العدد 3445 - السبت 11 فبراير 2012م الموافق 19 ربيع الاول 1433هـ

الوطن ليس حكراً على جماعة

أحمد الصفار comments [at] alwasatnews.com

-

من حق المواطن البحريني أن يقيم في أي قرية أو مدينة، وهذا الأمر لا جدال فيه، ولم يتربَّ هذا المجتمع العظيم بخصاله، الكبير بشمائل أهله وطيب أخلاقهم، على ثقافة الطرد والتهجير لأي إنسان من ملكه أو إجباره قسراً على الخروج من المنطقة التي يسكن فيها، مهما كانت ديانته أو مذهبه أو توجهه الفكري والإيديولوجي.

ولعل وجود مساكن العمال العزاب بكل ما تشكله من خطر داهم على الأمن الأهلي والسلم الاجتماعي وسط الأحياء السكنية جنباً إلى جنب مع بيوت المواطنين، هو خير دليل على أن شعب البحرين المضياف لا يعرف للكراهية والحقد طريقاً إلى قلبه، فعلى رغم الآلام والجراح يثبت يوماً بعد الآخر أنه عصي على التفتيت والفرقة، وأبناءه أقوى من أن يتلاعب في عقلهم أي موتور طائفي يسعى إلى بسط سيطرته وفرض وجوده والتسلق على ظهور الآخرين.

ومن هذا المنطلق، فإن ما حصل في قرية توبلي من إجبار مواطن على الخروج من بيته الذي يقيم فيه منذ خمسة وثلاثين عاماً، لا يمثل أبداً أصالة هذا الشعب، ويتعارض بصورة فجّة وصارخة مع عاداته وتقاليده، وهو أمر نرفضه ويرفضه أي عاقل يسمو بذاته على الحالة الطائفية، ويضع نصب عينيه الوطن قبل أي شيء آخر.

من حق أهالي المحرق السكن في الدراز، كما أنه من حق أهالي الشاخورة السكن في البديع، فهذا الوطن يتسع للجميع، وكل من يحمل الجواز البحريني له حرية التنقل والإقامة في كل بقعة يشملها الإطار الجغرافي الموضح بالخريطة السياسية لمملكة البحرين.

هذه الأمور من المسلمات، ولكن من الواضح جداً أن هناك أطراف أرادت استغلال قضية المواطن العزيز الذي تشتت أهله في بيوت الأقرباء والأحبة بعد اضطراره للخروج من منزله، وتضخيمها لإضفاء بعد طائفي على الموضوع، ليُصور المشهد على أن أهالي توبلي من طائفة معينة طردوا مواطناً من طائفة كريمة أخرى.

وفي طيات هذا الطرح، دعوة غير مباشرة لمختلف المناطق لطرد أبناء الطائفة المقابلة من منازلهم، على سبيل رد الاعتبار والمعاملة بالمثل والانتصار للملة والجماعة والفئة، بمنأى عن المعيار الإنساني للمسألة وأبعادها المختلفة، والتعاطي معها بحس وطني خالص.

ومثل هذا التأزيم المبطن، لا يخلق أبداً حالة آمنة على الأمد البعيد، بل يعمق الشرخ الطائفي الحاصل، ويدمي الجرح ويزيد من رتقه إلى حد الصراخ من شدة الوجع، وهو منظر مقزز لا يصلح لبلد يتطلع إلى تجاوز كل المحطات المؤلمة على خطى لمّ الشمل والوحدة والمصالحة الوطنية.

كان حرياً بمن ألقى صبغة سياسية على مشكلة المواطن في توبلي، أن يشير إلى أن هذا التصرف الفردي الذي حصل، لا يمثل طائفة أو مذهباً أو ديناً، ولا يجب أن يُحمل أكثر مما يحتمل، فيكفينا الأبواق الطائفية التي تصدح ليلاً ونهاراً لإشعال فتيل أزمة جديدة تشق الصف الوطني، وتجهض أي توجه للمصالحة أو حوار للوصول إلى نتائج مؤثرة تنهي الأزمة التي تعيشها البحرين منذ نحو عام كامل.

وبالتالي لسنا بحاجة إلى المزيد، ففي كل يوم يرتفع ثمن فاتورة العودة إلى الحالة الطبيعية الهادئة التي كنا عليها سابقاً، ومن سيدفعها في نهاية المطاف هم البحرينيون والأجيال المقبلة من بعدهم.

في مدينة عيسى ومدينة حمد ومدينة زايد والمحرق، أروع صور التمازج الوطني التي لم تنل منها الشدائد والصعاب، وهي حقيقة لا ضرب من الخيال، ولا ينكرها إلا من يسعى إلى أهداف غير نبيلة.

هذه المناطق وغيرها أصبحت هدفاً لكل من يحمل الضغينة ولا يسره أن تسير الحياة بين الناس في جو هادئ، لذلك تجده يوظف كل مشكلة بصورة مشبوهة من أجل إصابة العلاقات الاجتماعية في مقتل بغية تسخين الساحة، وشحن الشارع وتهيئته لصراع طائفي بغيض لن ينطلي أبداً على هذا الشعب المتحضر الذي أفسد كل مخططات الاستعمار البريطاني وسياسة «فرق تسد» التي سعى جاهداً لتطبيقها بغية الإمساك بزمام الأمور والسيطرة على المظاهرات التي كانت تجتاح الشارع بوحي ومحاكاة لثورة 23 يوليو/ تموز1952 بقيادة الزعيم المصري الراحل جمال عبدالناصر.

الوقوف إلى جنب المواطن الكريم الذي هُجر من منزله قسراً من قرية توبلي، هو وقوف صادق مع الحق، وإنصاف يتعدى حدود المصالح الشخصية لإنسان يحرم علينا دمه وعرضه وماله كما أمرنا الدين الإسلامي الحنيف، ولا نرضى بما أصابه لأي كان، ولا نقبل أن تتم المتاجرة بقضيته من قبل البعض لجرّ البلاد إلى حافة الهاوية، فيكفينا ما ابتلينا به من أصوات نشاز لها دور مؤثر ومباشر في تقطيع أوصال المجتمع البحريني

إقرأ أيضا لـ "أحمد الصفار"

العدد 3445 - السبت 11 فبراير 2012م الموافق 19 ربيع الاول 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 6:34 ص

      كلام جميل

      ما ذنب اللي صرف دم قلبه على سكنه وفجأة يشوف نفسه محاصر من كل حهه لا ليله ليل ولا نهره نهار
      شفنه عمليات التهجير الغير مباشرة في دول اخرى

    • زائر 7 | 6:04 ص

      همسات في أذن صماء

      أثمن لك عالياً هذا الطرح والاهتمام بقضية هذا المواطن، ولكن عتبي عليك وعلى أهل توبلي الكرام هو تقاعسهم عن دورهم في احتواء هذا المواطن والوقوف أمام من أرادوا تهجيره وإخراجه من مسكنه..هذه هي الأصالة التي نبحث عنها.أن تنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً،لا أن تسلم البلد لمجموعة من الغوغائيين هنا أو بلطجية هناك تتولى أذية البلاد والعباد.كان حرياً بك وبأهل توبلي الكرام أن تكون قضية هذا المواطن حديث الشارع ليثبت البحرينيون أصالة معدنهم..لا أن نتباكى على لبن مسكوب وأن نعود لتجيير القضية سياسياً أو لمفارز طائفية

    • زائر 1 | 9:00 م

      السؤال......

      ماذا فعل اهل وساكني توبلي لمساعدة المواطن؟!!!؟؟هل تم حمايته من المعتدين ام كانو متفرجين فقط ولا حول لهم ولاقوة!!!!!

اقرأ ايضاً