العدد 3485 - الخميس 22 مارس 2012م الموافق 29 ربيع الثاني 1433هـ

التحرر من الدكتاتورية بأسلوب سلمي وواقعي (3)

جين شارب comments [at] alwasatnews.com

فيلسوف متخصص في سياسة اللاعنف

قد ينظر البعض إلى أي انقلاب ضد نظام دكتاتوري على أنه الخيار الأسهل والأسرع نسبيا في التخلص من النظام الحاكم البغيض. ولكن هناك مشاكل خطرة ترافق هذا الخيار أهمها أنه لا يغير في مساوئ توزيع السلطات بين الشعب والفئة التي تسيطر على الحكومة وقواتها العسكرية. إن إزاحة أشخاص أو إزاحة زمرة معينة تفتح المجال امام مجموعة أخرى لتحل محلها، وقد تكون هذه المجموعة، من الناحية النظرية، أكثر دعة في ممارساتها وتكون منفتحة أكثر بطرق محدودة إلى الإصلاح الديمقراطي، لكن إمكانية حدوث العكس هي الأقوى.

فعندما تعزز الزمرة مركزها فإنها قد تتحول إلى نظام أكثر همجية وأكثر طموحا من النظام السابق، بالتالي فإن زمرة الحكم الجديدة، التي عقد الناس عليها آمالهم - تستطيع أن تفعل ما تريد دون أي مراعاة للديمقراطية أو حقوق الإنسان، وهذا ما لا نطمح إليه في بحثنا عن حل لمشكلة وجود نظام دكتاتوري.

لا تسمح الأنظمة الدكتاتورية بإجراء انتخابات قد تحدث تغييرات سياسية مهمة. ونجد أن بعض الأنظمة الدكتاتورية مثل الأنظمة التي حكمت الاتحاد السوفياتي سابقا قامت بإجراء استفتاءات لتظهر وكأنها ديمقراطية، ولكن هذه الاستفتاءات كانت مجرد إجراءات شكلية للحصول على موافقة الناس على مرشحين اختارتهم تلك الأنظمة بعناية بالغة. قد يوافق الحكام الدكتاتوريون على إجراء انتخابات إذا وقعوا تحت ضغوطات، ولكنهم يتلاعبون بها لكي يعينوا دمى يتحكمون بها، وإذا سمح لشخص معارض بأن يرشح نفسه ويتم بالفعل انتخابه فإنه يتم تجاهل النتائج أو قد يتعرض الشخص المنتخب إلى الترهيب أو الاعتقال أو حتى الإعدام مثلما حصل في بورما العام 1990 ونيجيريا العام 1993، فالحكام الدكتاتوريون لا يسمحون بإجراء انتخابات تؤدي إلى عزلهم عن عروشهم.

لا يؤمن الكثير من الناس الذين يعانون تحت نير الأنظمة الدكتاتورية الوحشية، والعديد منهم الذين اختاروا المنفى لينجو من قبضتها، بقدرة الشعوب المضطهدة على تحرير نفسها، فهم يأملون النجاة لشعوبهم فقط إذا تدخل الآخرون. حيث يضع هؤلاء ثقتهم في القوى الخارجية ويؤمنون بأن المساعدة الدولية فقط تمتلك القوة الكافية لإسقاط الأنظمة الدكتاتورية.

قد تكون هذه النظرة - عدم قدرة الشعوب المضطهدة على العمل بشكل مؤثر – صحيحة لفترة معينة من الزمن لأنه كما ذكرنا سابقا لا تملك الشعوب المضطهدة الرغبة أو القدرة – بشكل مؤقت – على المقاومة، حيث لا تملك الثقة في القدرة على مواجهة همجية الأنظمة الدكتاتورية ولا تعرف طريقا لخلاصها. من هنا نجد أن الكثير من الناس يضعون آمالهم في التحرر في الآخرين حيث تعقد الآمال على قوة خارجية قد تتمثل في الرأي العام أو الأمم المتحدة أو بلد معين أو في اجراء مقاطعة اقتصادية وسياسية.

قد يبدو هذا السيناريو مجابها ولكن في حقيقة الأمر نجد أن الاعتماد على قوة خارجية له انعكاساته الخطرة، فقد نضع ثقتنا في موضع خاطئ لأن المنقذ الخارجي لن يأتي يوما وحتى إذا تدخلت دولة أجنبية فإنه لا يجب الثقة بها.

فيما يلي عرض لبعض الحقائق المرة المتعلقة في الاعتماد على التدخل الأجنبي والتي تتطلب التركيز:

- الدول الأجنبية تساعد أنظمة الحكم الدكتاتورية من أجل الحفاظ على مصالحها الاقتصادية والسياسية.

- الدول الأجنبية مستعدة لبيع الشعوب المضطهدة بدلا من الحفاظ على وعودها لها بالمساندة والتحرر مقابل هدف آخر.

- تتخذ الدول الأجنبية خطوات ضد الأنظمة الدكتاتورية فقط من أجل الحصول على مكاسب اقتصادية وسياسية وسيطرة عسكرية على البلاد.

- قد تتحرك الدول الأجنبية لمساندة المقاومة الداخلية عندما الأخيرة قد بدأت بهز النظام الدكتاتوري وحولت تركيز العالم إلى طبيعته الهمجية.

يعود فضل بقاء الأنظمة الدكتاتورية في الوجود أساسا للتوزيع الداخلي للسلطة في البلاد التي تحكمها، فالسكان والمجتمع لا يشكلون خطرا محدقا بسبب ضعفهم لأن ثروة البلاد ومراكز قوتها موجودة في أيدي قلة من الناس. أضف إلى ذلك ان التدخلات الدولية ضد الأنظمة الدكتاتورية قد تفيدها أو تضعفها بشكل أو بآخر، أما بالنسبة لاستمرارية وبقاء الأنظمة الدكتاتورية فهذا يتوقف بالأساس على عوامل داخلية.

الضغوطات الدولية مثل فرض مقاطعة اقتصادية دولية أو فرض حصار اقتصادي أو قطع العلاقات الدبلوماسية أو الطرد من المنظمات الدولية أو الاستنكار من قبل المنظمات التابعة الأمم المتحدة أو الأعمال الأخرى المشابهة تعود بالفائدة على الشعوب المضطهدة ولكن فقط عندما تكون لديها حركة مقاومة داخلية قوية لأنه بغياب مثل هذه الحركة لن تكون هناك ردود فعل دولية.

في نهاية الأمر نجد أن التحرر من الأنظمة الدكتاتورية يعتمد أساسا على قدرة الشعوب على تحرير نفسها بأيديها. ان حالات النجاح التي حققها التحدي السياسي أي استخدام النضال اللاعنيف من أجل تحقيق أهداف سياسية، كما جاء ذكرها أعلاه تشير إلى أن هناك فعلا وسائل لتحرر الشعوب نفسها، ولكن يبقى خيار التحدي السياسي استخدام النضال اللاعنيف بحاجة إلى تطوير.

إقرأ أيضا لـ "جين شارب"

العدد 3485 - الخميس 22 مارس 2012م الموافق 29 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً