العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ

1 - في البلدان النامية

تحديات حوكمة الشركات

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نقلت صحيفة «إيلاف» (elaph.com) على موقعها على الويب خبر إعلان معهد حوكمة الشركات Corporate Governance التابع لسلطة مركز دبي المالي العالمي، بالاشتراك مع «مؤسسة التمويل الدولية»، «عن إطلاق دراسة حول حوكمة الشركات في المنطقة، وذلك في إطار جهودهما الرامية إلى الارتقاء بمعايير الحوكمة المطبقة لدى المصارف والشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

واعتبرت «إيلاف» هذه الدراسة بمثابة أول مشروع من هذا النوع بالتعاون بين قطاع الأعمال والهيئات التنظيمية، ومن شأنها أن تساعد شركات ومصارف المنطقة على الارتقاء بمعايير الحوكمة وممارسات الإفصاح والشفافية.

ونقلت إيلاف عن المدير التنفيذي لمعهد حوكمة ناصر السعيدي قوله: «إنه يؤمن بأن الحوكمة الجيدة للشركات تشكل ركيزة أساسية في تعزيز ثقة المستثمرين وبناء أسواق مالية متينة، في الوقت الذي يدرك فيه صناع القرار في المنطقة والمجتمع المالي الدولي الأهمية الكبرى لتطبيق أرقى معايير الحوكمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا».

حوكمة الشركات

هناك عدة تعريفات لمفهوم حوكمة الشركات، ويخضع كل تعريف منها للمبادئ التي تسير حوكمة الشركات التي من بين أهمها: حماية حقوق حملة الأسهم، معاملة عادلة لحملة الأسهم، حماية دور اصحاب المصالح، الافصاح والشفافية الكاملة، وأخيرا تحقيق وعدالة مسئوليات مجلس الادارة.

وفي نطاق هذه المبادئ يمكننا الحديث عما نقصده بحوكمة الشركات، والذي هو في نظرنا الإطار العام الذي تمارس فيه الشركات وجودها. وتركز الحوكمة على العلاقات بين الموظفين واعضاء مجلس الادارة والمساهمين واصحاب المصالح وواضعي التنظيمات الحكومية، وكيفية التفاعل بين كل هذه الاطراف في الاشراف على سياسات الشركة وعملياتها.

ولكن ما يمكن قوله هنا إن ماهية مفهوم حوكمة الشركات معنية بإيجاد وتنظيم التطبيقات والممارسات السليمة للقائمين على إدارة الشركة بما يحافظ على حقوق حملة الأسهم وحملة السندات والعاملين في الشركة وأصحاب المصالح ُّفًموٌُلمَّْ وغيرهم؛ وذلك من خلال تحري تنفيذ صيغ العلاقات التعاقدية التي تربط بينهم؛ وباستخدام الأدوات المالية والمحاسبية السليمة وفقاً لمعايير الإفصاح والشفافية الواجبة.

هذا يجعل حوكمة الشركات تعتمد في نهاية المطاف على التعاون بين القطاعين العام والخاص لخلق نظام لسوق تنافسية في مجتمع ديمقراطي يقوم على أساس القانون. وتتناول حوكمة الشركات موضوع تحديث العالم العربي عن طريق النظر في الهياكل الاقتصادية وهياكل الأعمال التي تعزز القدرة التنافسية للقطاع الخاص، وتجعل المنطقة أكثر جذبا للاستثمار الأجنبي المباشر، كما تحقق تكاملا للمنطقة في الأسواق العالمية.

تاريخ مفهوم حوكمة الشركات

يعود تاريخ انتشار تعبير حوكمة الشركات في مفهومه الجديد إلى العام 1997 عندما انفجرت الأزمة المالية الآسيوية. حينها أخذ العالم ينظر نظرة جديدة إلى حوكمة الشركات. والأزمة المالية المشار إليها، قد يمكن وصفها بأنها كانت أزمة ثقة في المؤسسات والتشريعات التي تنظم نشاط الأعمال والعلاقات فيما بين منشآت الأعمال والحكومة. وقد كانت المشكلات الكثيرة التي برزت إلى المقدمة في أثناء الأزمة تتضمن عمليات ومعاملات الموظفين الداخليين والأقارب والأصدقاء بين منشآت الأعمال وبين الحكومة، وحصول الشركات على مبالغ هائلة من الديون قصيرة الأجل في الوقت نفسه الذي حرصت فيه على عدم معرفة المساهمين بهذه الأمور وإخفاء هذه الديون من خلال طرق ونظم محاسبية «مبتكرة»، وما إلى ذلك. كما أن الحوادث الأخيرة ابتداء بفضيحة شركة إنرون ََُْ وما تلى ذلك من سلسلة اكتشافات تلاعبت الشركات في قوائمها المالية، أظهرت بوضوح أهمية حوكمة الشركات حتى في الدول التي كان من المعتاد اعتبارها أسواقا مالية «قريبة من الكمال».

