العدد 3486 - الجمعة 23 مارس 2012م الموافق 30 ربيع الثاني 1433هـ

الخبير «أبوفوطة»

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

زوج غني يعاني من بعض المشاكل الأسرية، اتصل بجمعية اجتماعية تعمل في مجال حل المشاكل الأسرية بين الأزواج تحديداً، وذلك للتدخل بينه وبين زوجته فبينهما ما صنع الحداد! نصحته الجمعية بحضور ورشة عمل أُسرية تقيمها عن الخلافات الزوجية يحاضر فيها خبير أجنبي من خارج البلاد. حضر الزوج، رغم مشاغله العديدة، فأعجب بمحاضرات الخبير وأسلوبه الملفت للنظر في حل المشاكل الأسرية وخصوصاً أنه قد ركز على ما يجب أن تفعله المرأة من أجل إسعاد الرجل وإن وجه دبابيس خفيفة للرجل أيضاً كي يسعد المرأة، ليحافظ الخبير على الميزان ويضمن سبب وجوده في الورشة. ما دفع بالزوج لأن يتفق مع الخبير بعقد مؤقت ليقوم بحل مشاكله الأسرية المستعصية مع زوجته وذلك لعدم توافر متسع من الوقت عنده لحل تلك المشاكل وتأثيرها على عمله. فاقترح الخبير أن تكون المرحلة الأولى من الحلول بعنوان «الزوجة أولاً». اقتنع الزوج الغني وقام باستضافة الخبير على نفقته الخاصة في إحدى الشقق الفندقية من أجل هذا الغرض وليكون بذلك أول زوج يقوم بهذا العمل!

قدم الخبير فعلاً بعض الحلول البسيطة جداً لرأب الصدع بين الزوجين، ومع أن تلك الحلول كانت ماثلة للعيان أمام الزوج ولكن بسبب مشاغله الكثيرة وراء جمع الثروة كان غير ذي بصيرة وفي سهوٍ عنها. ولأن الخبير لا يستطيع أن يعيش أعزب ولوحده طوال الوقت فقد جلب زوجته وأولاده وأسكنهما معه في الشقة الفندقية بموافقة الزوج الغني. وكي لا تشعر الزوجة بالملل والأولاد بالغربة؛ فقد دبر الخبير عملاً لزوجته في إحدى شركات الزوج وأدخل أولاده في مدارس أجنبية على حساب الزوج!

تدريجياً تحسنت العلاقة بين الرجل الغني وزوجته لمجرد شعور الزوج بوجود خبير يراقب علاقتهما ويقوّم اعوجاجها. وحتى لا يظهر الزوج أمام الخبير الأجنبي بعدم الطاعة والأنانية والتخلف حضارياً؛ فقد اتبع نصائحه حرفاً بحرف وخطوة بخطوة ولأنه لم يتعود أبداً على حل مشاكله مع عائلته وإن بدت صغيرة وبسيطة بل وتافهة في بدايتها وغير مستعصية على الحل، فقد بدا له أن ما قام به الخبير لهو عجب العجاب ومعجزة المعاجز؛ فجدد معه العقد لفترة أخرى! وكذلك قامت زوجة الخبير بمساعدة زوجة الغني على تخطي عقبات الحياة الأسرية مع الزوج بإشغالها بأمور أخرى تحت عنوان «المهارات الحياتية أولاً» ولم تكن الزوجة تهتم بها في علاقتها مع زوجها. وبذا أصبحت زوجة الخبير من خيار صديقاتها وصارت تسمع منها بجد ما تسر به لها في جلسات شاي الضحى خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وبسبب أن أبناء الزوج الغني المراهقين الذين أفسدتهم التربية المنفلتة كما يبدو بلا ضوابط أخلاقية دينية عالية وحضارية في الجانب الإنساني النافع منها؛ وكان مرد ذلك لانشغال الزوج عن أولاده بأعماله الخاصة؛ استعان بالخبير وزوجته لحل مشاكل الأولاد أيضاً. فأقنعه الخبير الأب بأن ابنه الأوسط لهو خبير مشاكل الأبناء المراهقين، ولذا بدأ معه برنامج جديد لحل مشاكل أبنائه المراهقين الذين أفسدتهم التربية الخطأ، وأطلق عليه «المراهقون أولاً».

وبالتدريج أدمن الزوج الاعتماد على الخبراء في كل تفاصيل حياته حتى في حل مشاكل أسرته مع الخدم من السائق حتى خدم المطبخ وتنظيف الحمامات! فأضحى مع الوقت «مدمن خبراء» من شتى الأصقاع إلا الداخل.

ولكن مع الوقت اكتشف الغني أن وجود الخبراء في حياته بدأ يكلفه ويثقل كاهله ويجبره على تقديم تنازلات لزوجته وأولاده أفرحت أفراد أسرته وخصوصاً الزوجة، بدعوة الخبير للزوج لمزيد من الشفافية للحسابات السرية. وشعر الزوج بأن هذا الوضع بدأ يسحب البساط من تحت يده ويؤثر على سلطته في شركاته الخاصة ويخيب آماله ضمن «حزمة إصلاح العلاقات الأسرية» بينه وبين زوجته وأولاده، كما سماها الخبير مؤخراً. وأنه لم يعد يرغب في أن يكون تحسين علاقاته مع أسرته على حساب عدم زيادة أعماله وثروته التي كادت تقترب من المليار قبل وجود الخبير.

وعندما اكتشف ذات صباح في لحظة من لحظات مراجعة الحسابات وفتح الدفاتر أن هناك إسرافاً متزايداً في مسألة الخبراء، بل واكتشف وهو في نشوة الفرح بحل بعض مشاكله الأسرية، أو قل تحويلها لمن يرعاها بالمال من الخبراء، أن لديه فريقاً كبيراً من هؤلاء؛ قرر أن يتخلص منهم دفعة واحدة. لكنه سرعان ما تلقى من احدى المنظمات الدولية المدافعة عن حقوق الخبراء الإنسانية في العالم، مذكرة شديدة اللهجة على قراره الذي فكر وتطلب في نهايتها من الزوج الاستعداد لاستقبال لجنة تقصي أمور الخبراء الذين ينوي التخلص منهم وخصوصاً الخبير الأول «أبوفوطة» وزوجته وأولاده وأقرباءه من جانب الزوج والزوجة وأصدقاء الأولاد الذين جلبوهم من الخارج! فاستغرب الزوج الغني لسرعة تسرب ما فكر فيه بشأن التخلص من الخبراء بين ليلة وضحاها وهو لم يسرّ به لأحد سوى لابنه الأكبر الذي يثق به!

لذا، أخذ الرجل الغني يبحث عن خبير آخر جديد كي يخلصه من الخبراء القدامى ومن ورطة لجنة تقصي الخبراء الأممية التي لم يحسب حسابها يوماً!

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3486 - الجمعة 23 مارس 2012م الموافق 30 ربيع الثاني 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 6:49 ص

      الأستاذ محمد حميد السلمان

      يبهرني مرة بعد مرة بفصاحة كلمته و قوة معناه ، و ياللأسف فإن معظم المعلقين لم يستطيعوا فهم مغزى القصة الثاقب ، حيث أنها و للوهلة الأولى تبدو كقصة عادية ذات مغزى له علاقة بحياتنا المادية ، و لكن الأستاذ ليس فقط اراد الأشارة إلى ذلك ، بل أظن أنه يشير إلى حال الحكم و اعتماده على اللجنة تلو اللجنة لحل المشاكل ، إلى أن اصبحت عبئا كبيرا و تطلب الآن التخلص منها لجان جديدة للتلميع الأعلامي و المشورة!

    • زائر 8 | 5:41 ص

      حلوة

      لا نريد خبير اصلى .. من الى تعرفونهم

    • زائر 7 | 3:40 ص

      نصف ونصف

      لا باس أن استعين بخبير أو مستشار لحل مشكلتي ، والاهم أن أعمل بما يرشدني إليه بالتفصيل وإن تمكنت من عمل إضافي نبيل فنور على نور .
      ولكن ما الفائدة بعد طول وقت ومصاريف لا حد لها من مخالفة المستشار او رجل القانون .
      (( نصف عل المستشار والنصف الاخر علي ))
      وشكر يا ولد السلمان

    • زائر 6 | 3:06 ص

      ما أكثر الخبراء حين تعدهم

      ما أكثر الخبراء حين تعدهم لكنهم في النائبات قليل

      ما ضيعوكم سوى الخبراء لو بذل ما أعطيتموهم من مال على من حولكم لاصبحتم واصبحوا في يتمناه كل عاقل

    • زائر 4 | 1:10 ص

      يبغه اليه خبير 688

      لذا، أخذ الرجل الغني يبحث عن خبير آخر جديد كي يخلصه من الخبراء القدامى ومن ورطة لجنة تقصي الخبراء الأممية التي لم يحسب حسابها يوماً!

    • زائر 3 | 12:45 ص

      سلمت يبن السلمان

      هذا الرجل الغني كان يغنيه عن الخبراء وتوابعهم وتحاشي مصاريفهم التي قضمت الكثير من ثروته قليل من الشجاعه وحبتين صراحه مع اسرته وبعض الواقعيه مع نفسه وخوف من الله وكل هذا ما يكلفه مليم والغقل زينه يبن السلمان.....ديهي حر

    • زائر 2 | 12:35 ص

      كلام في الصميم

      ماشاء الله المقال أكثر من روعه ، كما يقول المثل اياكي اعني فسمعي يا جارة
      لا كن يا خوك
      جارتنا صمخه و عمياء سوفه لن تعي الا بعد ان يسكب اللبن

    • زائر 1 | 11:37 م

      خبراء

      هذا حال اللي ما يطيع رب العالمين. تشغله مكاسب الدنيا عن اهله و رعيته و يصبح معتمدا على من لا يؤمن بالله في حل مشاكله. لو كان عادلا و منصفا لما احتاج خبراء. احسنت في كتابة القصة.

اقرأ ايضاً