العدد 3531 - الإثنين 07 مايو 2012م الموافق 16 جمادى الآخرة 1433هـ

حين تهبُّ نسمات الحرية: تونس تحتضن اليوم العالمي لحرية الصحافة

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

احتضنت تونس يوم الخميس 3 مايو/ ايار 2012 حفل تسليم جازة اليونسكو لحرية الصحافة (غيير موكانو) وقد أشرف على تنظيم هذا اللقاء منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم بالتعاون مع الحكومة التونسية. وقد تمّ ذلك في حفل بهيج أقامه الرئيس التونسي المنصف المرزوقي في قصر قرطاج على شرف المدعوين، وشارك فيه الفنان العربي نصير شمّة بحضور المديرة العامة لليونسكو إيرينا بوكوفا إلى جانب وفد من الوزراء والدبلوماسيين والإعلاميين والخبراء والباحثين في مجال الإعلام والاتصال من تونس ومن مختلف أنحاء العالم فضلا عن ممثلي منظمات المجتمع المدني.

وتُمنَح جائزة اليونسكو لحرية الصحافة كل سنة لفرد أو جماعة تعمل في سبيل حرية التعبير وتتعرّض في كثير من الأحيان لمخاطر شخصية كبيرة. والجائزة تبلغ قيمتها 25 ألف دولار أميركي كان قد تمّ إطلاق الاسم عليها تكريما لـ «غيير موكانو» الصحافيّ الكولومبي الذي اغتيل أمام مكتبه في العام 1986 بعد إدانته لبارونات المخدرات. وقد نال الجائزة هذا العام الصحافي الأذربيجاني عين الله فاتولاييف، وهو من المدافعين عن حرية التعبير، كان قد أمضى أربع سنوات في السجن، وعمل طوال حياته المهنية دون كلل وبثبات على الحديث علنا عن حرية الصحافة وحرية التعبير. وتمّ العفو عن فاتولاييف البالغ من العمر 35 عاما العام الماضي بعدما ظل في السجن منذ العام 2007 بتهم التشهير والإرهاب، ثم اتهامات ملفّقة تتعلق بالمخدرات في وقت لاحق. وعانى طوال حياته المهنية، من الاعتداءات والتهديدات والملاحقة القضائية ردا على كتاباته. ونددت الكثير من الجماعات الحقوقية والمؤسسات المدافعة عن حقوق الإعلاميين بالقبض عليه واتهمت السلطات بالسعي لإسكات صوت هذا الصحافي الناشط. وعبر الصحافي الأذربيجاني والناشط في الدفاع عن حرية الصحافة والتعبير عن سعادته بتسلّم جائزته في تونس «البلد المحوري في التغيير الديمقراطي» على حدّ تعبيره.

وأضاف مخاطبا الرئيس التونسي «انّ وجودي هنا في هذا القصر الذي كان شهد قيام حكم استبدادي، اليوم بحضور رئيس ديمقراطي جدا، لأمر يكتسي رمزية كبيرة». وقد اعتبر فوزه بهذه الجائزة من قبل اليونسكو «تشريفا لكل الصحافيين الذين ماتوا من أجل الحرية واستقلالية الصحافة»، مضيفا أنه «لأجلهم جميعا سيواصل الكفاح على الدرب نفسه».

وقد مثّل اختيار تونس لاحتضان هذه المناسبة العالمية تكريما لثورتها التي تجلت ثمراتها أوّل ما تجلّت في حقل الإعلام حيث شهد تحوّلا ولايزال يعيش تجاذبات جعلته يرقى في بعض صوره إلى مصافّ الدول العريقة في الديمقراطية وفي أحيان كثيرة ينحدر إلى درجة قد تكون أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع. وقد أكد الرئيس التونسي – راعي هذا الحفل – دعمه لحرية التعبير والصحافة في تونس بوصفها مبدأ أساسيا لبناء مجتمع ديمقراطي ودعا وسائل الإعلام إلى ممارسة سلطة حقيقية لإنارة باقي السلطات مؤكدا أنه يفضّل فوضى الحرية على مساوئ القمع وانضباط الاستبداد وأضاف قائلا: «إن الحكومة الديمقراطية لا تضيق ذرعا بالإعلام مهما رأت ـ فيه من تحامل أحيانا ومن ابتعاد عن الموضوعية أحيانا أخرى».

إنّ في اختيار تونس لاحتضان حفل تسليم الجائزة هذا العام تكريما لثورتها ثورة الشعب التونسي الذي عانى أقسى درجات الاضطهاد في مجال حرية التعبير إلى درجة أنّ الحقوقيّ والوزير في الحكومة الحالية محمد عبو كان قد اختطفه الاستبداد ورعاة الفساد في عهد الرئيس المخلوع واحتجزوه بعيدا عن أطفاله وزوجته وذويه وأرادوا أن يغلقوا باب زنزانته على صوته وقلمه والحلم الذي يحمله لوطنه فما كان من محمد عبو إلا أن خاط فمه في عملية رمزية بالغة الدلالة من داخل زنزانته ليعبّر بكل عمق عن آلام حرية التعبير في العهد البائد.

كما أن هذا الاختيار يحمل في طياته رسائل تنبيه بعضها مصدره خارجي حيث وجهت مساعدة وزيرة الخارجية الأميركية استير بريمر نقدا صريحا حين قالت: «إن بلادها تشعر بالقلق بشأن واقع حرية التعبير في تونس الجديدة». وبعض هذا النقد مصدره داخلي حيث نشرت النقابة الوطنية للصحافيين بتونس تقريرها السنوي وسجلت تراجعا كبيرا في حجم الحريات الصحافية التي فرضتها ثورة الحرية والكرامة. وذهب التقرير إلى اتهام الحكومة الحالية وحركة النهضة بالخصوص بشنّ حملة ضدّ الإعلام والإعلاميين بغية توجيه خطهم التحريري وفق الرؤية السياسية للحكومة.

ولم تكتف الحكومة التونسية وحركة النهضة بالتبرّؤ من هذه الاتهامات وإنما قدّمت الدليل تلو الدليل على ترفّعها عن هكذا تصرّفات وهي التي طالما ناضلت من اجل حرية التعبير، بل ودعت إلى استشارة وطنية عن واقع الإعلام لكن مشاركة الأطراف المعنية ظلت تتأرجح بين القبول والرفض.

والواقع أنّ الإعلام في تونس شهد منذ 14يناير/ كانون الثاني 2011 طفرة ونقلة نوعية في هامش حرية التعبير وأخذ كل منبر إعلامي يشكل هويته ويشذب خطه التحريري واللافت أن القنوات التلفزيونية خصوصا على قلّتها قد حاولت ولاتزال البروز بشكل موضوعيّ محايد ولكنها سقطت في مناسبات كثيرة في التحامل على الحكومة المنتخبة، ما قلّص منسوب الثقة بين عامّة الشعب وهذه القنوات وخاصة منها (الوطنية 1) بعد ما حازت عليه من رضا شعبيّ بعد الثورة.

إن الثابت اليوم في المشهد السياسي عموما والإعلامي خصوصا هو أن الجميع يتلمّس بل ويتحسّس مجالات الممكن في ديمقراطية وليدة وككل البدايات لابدّ من تعثّر وسقطات سواء عن قلة دراية أم متعمدة ولكن الأكيد أنه بذلك التعثّر وتلك السقطات سيبني الإعلام في تونس مستقبلا مشرقا بفضل ما يزخر به من طاقات وخبرات وذلك مصداقا لما صرّح به الرئيس التونسي في كلمته من انّ «الإعلام كالوطن يعيش حالة مخاض طبيعية وسينشأ عن ذلك المخاض حتما، وإن طال الانتظار، إعلام في خدمة الديمقراطية بدرجة عالية من المهنية».

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3531 - الإثنين 07 مايو 2012م الموافق 16 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 1:58 م

      عدوى الحرية

      صراحة نرى أحيانا مشاهد في التلفزيون التونسي تتجاوز الأخلاق العامة في المس بالشخصيات مثل تقديم رموز طالما مثلت الفكر والعقل والرصانة في شكل كاركاتوري فقط لأنها شاركت في الحياة السياسية في المرحلة الانتقالية

      صراحة هذا تهور وليس حرية إعلام

    • زائر 8 | 9:53 ص

      صدقت ووقعت على عين الحقيقة

      إن الثابت اليوم في المشهد السياسي عموما والإعلامي خصوصا هو أن الجميع يتلمّس بل ويتحسّس مجالات الممكن في ديمقراطية وليدة

    • زائر 7 | 8:18 ص

      شكرا واصل

      خالص التهاني لهذا القدر النادر من حسن الصياغة والقدرة على التحليل الواقعي والموضوعي. وتمنياتي باطراد النجاح والتوفيق في مهامكم.

    • زائر 6 | 7:18 ص

      حرية؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

      كيف الحرية والعديد يهدد الصحفيين ويضربهم
      والحكومة لا تحرك ساكنا

    • زائر 4 | 4:10 ص

      اختيار موفق حقا

      وقد مثّل اختيار تونس لاحتضان هذه المناسبة العالمية تكريما لثورتها التي تجلت ثمراتها أوّل ما تجلّت في حقل الإعلام حيث شهد تحوّلا ولايزال يعيش تجاذبات جعلته يرقى في بعض صوره إلى مصافّ الدول العريقة في الديمقراطية وفي أحيان كثيرة ينحدر إلى درجة قد تكون أسوأ مما كانت عليه في عهد الرئيس المخلوع

    • زائر 3 | 2:52 ص

      شكرا على إثارة الموضوع

      وضع الإعلام في تونس محيّر نرى الشيء ونقيضه
      نرجو أن تتمخض عن هذه الثورة قطبا إعلاميا يوازي بل يضاهي الجزيرة والعربية لأن في تونس فعلا طاقات وخبرات كما ذكرت في المقال

    • زائر 2 | 2:41 ص

      حين تهبُّ نسمات الحرية

      نرجو أن تشمل كل الدول العربية
      شكرا على المقال

    • زائر 1 | 11:54 م

      أحسنت أستاذ مقال جيد

      شكرا مقال جمع بين المعلومة للفائدة والتحليل الوصفي
      طريقك طويل واصل يا أستاذ

اقرأ ايضاً