وقد اكتسبت حوكمة الشركات أهمية أكبر بالنسبة إلى الديمقراطيات الناشئة نظرا إلى ضعف النظام القانوني الذي لا يمكن معه إجراء تنفيذ العقود وحل المنازعات بطريقة فعالة. كما أن ضعف نوعية المعلومات تؤدي إلى منع الإشراف والرقابة وتعمل على انتشار الفساد وانعدام الثقة. ويؤدي اتباع المبادئ السليمة لحوكمة الشركات إلى خلق الاحتياطات اللازمة ضد الفساد وسوء الإدارة، مع تشجيع الشفافية في الحياة الاقتصادية ومكافحة مقاومة المؤسسات للإصلاح.

وقد أدت الأزمة المالية تلك بكثير من المجتمعات، بما فيها المجتمع العربي، إلى اتخاذ نظرة عملية جيدة عن كيفية استخدام حوكمة الشركات الجيدة لمنع الأزمات المالية القادمة. ويرجع هذا إلى أن حوكمة الشركات ليست مجرد شيء أخلاقي جيد نقوم بعمله فقط، بل إن حوكمة الشركات مفيدة لمنشآت الأعمال، ومن ثم فإن الشركات لا ينبغي أن تنتظر حتى تفرض عليها الحكومات معايير معينة لحوكمة الشركات إلا بقدر ما يمكن لهذه الشركات أن تنتظر حتى تفرض عليها الحكومات أساليب الإدارة الجيدة التي ينبغي عليها اتباعها في عملها.

وعلى سبيل المثال، فإن حوكمة الشركات الجيدة، في شكل الإفصاح عن المعلومات المالية، يمكن أن يعمل على تخفيض كلفة رأس مال المنشأة. كما ان حوكمة الشركات الجيدة تساعد على جذب الاستثمارات سواء الأجنبية أم المحلية، وتساعد في الحد من هروب رؤوس الأموال، ومكافحة الفساد الذي يدرك كل فرد الآن مدى ما يمثله من إعاقة للنمو. وما لم يتمكن المستثمرون من الحصول على ما يضمن لهم عائدا على استثماراتهم، فإن التمويل لن يتدفق إلى المنشآت. ومن دون التدفقات المالية لن يمكن تحقيق الإمكانات الكاملة لنمو المنشأة. وإحدى الفوائد الكبرى التي تنشأ من تحسين حوكمة الشركات هي ازدياد إتاحة التمويل وإمكان الحصول على مصادر أرخص للتمويل وهو ما يزيد من أهمية الحوكمة بشكل خاص بالنسبة إلى الدول النامية.

حوكمة الشركات في البلدان النامية

تواجه البلدان النامية تحدي تحويل ترتيباتها الخاصة بالحوكمة السياسية والاقتصادية من أنظمة قائمة على أساس العلاقات إلى أنظمة قائمة على أساس القوانين. ويتعين على الكثير منها تعزيز قدرته على معالجة مخططات الاستغلال الفاضحة التي يستخدمها المسئولون في الشركات بهدف مصادرة موارد الشركة أو تجريد أصحاب المصلحة الآخرين في الشركة من تلك الموارد. وحيث إن فرض تطبيق القوانين يشكل صلب هذا التحدي، يبقى التوازن المناسب بين المبادرات التنظيمية والمبادرات الطوعية مسألة لم يبت فيها بعد.

تذكرنا حوادث إخفاق الحوكمة الشركاتية الأخيرة المذهلة في الولايات المتحدة وأوروبا بأنه يمكن لمثل هذه الانهيارات أن تؤثر بشدة على حياة الآلاف، من موظفين ومتقاعدين ومدخرين ودائنين وزبائن ومزودين للشركة بالبضائع والخدمات، في بلدان تتصف باقتصاد سوق متطور جدا. لكن، هل هناك أي أهمية للحوكمة الشركاتية أو حوكمة الشركات في العالم النامي، بما في ذلك ما يسمى الأسواق الناشئة والاقتصادات التي تمر بمرحلة انتقالية، حيث المعتاد هو أن تهيمن على الاقتصاد شركات كبيرة تملكها عائلات أو الدولة و/أو جهات أجنبية، ليس لديها أسهم يجري التداول بها على نطاق واسع في أسواق الأوراق المالية المحلية، وحيث تشكل أعداد كبيرة من المشروعات الصغيرة أحياناً كثيرة نسبة مهمة من التوظيف والإنتاج المحليين، لم يكن يعتقد ذلك، حتى فترة قريبة، سوى قلة من الناس.

وقد ظلت الأمور على ذلك الحال ولم يتغير الوضع إلا بعد أن لفت ازدياد القلق بشأن الاستقرار المالي العالمي، في أعقاب الأزمات المالية التي عصفت بآسيا وروسيا والبرازيل بين عامي 1997 و 1999، الانتباه إلى مشكلات «رأس مالية الأصدقاء الحميمين» )أي توزيع الثروة على الأقارب والأصدقاء( وإلى الحوكمة الشركاتية السيئة في بعض اقتصادات الأسواق الناشئة. وفي السنوات التي تلت ذلك، انحسرت التهديدات المحسوسة للأسواق المالية العالمية والضغوط التي ولدها هذا الإحساس. ويكمن الخطر في ذلك في أن الجهود المحلية الرامية إلى تعزيز الحوكمة الشركاتية في العالم النامي ستفقد زخمها كنتيجة لهذا الانحسار.

والواقع هو أنه على العكس من ذلك، يجب تعزيز تلك الجهود. فقد أظهرت الأبحاث التي قامت بها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OECD) أهمية الحوكمة الشركاتية المحلية بالنسبة إلى النمو المستديم للإنتاجية في العالم النامي، كما أظهرت المنتديات والنقاشات الإقليمية التي نظمتها المنظمة حول الحوكمة الشركاتية في آسيا وأميركا اللاتينية وأوراسيا وجنوب شرق أوروبا وروسيا، أن نوعية الحوكمة المحلية للشركات مهمة جداً لنجاح جهود التنمية على المدى الطويل في مختلف أنحاء العالم النامي اليوم.

وتشكل النوعية السيئة للأنظمة المحلية للحوكمة الشركاتية لُب أحد أعظم التحديات التي تواجه معظم البلدان في العالم النامي: كيف يمكن النجاح - أحياناً كثيرة في وجه مقاومة سرية أو علنية من قبل مجموعات المصالح القوية ذات المواقع الحصينة محلياً - في تحويل الأنظمة المحلية للحوكمة السياسية والاقتصادية، بما فيها حوكمة الشركات، من أنظمة تميل لأن تكون معتمدة إلى حد كبير على شخص واحد وترتكز بشدة إلى العلاقات إلى أنظمة تقوم بصورة أكثر فعالية على أساس القوانين.

وقد تم التحول، إلى حد كبير، في الكثير من الدول الأعضاء اليوم في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية من أنظمة تقوم في معظمها على أساس العلاقات إلى أنظمة حوكمة سياسية واقتصادية مبنية على القانون، قبل البروز والازدياد المذهل والانتشار العالمي السريع في أواخر القرن التاسع عشر للشركات الصناعية العملاقة وحلول رأس مالية الشركات العالمية محل رأس مالية المالكين )مؤسسات الأعمال التي يملكها أفراد وغير المحدودة(.

وهكذا تواجه البلدان النامية اليوم تحدياً لم يعرفه الكثير من بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية: كيفية الانتقال من أنظمة حوكمة قائمة على أساس العلاقات إلى أنظمة حوكمة قائمة على أساس القوانين في وقت تلعب فيه الشركات الكبرى الخاصة والتي تملكها الحكومة أدواراً مهمة في الاقتصادات المحلية )سواء جرى التداول بنشاط بأسهمها في سوق الأوراق المالية المحلية أم لا( وتميل بالتالي إلى التأثير بقوة على أنظمة الحوكمة المحلية

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 1435 - الخميس 10 أغسطس 2006م الموافق 15 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً