العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ

مؤسسات المجتمع مطالبة بالمساهمة في التصدي للجرائم

الوجه البشع... جرائم تغتال براءة المجتمع البحريني (2)

استكمالاً لحلقة الأمس التي تناولنا فيها آراء مختلفة حول أبعاد الصورة الإجرامية المؤسفة التي شهدها المجتمع البحريني في الآونة الأخيرة، يطرح مدير ادارة الخدمات وبرامج التنمية بالمحافظة الشمالية جهاد سلوم - الذي أجرى عدة أبحاث في مجال الجريمة - في مستهل هذه الحلقة تعريف الجريمة فيقول: إنها عبارة عن واقعة قانونية تمثل خروج الفرد عن إحدى القواعد الاجتماعية المأثورة في المجتمع الذي ارتكبت فيه. وحيث تهتم عادة المجتمعات بالتأكيد على مجموعة من القواعد دون سواها، نظرا لأهميتها من جانب علاقتها بالتقاليد والقيم في ذلك المجتمع، ومن ناحية أخرى خطورة الخروج عليها، فإن الجريمة تمثل بذلك ظاهرة اجتماعية تخص المجتمع الذي تقع فيه، وهي بذلك تختلف من مجتمع الى مجتمع آخر، ومن مكان الى مكان، كما تختلف في المكان ذاته باختلاف الزمان.

ويؤكد على أن الجريمة تمثل التهديد المباشر للأمن، لأن وجودها واستمرارها يشكل إعاقة للأمن والتنمية، فهي مصدر قلق دائم للسلطات العامة والناس، ويشهد مجتمع البحرين اليوم - نتيجة للمتغيرات المتلاحقة ولتشابك المشكلات الاقتصادية والاجتماعية - يشهد أنماطا جديدة من الجرائم، ويشهد أنواعا جديدة من المجرمين ويشهد تطورا بعيد المدى في أساليب ارتكاب الجرائم ويشهد زيادة في كثير من أنواع الجرائم. فهناك سرقات المصارف في وضح النهار وهناك سرقات المنازل والمتاجر وسرقة السيارات والمحلات وجرائم الأحداث وتعاطي المخدرات بين الشباب.

دور المواطن في مكافحة الجريمة

وينتقل سلوم الى دور أفراد المجتمع، فيرى أن حفظ الأمن يجب أن يصبح واجب كل مواطن، وذلك لتقليل الداخلين الى عالم الإجرام وخصوصا أن المجرمين في البحرين غالبيتهم من الشباب، ثم هناك حاجة للوعي بالوقوف في وجه المجرم بمساعدة الشرطة في القبض والمعلومات على أولئك الذين يعتدون على الأملاك الخاصة للمواطنين وأيضا على الأملاك العامة التي وجدت لمصلحة المواطنين جميعا بل هي مدفوعة من المال العام .

بالإضافة الى ذلك، فإن مسئولية المواطن كبيرة في الوقاية من الجريمة و الانحراف والتي ستكون مسئوليته في الأسرة عند تنشئة أبنائه ولا يوجد مذهب أو دين أو عقيدة تدعو الناس الى السرقة أو الجريمة أو التعدي على حقوق ومصالح الآخرين... إن عوامل سلوك الجريمة متعددة اجتماعية وثقافية واقتصادية وسياسية ولكننا نقتصر هنا على الجريمة التي توجه ضد الحياة الاجتماعية العامة والرأي العام والتعدي على مصالح العامة و الخاصة، وفي جميع هذه الجرائم أو الحالات فإن للأهل دورا كبيرا يمكن القيام به لصيانة أبنائهم من الوقوع في مهاوي الجريمة، استنادا بالطبع الى مساعدة المجتمع ومؤسساته عموماً.

مؤسسات المجتمع كشريك!

يمكن أن نستخلص من خلال آراء المتخصصين والقانونيين أن من بين أهم المؤسسات التي يمكن أن تواجه الجريمة والوقاية منها هي مؤسسات المجتمع المدني الأهلي فهي شريك في خلق مجتمع آمن فلابد من إشراكها والتنسيق معها في كيفية الوقاية من الجريمة، فالجهود التطوعية المنظمة يمكن أن توجه إلى إيجاد دعم للبرامج الكفيلة بالتوعية والتثقيف بشأن الجريمة وخطورتها ومستوياتها وكيفية العمل على التصدي لها ويمكن أن نشير هناك الى مسئولية جمعيات مهنية لم تعط ظاهرة الجريمة الدراسة الكافية والمسئولية المناسبة في البحث والدراسة والرصد مثل جمعية الاجتماعيين البحرينية وجمعية الاقتصاديين وجمعية المحامين وغيرها من المؤسسات.

الجريمة في البحرين

وعلى رغم مؤشرات عدة مثيرة للقلق على مستوى الجريمة في البحرين، فإن هناك مرئيات للتصدي لها، ومن المفيد هنا الإشارة الى أن هناك كلمة رئيس الإنتربول، رونالد نوبل، يشير فيها الى أنه يوجد في البحرين واحد من أكثر معدلات الجريمة انخفاضاً في العالم، لكن هذا لم يمنع من أن تشمل وثيقة وطنية مهمة، وهي مشروع الرد على الخطاب السامي في يناير/ كانون الثاني من العام 2003 الصادر عن رئيس وأعضاء مجلس النواب الذي تطرق للقلق من ازدياد معدلات الجريمة بشكل غير مسبوق، وازدياد عدد الحوادث المرورية القاتلة، وهذا ما يستوجب مراجعة جميع الأمور المؤثرة سلبا وإيجابا في بروز هذه الظاهرة، ومن ثمَّ الدعوة إلى اتخاذ كل الإجراءات القانونية الكفيلة بردع كل من تسول له نفسه العبث بأمن المملكة وزعزعة استقرارها مع عدم إغفال الأخذ بكل الوسائل المتاحة لعلاج هذه الظاهرة الغريبة على مجتمعنا وتعزيز الدور التربوي والتوجيهي لمؤسسات التعليم وأجهزة الإعلام ومؤسسة الشباب والرياضة ووزارة الشئون الإسلامية ووزارة الداخلية ووزارة العمل والشئون الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني للتعاون معاً في سبيل تقويم شخصية المواطن مستمدين ذلك من ديننا الإسلامي الحنيف.

وعلى مسار آخر، حمّلت لجنة الشئون الخارجية والدفاع والأمن الوطني في مجلس النواب في تقريرها الصادر في شهر يناير من العام الجاري الذي يتناول ملف معالجة الانفلات الأمني، السلطة التنفيذية مسئولية ايجاد حلقة ربط بين جميع الجهات الرسمية والأهلية ذات العلاقة من أجل استشعار مشكلات وقضايا الشباب ومحاولة ايجاد الحلول لها قبل تفاقمها، كما حملت وزارة الداخلية مسئولية التقييم الدوري لأداء أجهزة وزارة الداخلية المعنية بحفظ الأمن لمعرفة مواطن الخطأ أو النقص أو القصور، ومن ثم تلافيها في المستقبل، كما لم تغفل ما لجهات أخرى كوزارتي العدل والإعلام والمؤسسة العامة للشباب والرياضة وجمعية الاجتماعيين البحرينية من دور في معالجة الانفلات الأمني.

فيما دعت اللجنة وزارة الداخلية إلى تفعيل اجراءات الضبط وتطوير أساليب البحث والتحري، والنهوض بمستوى أداء الشرطة والارتقاء بطرق الممارسة الأمنية الوظيفية، وسرعة التكيف والتطور مع الظواهر الإجرامية المستحدثة والطارئة فجأة، والتقييم الدوري لأداء أجهزة وزارة الداخلية المعنية بحفظ الأمن لمعرفة مواطن الخطأ والنقص أو القصور، ومن ثم تلافيها في المستقبل من أجل تطوير العمل في جميع اجهزة وزارة الداخلية.

رؤية للتصدي للجريمة

وعلى رغم ضعف مشاركة المؤسسات والباحثين البحرينيين في دراسة مثل هذه الظواهر، إلا أن الباحث التربوي نادر الملاح، قدم في موقع «تربية نت» الذي يشرف عليه رؤية للتصدي للجريمة في المجتمع البحريني من خلال إعادة صوغ التشريعات والقوانين والإجراءات العقابية فيما يتعلق بالجريمة والانحرافات السلوكية بجميع أشكالها مع التشديد في نوع وحجم العقوبات على أن تنبعث هذه الإجراءات من روح التشريع الإسلامي.

ويشمل التصور التركيز على الحملات الإعلامية والتوعوية وإشراك المختصين في الجوانب التربوية والاجتماعية في هذه الحملات مع مراعاة أن تكون هذه الحملات مبرمجة ومنظمة بشكل صحيح يتلاءم مع الحجم الحقيقي للمشكلة، وتفعيل دور الجمعيات الأهلية والأندية الثقافية والاجتماعية في المجتمع البحريني وتقديم الدعم اللازم لها، بالإضافة الى إيجاد ودعم مراكز البحوث والدراسات التربوية والاجتماعية وتزويدها بالمختصين.

ومن النقاط الواجب وضعها في الإعتبار إعادة صوغ المناهج التربوية والتعليمية في جميع المراحل الدراسية بما يخدم أغراض التوعية والإرشاد التربوي والمهني، ووقف عمليات التجنيس العشوائي المنبعث من واقع الأغراض السياسية البحتة وإعادة النظر في قانون التجنيس بما يحفظ السلامة الاجتماعية، والعمل على تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية عموماً ورفع مستوى دخل الفرد، وكذلك بحث إمكان تطبيق نظام التأمين ضــد البطالة، والعمل الفوري على وقف انتشار الفساد الأخلاقي من خلال الفنادق والحانات ومنع بيع وتداول الخمور، وعدم الاكتفاء بما يسمى بإعادة التنظيم.


هل زاد معدل الجريمة في البحرين؟

في استطلاع بحثي أجراه الباحث البحريني نادر الملاح عبر موقع «تربية نت» عن معدل الجريمة في البحرين، أعطت النتائج بعض التصورات عن الموضوع، إذ قال 81 في المئة من المشاركين إن معدل الجريمة في المجتمع البحريني قد زاد فعلاً، ورأى 19 في المئة منهم أن المعدل ثابت ولم يتغير وإنما فقط زاد التركيز الإعلامي على الجريمة ومظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة.

وفي إجابة على سؤال عن أهم أسباب حدوث الجريمة في المجتمع البحريني، رأى 12,6 في المئة من المشاركين أن السبب الرئيسي يتمثل في تجنيس أعداد كبيرة من الوافدين بصورة عشوائية، في حين رأى 11,2 في المئة أن أهم تلك الأسباب سهولة القوانين والتشريعات وعدم ملاءمة أنواع العقوبات للجرائم، كما رأى 9,5 في المئة أن ضعف الوازع الديني وكثرة المغريات هي ما يقف وراء هذه الظاهرة. أما النسبة المتبقية من المشاركين (66,7 في المئة) فقد رأت الأسباب الثلاثة مجتمعة.

كما رأى بعض المشاركين في مداخلاتهم المكتوبة أن من بين الأسباب المؤدية لحدوث الانحرافات السلوكية وارتفاع معدل الجريمة: الإهمال الأسري وارتفاع حالات التفكك الأسري والطلاق والهجر والفراغ العاطفي ورفقاء السوء ووجود القنوات الفضائية الإباحية واللا أخلاقية عموماً والإنترنت مع غياب الرقابة الأسرية وفي ظل غياب المؤسسات الأهلية والحكومية وضعف دورها التوعوي. كذلك كان من بين الأسباب: التقاليد والأعراف التي تحول دون مناقشة مثل هذه القضايا على اعتبار أنها عار أو عيب، ما يعزز حدوثها ويؤدي إلى تكرارها.

كما رأى البعض أن البطالة وتدني المستوى العلمي والثقافي والوعي لدى بعض أفراد المجتمع والشريحة الكبرى من المجنسين هي من أبرز الأسباب.

وقد رأى 50,8 في المئة من المشاركين أن التحرشات والاعتداءات الجنسية هي أكثر أنواع الجرائم انتشارا في المجتمع البحريني، في حين رأى 42,8 في المئة أن السرقة هي ما يحتل المرتبة الأولى، بينما رأى 6,4 في المئة جرائم النصب والاحتيال هي الأكثر انتشاراً.

وفي الوقت الذي رأى فيه 68,3 في المئة أنهم فيما لو تعرضوا لجريمة ما فإنهم سيلجأون إلى الشرطة لاسترداد حقهم، رأى 30,1 في المئة أنهم سينتقمون بأنفسهم، منهم 68,4 في المئة بسبب عدم ثقتهم في القائمين على تطبيق القانون على رغم ثقتهم بالقانون نفسه، في حين رأى 31,6 في المئة أن سبب لجوئهم إلى الانتقام الشخصي هو عدم ثقتهم في القانون نفسه.

وللحد من هذه الظاهرة المتنامية في المجتمع البحريني أكد 58,7 في المئة ضرورة تطبيق التشريع الإسلامي والقصاص العادل ولاسيما أن الدين الرسمي للبلاد هو الإسلام. أما نسبة 15,9 في المئة من المشاركين فقد رأوا تعديل القوانين الحالية بما يلائم الوضع المستجد وحجم الظاهرة.


أكثر الجرائم انتشاراً في البحرين

على رغم أنه لا يوجد تصنيف علمي، أو دراسة مرجعية للجريمة في البحرين محددة بالنسب التقريبية، فإنه يمكن الوقوف على أكثر الجرائم تكراراً وانتشاراً:

إدمان وتعاطي المخدرات: وهذه المشكلة تسببت في قتل الكثير من الناشئة والشباب.

الانتحار: وينتشر بدرجة كبيرة بين الآسيويين، مع تسجيل محاولات انتحار بعضها اكتمل وبعضها لم يكتمل بين بعض المواطنين وخصوصاً فئة الإناث من الشباب، فيما تعتبر محاولات الانتحار في أماكن العمل بين الآسيويين شنقاً في المراوح من أكثر الأساليب المسجلة.

جرائم القتل: وهي تتكرر بين الحين والآخر بين الوافدين من الأجانب بالدرجة الأولى وتعتبر قليلة بين البحرينيين، غير أن جرائم القتل التي يتورط فيها الآسيويون تعتبر كبيرة.

الاعتداءات الجنسية: ويتضرر منها الأطفال من الجنسين، وتسجل في بعض الأحيان حالات اغتصاب بين البالغين.

السرقة: وتعتبر من الحوادث المستمرة التي تشمل مختلف المناطق، بل وتظهر في مناطق بدرجة أكبر من غيرها، وتشمل في بعض الأحيان دور العبادة.

وهناك جملة من الجرائم التي يعاقب عليها القانون كالتزوير والاختلاس وإدارة بيوت الدعارة والاتجار غير المشروع في المخدرات. لكن بسبب نقص الدراسات في هذا المجال فإن الباحثين الاجتماعيين يجمعون على أن تلك الجرائم لا تصل الى معدل الظواهر وأن الوضع الأمني في البلاد يعتبر مستقراً وإنما يتوجب التركيز على الجوانب الإعلامية أولاً ثم تشديد العقوبات على المتورطين وعدم التهاون معهم

العدد 1448 - الأربعاء 23 أغسطس 2006م الموافق 28 رجب 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً