير منتمية لأحزاب أو تجمعات سياسية، تطالب بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتصدي للفساد، والمواطنة المتساوية، أي تطالب بإصلاحات عميقة وحقيقية. وقد واجهت هذا الحركة وهؤلاء الشباب عنتاً ومضايقات وانتقاماً، انتهى بالعديد منهم إلى السجن أو التشريد أو الفصل من العمل. وطبعاً لم يكن التحرك في الفضاء الافتراضي فقط بل نزل إلى الشارع وخصوصاً في البحرين وعمان و... لكن الربيع العربي ساهم في تطور نوعي للحركات المطالبة بالتغيير في بلدان مجلس التعاون الخليجي.

العالم اليوم يعرف كيف تعاملت السلطات الخليجية مع حركة التغيير حيث عمدت إلى إجهاضها بمختلف السبل، ودمغتها بأنها من فعل مندسين أو عملاء للخارج، بل وإرهابيين.

وسادت منطقة الخليج حالةٌ من الترهيب والتخويف للمواطن الخليجي في بلده وجيرانه خلافاً للكويت، التي وإن لم تشرعن الاحتجاجات والتظاهرات والتجمعات كحق، فإنها لم تقمعها بشدة، وغالباً ما تنتهي الاعتقالات إلى إطلاق السراح بتعهد. وحتى المحاكمات الكيدية وأهمها قضية محمد الجاسم ضد رئيس الوزراء فقد انتهت نهاية سعيدة باستثناء حركة البدون مؤخراً.

وعلى رغم المعاندة في الخروج من المأزق والتمسك بحكومة الشيخ ناصر المحمد، فإنه فقد جرى التخلي عنها، ولتنقل رئاسة الوزراء إلى فرع آخر غير الجابر وهو المبارك، وجرت حوارات إيجابية بين الحكم والمعارضة، أدت إلى النهاية السعيدة التي نعرضها والتي يمكن أن تكون بدايةً لمسيرة الإصلاح الشامل.

بلدان مجلس التعاون الأخرى لم تشهد كسراً لحالة الاستعصاء ولا خروجاً من دوامة الأزمة، على رغم تصديها لحركات الاحتجاج سواء النخبوية أو الجماهيرية ولا انطلاقة جدية لمعالجة الأوضاع، والتأسيس لنظام حكم دستوري ديمقراطي يستند إلى إرادة الشعب، ويتوافق مع التطور الاقتصادي والتعليمي والثقافي والوعي الذي وصلت إليه الشعوب. ولذا فإن الصراع سيستمر في العام 2012 وستكون كلفةً التصحيح مستقبلاً أكثر مما تكون عليه حالياً.

إن معالجة الأزمة بالإجراءات الجزئية والترفيهية، لن تثني الحركة الاحتجاجية لأنه تشكّلت لدى الكثير من المواطنين قناعةٌ أن لهم حقوقاً كمواطنين لا رعايا، وأنه بالإمكان إحقاق هذه الحقوق، كما يحدث في الكويت وقبلها تونس ومصر.

إن المواطن الخليجي يقف اليوم يحدوه الأمل في نجاح تجربة الكويت الجديدة لتشكّل بارقة أمل، ونبراساً، وحافزاً للاقتداء بها من قبل الحكام والشعوب معاً

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 3430 - الجمعة 27 يناير 2012م الموافق 04 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً