العدد 1460 - الإثنين 04 سبتمبر 2006م الموافق 10 شعبان 1427هـ

في انتظار تقرير عنان

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

شارفت جولة الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان في المنطقة على الانتهاء. ومن الآن إلى أن يرفع تقريره عن نتائج الجولة إلى مجلس الأمن في 11 سبتمبر/ أيلول الجاري يمكن التكهن بأن الزيارات واللقاءات والاتصالات التي اجراها لم تحقق الاختراق المطلوب. وكل ما صدر حتى الآن من تصريحات تتعلق بالجولة كانت عادية. فالكلام الايجابي الذي تناقلته الصحف ووكالات الأنباء لم يشر إلى علامات مميزة فهو قيل احياناً من باب رفع العتب أو المجاملات البروتوكولية. وهذا يعني ان التوقعات من الجولة لم تكن في محلها في اعتبار ان ما نقل من كلام بشأنها جاء كله تحت سقف القرارات الدولية التي تنص على اوامر ونواهٍ تنتظر من يأخذ بها أو يطبقها.

بانتظار تقرير عنان في 11 سبتمبر الجاري يمكن استباق الوقت والقول إنه لا جديد في الموضوعات التي تناولها أو بحثها أو تطرق اليها. فالكلام المتداول كان متوقعاً وجاء محسوباً وتحت إطار الالتزامات الدولية التي تنص عليها القرارات. وبما ان القرارات الدولية معلنة ومعروفة كذلك المواقف منها فان ما قيل عن نجاحات واختراقات مجرد كلام مبالغ فيه. فالأمين العام لم يقدم إضافات على فقرات القرارات ولم يعرض آليات معقولة يمكن الاخذ بها كوسائط لتنفيذ المطلوب منها. حتى التوضيحات التي صدرت عنه لم تضف الجديد على المعروض سابقاً. لذلك يمكن القول إن الجولة كانت لرفع العتب وتبليغ رسالة للرأي العام ان الأمم المتحدة قامت بوظائفها حتى اللحظات الاخيرة وحاولت جاهدة ان تقنع الاطراف المعنية بالقرارات بضرورة التجاوب معها والالتزام بها... ولكن العواصم التي شكلت محطات للجولة لم تكن على السوية المتوقعة.

الجولة كانت بروتوكولية وطغى عليها الجانب الشكلي على العملي في اعتبار ان العواصم التي استقبلت عنان لم تكن تتوقع منه كسر المحرمات ورفع السقف أو خرق القرارات. فالأمين العام في النهاية ليس رئيس دولة كبرى وإنما نتاج توازنات قلقة تعكس مصالح الدول الكبرى وامزجتها وخططها وأهدافها. وعنان في هذا السياق لا يؤخر أو يقدم إذا لم تطلق الدول الكبرى سراحه وتعطيه صلاحيات يستطيع من خلالها المناورة أو التفاوض أو تقديم بدائل لكسر الجمود الذي يسيطر على المنطقة أو لتعديل مواقف تشكل الطوق الذي يلف قضايا الناس ومصالح الدول في هذه الدائرة من العالم.

مثلاً في فلسطين لم ينجح عنان في كسر الحصار الإسرائيلي (الأميركي) المضروب حول السلطة الفلسطينية المنتخبة من الشعب. فهو لم يستطع تحريك موضوع الاسرى أو إطلاق سراح نواب ووزراء أو السماح لقوافل الاغاثة والمساعدات بالعبور أو وقف الغارات الجوية والبحرية والبرية اليومية ضد الاحياء المدنية والأبرياء. كل هذه المطالب الملحة والحيوية لم يتوصل عنان الى اتفاق معقول بشأنها. حتى انه تردد في طرح موضوعات تمس جوهر السيادة الفلسطينية مثل السماح للمصارف العربية والدولية بتحويل الأموال لدفع اجور الموظفين والعمال. المال موجود ولكن الولايات المتحدة بدعم من الاتحاد الأوروبي هددت المصارف بالمقاطعة إذا تجرأت على تحويل الأموال إلى أصحابها.

عقاب جماعي

هذا العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني لم يتطرق إليه عنان. فالعقاب مبرمج والمقصود منه تركيع السلطة الفلسطينية وشل حركتها ودفعها إلى السقوط بضغوط داخلية ناجمة عن انسداد آفاق الحلول السياسية وعدم قدرة حكومة حماس على ابتكار آليات لتجاوز المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتربوية التي تفاقم حياة الشعب المحاصر من كل الجهات.

هذا في فلسطين. وفي لبنان تكرر المشهد نفسه. فهذا البلد الصغير يتعرض بدوره إلى عقاب جماعي من نوع آخر. فهو حتى الآن يعاني من آثار العدوان ولاتزال «إسرائيل» تفرض عليه الحصار الجوي والبحري. ورفضت تل ابيب رفع الحصار المخالف للقرار الدولي على رغم النداءات التي وجهها عنان خلال جولته.

وفي دمشق ايضاً لم تظهر بعد انتهاء زيارة المبعوث الدولي علامات إيجابية باستثناء تصريحات ملتبسة صدرت عنه واستوجب تصحيحها أو توضحيها. وهذا يعني ان عنان اكتفى بطرح الشكليات ولم يدخل في عمق المشكلات التي تشكل جوهر الأزمات في المنطقة. فالأمين العام أعاد التذكير بما هو معروف ومعلن ولم يقل الجديد الذي يساعد على فتح قنوات في المسالك المقفلة.

وفي طهران كذلك لم يخرج من غرف الاجتماعات والجلسات الشيء المفيد والدسم. وكل ما قيل وذكر من كلام وتصريحات مجرد أحاديث دبلوماسية عامة وتنويعات على مواقف معلنة ومصرح بها.

شارفت جولة عنان على الانتهاء ولاتزال الأمور على حالها. السلطة الفلسطينية بدأت تترنح داخلياً بعد نجاح الحصار الدولي والضغوط المالية والاقتصادية في تشكيل معارضة داخلية تريد كسر الطوق وربما التخلص من حكومة تمتلك البرنامج السياسي وتفتقد إلى آليات لتنفيذه. والحكومة اللبنانية التي انهالت عليها الوعود بالمساعدات المالية للبدء في إعادة الإعمار تتعرض إلى حصار إسرائيلي (أميركي) يعطل عليها امكانات التحرك لمعالجة ملحقات العدوان وإزالة آثار حرب الدمار الشامل. أما في دمشق وطهران فإن جولة عنان لم تنجح في التوصل إلى ابتكار أسلوب يساعد على تحقيق الاختراق المطلوب حتى يبدأ التغيير في قواعد اللعبة تمهيداً لوضع اسس جديدة في التعامل مع قضايا المنطقة بدءاً من الموضوع الفلسطيني وانتهاء بالملف النووي.

اذاً لماذا حصلت الجولة إذا كان هذا هو مسارها المرسوم سلفاً؟ الجواب ينتظر تقرير عنان في 11 سبتمبر الجاري. ولكن المتعارف عليه بروتوكولياً ان الدول الكبرى تلجأ عادة إلى هذه الوسيلة الاعلامية والترويج الدعائي حين تكون في صدد اتخاذ خطوات حاسمة في هذا الملف أو ذاك. فمثل هذه الجولات الرسمية تكون عادة للتغطية والقول أمام العالم ان الدول الكبرى استخدمت كل وسائل الاقناع وحاولت الاجتهاد على مختلف المستويات بما فيها ارسال ممثل أعلى سلطة دولية في العالم إلى الاطراف المعنية... وكانت النتيجة مجموعة اصفار مكعبة. فالدول الكبرى تلجأ دائماً إلى هذه الحيلة حين تكون في صدد البحث في اتخاذ قرارات أخرى.

هل فعلاً هناك «شيء ما» تستعد له الدول الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة في الاسابيع المقبلة؟ وهل جولة عنان هي مجرد خطوة دبلوماسية شكلية ومبرمجة ومحدودة ومتواضعة ومكبلة بسلسلة قرارات دولية وبالتالي تم تنظيمها للتغطية على خطوات حاسمة ستقررها دول مجلس الأمن في جلساته المقبلة؟

ما هو معلوم عن الجولة وما صدر بشأنها من تصريحات وتصرفات يؤكد هذا الاحتمال. فكل الأمور لم تتزحزح وكل المشكلات بقيت على حالها. هذا في ظاهر الأمور أما باطنها غير معلوم ومعروف، وبالتالي لابد من انتظار نتائج الجولة التي شارفت على نهايتها. وبعد ذلك يأتي تقرير عنان إلى مجلس الأمن في 11 سبتمبر

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1460 - الإثنين 04 سبتمبر 2006م الموافق 10 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً