العدد 3521 - الجمعة 27 أبريل 2012م الموافق 06 جمادى الآخرة 1433هـ

انحياز الدولة الطائفي/ العرقي

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الدولة، لا تتجزأ. وهي أيضاً لا تنحاز اجتماعياً. وحين تتجزأ وتنحاز، لا تصبح دولة. هي تتحول إلى إقليم داخل دولة، يتجانس فيه الحكم الضيِّق مع مَنْ يحكمهم، سواء من الجنبة الطائفية أو العرقية. خطر انحياز الدولة الاجتماعي هو في أساسه قائم على تحالفها مع طائفة/عرق بعينه، تستند إليه في الهوية والانتماء، وتتأثر بعوارضه، وتلتزم بنمطه الثقافي والنفسي، وبالتالي، هي تتحوَّل بشكل آلي، ومن دون وعي، باتجاه الوطنية المشروخة والعرجاء.

نتساءل: إلى ماذا يؤدي ذلك التحالف في ظل وجود مجتمع متنوع؟ باختصار شديد، فإن ذلك يؤدي إلى بروز مساحات ديمغرافية وجغرافية تشعر أنها لا تستظل بتلك الدولة، ولا تأمن منها حتى. هنا، تتحول الدولة إلى كيان غير ميثاقي، ولا يحظى بالإجماع الداخلي. عندها تنظر تلك المجاميع إلى الدولة باعتبارها عدواً يتربص بها، فتلجأ إلى مقاومته في معركة وجود.

أكثر من ذلك، فقد تلجأ تلك القطاعات الشعبية المهمَّشة، والتي تمت إزاحتها من الدولة، بشكل عملي، بسبب انحياز الدولة إلى طائفة/ عرق بعينه، إلى مَنْ يُغطيها، ويمنحها الأمان المادي والمعنوي، فتنشأ بذلك الولاءات الأوَّليَّة، كالركون إلى التعاضديات المذهبية والقبلية، التي عادةً ما تنمو وتزدهر، في حالة تطيّف الدولة وانحيازها.

في مرحلة ما، ظهر تجمع القيصرين في منطقة أوتيل لامبير الفرنسية، والذي كان مهووساً بالتحالف مع روسيا. وأصبح الغرب الألماني في لحظة ما، أشبه بمنطقة ولاء مطلق للفرنسيين. وتبرَّم الجنود الإيطاليون من دولتهم، بعد زجِّهم في معارك، ضد الهنغاريين والنمساويين، حين وجدوا أنها لا تعنيهم، في ظل دولة أوليغاركية، لا تتحدث حتى بلغتهم.

أكثر الأشياء خوفاً من هذا المسلك السياسي (انحياز الدولة الطائفي/العرقي) هو أن تتساوى خسائر السياسة، مع خسائر العنف. كيف؟ المعادلة في ذلك جدُّ مفهومة، وهي شعور القطاعات المهمَّشة، بأن الكلفة التي تقدمها جراء تلك السياسة، قد لا تكون أقل من جنوحها باتجاه العنف ومقاومة السلطة، لاسترداد حقوقها الطبيعية، والتي سَلَبَها نظام انحياز الدولة، وبالتالي، فهي تلجأ إلى العنف، باعتباره الخيار الوحيد والأوحد، والذي لن يزيد من عمليات التهميش لها، والتي هي قائمة عملياً بفعل السياسة.

ستفضي تلك المعادلة إلى تولد حالة من الشعور بالغبن والخديعة تجاه الأغيار، وسط إحساس، بأنهم (المهمَّشون) يعيشون حياة غير عادلة تماماً، في الوقت الذي يمتلكون فيه القدرة على إثبات الوجود، من خلال الصراع السياسي مع السلطة. هذا التكوُّن النفسي والفكري، عندما يتبلور، ستظهر أمامنا نماذج حيَّة من الأفكار السياسية اليمينية المتطرفة.

للعالَم بدوله وشعوبه، دروسٌ من بعضه يتبادلها كلما مرَّر التاريخ دورته الطبيعية. وما ذكرته هو ما حصل بالفعل في أجزاء من أوروبا، وبالتحديد في ألمانيا وإيطاليا بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وهزيمة القوى المركزية الوسطى (ألمانيا، هنغاريا/ النمسا وتوابعهما). وبسبب ذلك، فلم يكن الفاصل الزمني ما بين الحربيْن الكونيتيْن، الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945) سوى عقدين فقط من السنين، لكي يظهر الصراع بين المغلوبيْن والغالبيْن، الذين جعلوا السياسة والعنف يتساويان أمام الجماعات المغبونة، وإن كانت بشكل ومثال آخر.

المشكلة الأكبر في هذه السياسة الانحيازية، هو بروز ما يُسمَّى بنظام الامتيازات، أو النظام التفضيلي التمييزي الانتقائي، الذي بموجبه تتم العطاءات، وفق تقسيم الدولة الطائفي أو العرقي المنحاز، فيصبح أبناء طائفة/ عرق بعينها، يتسنَّمون المناصب القيادية والمهمَّة في الدولة، بكل أجهزتها، والتي تشكل في حقيقة الأمر، هوية الدولة، وصورتها أمام الوجدان الداخلي الشعبي، قبل أن يتلمظها الخارج، والذي قد لا يرى الأمور بالوضوح والجلاء ذاتهما.

والمؤكد، أن المشكلة تزداد تعقيداً في الدول، التي لا يكون فيها توازن طائفي أو عرقي، بحيث تغلب الواحدة الأخرى، من حيث العدد. ثم تزداد المشكلة سوءاً لدرجة الجنون، عندما تصبح الطائفة/العرق الأقل، هي/هو مَنْ يتحكم في الطائفة/العرق الأكثر؛ لأن القضية تصبح أشبه بالحكم الأقلي، الذي يأسر الجماعة الأكبر، المشَكِّلة لأركان الدولة: شعب، نظام، وأرض.

حصل ذلك في جنوب إفريقيا (وإن بدرجة فاقعة) إبَّان نظام الفصل العنصري، وتحكم الأقلية البيضاء بالأكثرية الملونة (أو السوداء). وحصل أيضاً قبل عامين، في ساحل العاج، بعد الانتخابات التي تصارع عليها الحسن وترا المدعوم من المسلمين، ولوران غباغبو المدعوم من المسيحيين، على رغم أن 38 في المئة من العاجيين مسلمون، بينما 32 في المئة منهم يدينون بالمسيحية.

لكن، ألم يتساءل أحد، عن المخرج الذي يُمكن أن يخلِّص الدول، من هذه العاهة، المرحَّلة، والمؤجَّلة دائماً من دون حسم؟

الجواب بسيط جداً. إنها المواطنة. إنه عنوان، لا تزيد حروفه عن ستة، لكنه يختزل الكثير من الإجابات الشافية، لأدواء الدول والمجتمعات. وفي الوقت نفسه، هو ينطوي على عدد من الالتزامات القاطعة، التي لا تقبل التساهل، والمتعلقة أصلاً بالنظرة إلى الدولة، بوصفها مُلكاً للجميع. وهي نظرة، تتطلب إعادة النظر في الكثير من السياسات.

لم تترك المواطنة الحقة (أو العدل بمقياس ذلك الزمان) بُداً من أن يقاتل البوسنيون (وهم مسلمون) الجيوش العثمانية (المسلمة)، عندما غزت مناطق البلقان. ولم تترك العدالة الاجتماعية بُداً من أن يرتضي الصربيون واليونانيون خلال القرن التاسع عشر حكم علي باشا. القضية إذاً، مرتبطة، بالعدالة الاجتماعية، وفتح الدولة أمام الجميع، بدلاً من الارتهان، إلى محددات معقدة من الحكم، لا تجلب سوى مشكلات سياسية واجتماعية لا تنتهي.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3521 - الجمعة 27 أبريل 2012م الموافق 06 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:07 ص

      مقال رووعه

      مقال راااائع صراحة

    • زائر 1 | 11:41 م

      فرق تسد

      لتسيير الشعب بما تهوى السلطة في تخلق نوع من الفرقة ليسهل نسلطها و شغل الشعب عن المطالب

اقرأ ايضاً