العدد 3435 - الأربعاء 01 فبراير 2012م الموافق 09 ربيع الاول 1433هـ

الانتصار على الحياة حتف برسْم العبث

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

طوال مسيرة الفكر البشري، وطول مسيرة الإصلاح الإنساني، كان الأخذ بالإنسان إلى المستويات والدرجات التي يستحقها باعتباره الكائن الذي يشكل محور العالم، وباعتبار جميع الكائنات مسخّرة من أجله، هو العنوان والمضمون العريض لتلك المسيرات. وهو تسخير لا يعني عبث التعاطي مع الكائنات الأخرى؛ بقدر ما يعني التعاطي معها بروح مسئولة وواعية ومدركة لأهمية وجودها إلى جانب وجوده. ذلك عن الكائنات تلك. ماذا عن النوع والجنس الواحد من الكائن الواحد؟

الحروب عبر تاريخها قامت إما لمطامع تنشد الامتداد في الأرض أو الثروات، المرئي منها والمخبوء. الصراعات الإثنية، ومحاولات جر الجنس البشري إلى محرقة كونية لا تبقي ولا تذر لا يقف وراءها مسلحون في الأفكار أو مصلحون في المواقف. يقف وراءها الجهلة والفاشلون وأصحاب العُقد والذين لا يرون لوجودهم معنى إلا في تدمير وزعزعة وجود الآخرين.

سبق أن كتبت: «التحريض بضاعة لا يصنعها إلا الفاشلون، ولا يشتريها إلا الناقمون على الحياة».

لا شيء يتغيَّر في نتيجة الممارسة، قد تخف أو تتصاعد؛ لكن آثارها الكارثية تمس أول ما تمس قيمة الإنسان العليا التي يتم استباحتها ووضعها في مهبِّ العُقد والأمراض من أجل تحقيق مصالح ومغانم فئوية.

مثل هذا التفكير «الضيّق»، هو الذي يجعل الحياة بحجم «سمّ الخياط» أو أقل حجماً منه. مثل تلك التوجهات هي التي تهدِّد المجموع البشري وما يتبعه من مجاميع.

لا يمكن للحياة أن تكون في معناها الذي يوحي به اسمها في ظل استمرار ممارسات كتلك من بعض البشر، هي على النقيض تماماً من الحياة؛ بل هي جرٌّ واستدراج لها كي تذهب إلى حتف تعدُّه مجموعات ترى لزاماً أن تستأثر بالحياة، وتقيم شروطها بإيحاء من العُقد والأمراض تلك.

أعود إلى التاريخ نفسه. التاريخ البشري في مجموعه، لم يدوِّن ولم يشر إلى أن مثل تلك المجاميع الخارجة على الحياة، وعلى إنسان هذه الحياة، استطاعت طوال محاولاتها المستميتة والمتكررة أن تحقق انتصاراً على تلك الحياة. أن تنتصر على الحياة يعني أن تذهب إلى حتفك بملء إرادتك. حتف لا معنى ولا قيمة له. حتف برسم العبث. التاريخ يشير إلى أن الذين ينتصرون في نهاية المطاف هم الذين ينتصرون للحياة لا عليها.

في المحن والأزمات التي تبتلى بها جغرافياتنا، يراد للعقل أن يكون في إجازة مفتوحة، ومدفوعة الراتب أحياناً. يراد له أن يكون مغيَّباً كي تأخذ الكوارث مداها وامتدادها، ويراد للجهلة والمرضى والمتمصلحين من كل ذلك أن يتصدَّروا المشهد ويتحكموا في كثير من مساراته وبوصلته ومفاصله، وذلك ما يجعل هذه الجغرافيات موطناً ملحوظاً لإعادة إنتاج لا ينتهي لكوارثها وأزماتها، بحكم ألاَّ دور للعقل كي يضع نهاية، أو احتواء لها قبل أن تطل بوجهها الكريه على بشر تلك الجغرافيات.

الذين قادوا مسيرة الفكر البشري، ومسيرة الإصلاح الإنساني، كانوا ينطلقون من العقل؛ لأن الحياة لا تستقيم أمورها من دون إعماله، وكانوا ينطلقون من الضمير لأنه أيضاً لا يمكن أن تستقيم الحياة إذا غُيِّب ووري. أما الذين هم على النقيض من ذلك فلا يريدون للاثنين أن يكون لهما شبر حضور في المحيط الذي يتحركون فيه؛ لأن في ذلك تلاشيهم وانحسار غنائمهم

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3435 - الأربعاء 01 فبراير 2012م الموافق 09 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:43 م

      مقال رائع..

      مقال أكثر من رائع يحتاج إلى قراءة متأنية لتوضح للقراء أن كل صفات العقل تدعو للخير وكل منابع الشرور تتكون من خلال أحد أو مجموعة صفات الجهل وهي عكس صفات الخير تماماً - الشجاعة وهي صفة من صفات الخير تقابلها صفة من صفات الجهل(الجبن) ......
      أبوجعفر

اقرأ ايضاً