العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ

«كلية التعليم التطبيقي» تحاصر طموحات الطلبة

الإحباط... الصدمة والألم... مشاعر اختلطت على خريجي الثانوية

في منتصف شهر أغسطس/ آب، يفر البحرينيون من حرارة الجو، فهناك من يسافر، وهناك من لا يستطيع الفرار، فتكون الإجازة السنوية هي الملاذ، ليقضيها المواطن تحت أصوات المكيفات... لكن، كيف استطاعت جامعة البحرين أن تنسي أولياء الأمور لهيب الصيف بلهيب قراراتها، ما السياسة التي تنتهجها الجامعة حالياً؟وما المبررات من وراء ذلك هل تعاني جامعة البحرين من عجز مالي فعلاً أم أنها تعاني من عجز إداري راح ضحيته الطلبة الجدد؟ ثم، ما الذي سيفعله الطلبة وأولياء أمورهم، والجامعة على الأبواب هل سيرضخون للواقع الذي وجدوا أنفسهم أمامه أم سيواصلون تمردهم وهل سيصلون إلى نتيجة من وراء هذا التمرد، وخصوصا أن معظم الجامعات الأخرى قد أغلقت أبواب التسجيل؟

فبين ليلة وضحاها، وجد طلبة الثانوية العامة المتخرجون للتو، والمفعمون بالأمل والحياة، وجدوا أنفسهم أمام خيار واحد لا ثاني له... كلية التعليم التطبيقي، ذات البرنامج الخاص مجهول المصير... يقضي الطالب فيها سنتين من عمره ليحصل في النهاية على شهادة دبلوم مشارك... ثم يقضي الباقي من عمره متجولا بين الجامعات، عل إحداهن تشفق عليه وتفتح له أبوابها، لتمنحه شهادة البكالوريوس - والتي أعلنت جامعتنا الوطنية عجزها عن أداء هذه المهمة - ليبدأ من هنا حياته... فهل أصبحت جامعة البحرين مقبرة لطموحات طلبتها ما هي وجهة نظر الطلبة وكيف يحلل كل منهم السياسة الحالية للجامعة أسئلة كثيرة أجاب عنها الطلبة الجدد المقبولون في كلية التعليم التطبيقي، عقب عليها أولياء أمورهم، فماذا قالوا؟

ضاعت البعثة بسبب امتحان القدرات...

تعبر معصومة عبدالرسول، خريجة علمي بمعدل 95,3 في المئة عن شعورها الشديد بالظلم «حصلت على بعثة من وزارة التربية والتعليم في التخصص الذي كنت أطمح لدراسته، إلا أني فوجئت باسمي مدرجاً ضمن أسماء الطلبة المقبولين في كلية التعليم التطبيقي، أي أن البعثة قد سحبت مني، بالإضافة إلى تغيير التخصص الذي كنت أود دراسته. لم أجد مبرراً لدى جامعة البحرين، سوى أن معدلي بعد تقديم امتحان القدرات العامة قد أصبح 86 في المئة على رغم كوني لم استشعر صعوبة في تقديم الامتحان، وبذلك، فإن تعب الدراسة في السنوات الثلاث الماضية قد ذهب هباء منثورا». وعما تعتزم فعله، أكدت معصومة «لا استطيع مواصلة الدراسة في جامعة البحرين بشهادة دبلوم، فأعتقد أني استحق أكثر من ذلك بكثير، ما دفعني للتسجيل في إحدى الجامعات الخاصة».

أما عمار محمد فريدون، خريج صناعي بنسبة 93,2 في المئة، فقد عبر عن صدمته بعد حصوله على هذا التخصص «لم أكن متوقعاً أبداً أن أحصل على تخصص بدرجة دبلوم، وخصوصا أن معدلي يؤهلني للحصول على فرصة أفضل من هذه بكثير، ما يثير أسئلة كثيرة في ذهني، لا أجد لها إلا تفسيراً واحداً، وهو أن سياسة الجامعة تتمثل في تأخير تخرج الطالب، خصوصاً مع ازدياد نسبة البطالة في البحرين». وعما ينوي فعله، قال فريدون «أحاول الآن البحث عن جامعة أخرى لدراسة الهندسة الميكانيكية، إلا أن الوقت أصبح متأخراً جداً، ما يضعف نسبة قبولنا فيها».

وبانفعال شديد، أعربت زينب علي سلمان، الحاصلة على 92 في المئة من القسم العلمي، عن درجة الإحباط التي وصلت إليها بعد تلقيها الخبر «ما الذي تعتزم الجامعة فعله بنا فإذا كانت بداية دراستنا الجامعية مليئة بالإحباط، فما الذي ننتظره على مر السنوات المقبلة أعتقد أننا كطلبة بتنا ضحايا لضغوط سياسية تمليها الحكومة على الجامعة، ففي السنة الماضية ظلمت شريحة معينة من الطلبة، إلا أن الظلم في ازدياد، ما يحبط من عزائمنا كطلبة». وأضافت زينب «مضطرة للقبول بالأمر الواقع، فليس لدي خيار آخر، إلا أنني سأحاول البحث عن جامعة أخرى خلال الفصل المقبل، فأن يضيع فصل دراسي من عمري، خير من أي يضيع عمري بأكمله».

نأمل تطوير البرنامج...

بابتسامة حزينة، اعتبر علي بدر الحداق، خريج التجاري بنسبة 88 في المئة أن «امتحان القدرات العامة قد احتوى على بعض الصعوبات، ما يجعلنا نشعر بظلم كبير كطلبة، فمن جهة عولت الجامعة 30 في المئة من النسبة على الامتحان، ومن جهة أخرى ساوت بين طلبة الجيد جداً وطلبة الجيد، فأين العدل من كل هذا» وواصل علي «أحاول أن أكون أكثر تفاؤلاً لأنني مضطر للدراسة في جامعة البحرين، لكني أدعو الجامعة إلى السعي الحثيث لتطوير البرنامج، ولن يكون ذلك إلا بإضافة برنامج البكالوريوس الذي يرضي طموحنا كطلبة».

من جهتها، أكدت أماني محمد، خريجة القسم الأدبي بنسبة 88,4 في المئة «أن المؤامرة قد باتت واضحة، فالعدد الكبير للطلبة المقبولين في هذه الكلية يثير أمامنا الكثير من الأسئلة، والتي لا أبررها إلا بكونها مؤامرة بين الحكومة والجامعة، فعلى الأقل كان من المفترض إخبارنا بما تعتزم الجامعة فعله لنكون على بينة، لا أن نجد أنفسنا أمام الأمر الواقع عاجزين عن فعل أي شيء».

يقول إبراهيم خليل، حاصل على 86 في المئة من القسم التجاري: «توقعت الحصول على إحدى الرغبات الثلاث الأولى، إلا أن القدر شاء أن أكون في قافلة المظلومين، ما يدفعني للتمرد على الواقع والدراسة في إحدى الجامعات الخاصة التي بلا شك ستوفر لي فرصة أفضل، على رغم كون الرسوم مبالغاً فيها بعض الشيء في هذه الجامعات». ومن وجهة نظر إبراهيم فإن «سياسة الجامعة تتمثل في تقليص عدد المتخرجين بشهادة البكالوريوس، لتحد بذلك من المطالبين بوظائف مرموقة، ولتبرر الحكومة لنفسها ازدياد عدد الأجانب في سوق العمل».

نرفض أن نكون حقل تجارب!

واعتبرت خلود يوسف، متخرجة من قسم التجاري بنسبة 87 في المئة، أن «دفعتنا ليست إلا حقل تجارب، يمارسون علينا برامجهم الجديدة التي لا نعلم إلى أي مستقبل ستأخذنا، فمن الواضح جداً أن مصيرنا مجهول مع هذا التخصص، ولكن ما باليد حيلة، فليس أمامي سوى الرضوخ لما فرض علي من تخصص». وواصلت خلود بحزن «أشعر بالظلم، فكثيرات من زميلاتي كن ممن قدمن الإعادة، وها هن الآن يتساوين معي في دراستي الجامعية، فأين الانصاف من كل هذا»؟

إسماعيل عبدالله مكي، حاصل على 86 في المئة من القسم التجاري، يقول «كنت أطمح لدراسة المحاسبة، وإن لم أكن متفائلاً جداً من حصولي على رغبتي، لكني أبداً لم أكن أتوقع أن أزج في كلية جديدة لا مستقبل لها، مما يجعلني أشعر بالتورط». وبتحدي يؤكد إسماعيل «لن أرضخ للواقع، فأنا في طريقي للدراسة خارج البحرين خلال الفصل الثاني، فسياسة الجامعة تهدف إلى الدفع بالطالب نحو الجامعات الخاصة، وهو نهج لا أحبذه، إذ تبقى الجامعات الوطنية أفضل من الجامعات الخاصة بكثير».

من جهتها، تتساءل فاطمة عبدالرحمن، خريجة القسم الأدبي بنسبة 86,7 في المئة، عن المصير الذي ينتظرها... «ما الذي سأفعله أنا خريجة القسم الأدبي في هذا البرنامج فالبرنامج لا يناسب رغبتي، ولا طموحي، ولا حتى تخصصي». وتؤكد «المشكلة الأدهى، هي أن غالبية أعضاء الهيئة التدريسية في كلية التعليم التطبيقي من أصحاب شهادات البكالوريوس، أي أن قدراتهم لا تتناسب مع المستوى الجامعي الذي يقومون بتدريسه، ما يثير في ذهني الكثير من الأسئلة، فأولاً أي مصير مجهول ذاك الذي ينتظرنا ثم هل هذه خلاصة تعبنا على مر السنين الماضية».

«التطفيش» هو الوسيلة...

بدأ علي حسن عبدالله، حديثه مؤكداً جهله بما يدور حوله، «رغبتي تتمثل في دراسة الهندسة الميكانيكية، فأنا خريج القسم العلمي، وبنسبة 80 في المئة، ما جعلني أتفاءل بالحصول على رغبتي، فالامتحان كان معقولاً، إلا أن سياسة الجامعة بدت جلية أمامنا اليوم، فعدم رغبتها في انضمام مزيد من الطلبة لمقاعدها الدراسية، هو ما دفعها لكل هذا، على رغم كونها الجامعة الوطنية الوحيدة في المملكة، ما يحملها مسئولية كبيرة من المفترض ألا تتنصل منها». واستطرد علي «لا أستطيع وضع نفسي في المجهول، ما يدفعني إلى الانضمام إلى أي جامعة أخرى ترحب بي، وتمنحني رغبتي».

أميرة حبيب، حاصلة على 84,1 في المئة من القسم العلمي، ترى أن «تطفيش الطالب هو الهدف من وراء كل ما يجري، فهل من المعقول أننا جميعاً فاشلون وكيف يتم الحكم علينا مسبقا فالآن، ليس بإمكاني سوى الرضوخ لما حصلت عليه، فالجامعات الأخرى قد أغلقت أبواب التسجيل، لكنني مازلت غير مقتنعة بالتخصص، فما الذي سنجنيه من شهادة الدبلوم المشارك فالمتخرج الآن بشهادة البكالوريوس لا يدري أن يولي بها، فكيف بخريجي الدبلوم» وأكدت أميرة «أنها كلية لتخريج الفاشلين، ولسنا كذلك».

أولياء الأمور لا يقبلون بالدبلوم المشارك

يقول محمد عبدالله منصور، وهو ولي أمر لخريج تجاري ممن أدرجت أسماؤهم في برنامج التعليم التطبيقي: «لم نكن على استعداد لتلقي هكذا مفاجآت، ما يجعلنا الآن في حيرة من أمرنا... فأي برنامج تطرحه الجامعة يجب أن يحتوي على إرشاد، لا أن تقوم الجامعة بطرحه وتوزيعه على الطلبة وهم لا يعرفون عنه شيئاً». ويواصل «المشكلة الآن تتمثل في نقطتين أساسيتين، الأولى هي هل سيتعرض الخريج من هذا الدبلوم لمشكلة في التوظيف، أم أن توظيفه سيتم بصورة ميسرة؟ ثم، هل يمكن مواصلة الدراسة لنيل شهادة البكالوريوس، إذ إن طموح ابني أكبر من مجرد نيل شهادة دبلوم مشارك، وعلى رغم تأكيد الجامعة عدم مواجهة الطالب لهاتين المشكلتين بعد تخرجه، فإنه للأسف لم تعد هناك ثقة بيننا وبينها، وهو ما يدعوني كوني ولي أمر لوضع ثلاث خيارات أمامي، فإما أن يدرس في إحدى الجامعات الخاصة في المملكة، في حال توافرت جامعة بكلفة معقولة، أو أن أقوم بإرساله للدراسة في الخارج، وأحلاهما مر»...

أما أم علي، ولية أمر الطالبة ياسمين العرادي، حاصلة على 93 في المئة من القسم التجاري، فاعتبرت «البرنامج غامضاً جداً، ولا نعرف ما الهدف منه، فإذا كان خريج الماجستير اليوم مهمشاً، فكيف سيكون حال خريج الدبلوم المشارك؟ كل ما تدعيه الجامعة من تطور البرنامج وكونه أفضل من برامج البكالوريوس هو ما لا أستطيع الاقتناع به، ما يجعلني أبعد ابنتي عن هذه الأجواء، فوضع الجامعات الخاصة أفضل من وضع جامعة البحرين اليوم، لكن أكثر ما يؤثر في نفسي، ما الذي سيفعل بقية أولياء الأمور ممن لا يستطيعون إلحاق أبنائهم بهذه الجامعات؟ هل يضيع مستقبل الخريج أمام هذا البرنامج». وأضافت أم علي «لا يمكنني تفسير ما حدث، إلا بكونه عدم اهتمام بالمواطن، فالحكومة في تهميش مستمر لنا كمواطنين، ما جعلنا نصل إلى حال لا يحسدنا عليه أحد، فأي أنواع الظلم ستنجبه السنوات المقبلة؟».

هكذا كانت ردود فعل الطلبة وأولياء أمورهم، اتسمت جميعها بالغضب والاحتجاج، فالتعليم العالي هو رأس مال المواطن البحريني، فما الذي سيبقى له إذا اغتصب منه هذا الحق؟


...والجامعة ترد: إما الدبلوم أو الفصل!

جامعة البحرين، كان لها رأي مختلف تماماً، إذ إن القائم بمهمات عميد كلية التعليم التطبيقي بجامعة البحرين خالد الرويحي وصف الطلبة بأنهم «لا يفهمون ما يرفضون»، ففي لقاء مفتوح جمع الطلبة الجدد وأولياء أمورهم، بالقائم بمهمات عميد كلية التعليم التطبيقي، والذي شهد مشادات ساخنة بين الطرفين، قال الرويحي «الجامعة أيضاً مجبرة وهي في موقف لا يحسد عليه في ظل إلزامها بقبول طلبة لا تتوافر فيهم الشروط والمعايير الكافية لالتحاقهم بالدراسات العليا»، مشيراً إلى أن «الجامعة لم تحكم على أحد جزافاً، بل قامت بدراسات لحالات الطلبة خلال السنوات الماضية اكتشف من خلالها أن مستوى مخرجات الجامعة الآن متدن جداً وأضعف بكثير من مستوى خريجها قبل خمس سنوات ماضية». وأكد القائم بمهمات عميد كلية التعليم التطبيقي بجامعة البحرين خالد الرويحي أن «الجامعة لو لم تستحدث كلية التعليم التطبيقي وأبقت الوضع على ما هو عليه في السابق فإن 57 في المئة من طلابها سيفصلون من الجامعة من دون أن يحصلوا على أية شهادة أكاديمية من الجامعة»، مشيراً إلى أن «استحداث الكلية أبقى على فرص 57 في المئة من الطلبة في الحصول على شهادة جامعية من خلال برامج الكلية التطبيقية». وقال الرويحي «الطلبة الذين سيلتحقون ببرامج البكالوريوس في جامعة البحرين لا يوجد لديهم خيار الآن سوى إكمال الدارسة حتى الحصول على الشهادة، إذ إن الجامعة ألغت شهادة الدبلوم في هذه البرامج، ومن لم يستطع المواصلة سيفصل من الجامعة، أما طلبة كلية التعليم التطبيقي فأمامهم الحصول على شهادة الدبلوم المشارك، وإمكان مواصلة الدراسة ضمن ضوابط معينة تحددها الجامعة للحصول على شهادة البكالوريوس في الجامعة».

وأكد الرويحي أن «الهدف الأساسي لكلية التعليم التطبيقي هو تقليص الفجوة بين مخرجات الجامعة والمتطلبات الآنية والمستقبلية لسوق العمل»، مشيراً إلى أن «البرامج الجديدة التي ستقدمها الكلية ستتفاعل مع المتغيرات السريعة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي، وتستحث الخطى لتتناغم مع المشروع الإصلاحي لجلالة الملك الرئيس الأعلى للجامعة الذي أولى الجانب الاقتصادي وسبل تنميته عناية خاصة». وأضاف الرويحي أن «فكرة إنشاء الكلية انبثقت من واقع الإحساس بالمسئولية الوطنية التي تتحملها جميع مؤسسات المملكة، إذ بينت ورشة العمل التي أقيمت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تحت رعاية ولي العهد أن قطاع الأعمال بحاجة ملحة إلى خريجين بمستوى الدبلوم المشارك لسد الفجوة الحالية بين مخرجات الجامعات ومتطلبات سوق العمل».

مازال الطلبة يصرخون «جامعتنا العزيزة، رفقاً بنا»، ومازال أولياء الأمور قلقين على مستقبل أبنائهم.. فهل ستصر الجامعة على موقفها من كون هذا البرنامج أفضل من غيره؟ وهل ستسعى لتطوير البرنامج بما يتناغم مع طموحات الطلبة؟ هل مستوى جامعة البحرين اليوم، يليق بكونها الجامعة الوطنية الوحيدة في المملكة؟ وما الذي ستفعله الجامعة في السنوات القليلة المقبلة، إذ كانت تعاني مما تعاني منه حالياً؟ لعل الأيام المقبلة كفيلة بإجابتنا عن هذه الأسئلة

العدد 1470 - الخميس 14 سبتمبر 2006م الموافق 20 شعبان 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً