العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ

الاقتصاد المصري تحت الضغط قبل انتخابات الرئاسة

تعثّر نشاط متاجر الحلي التي يملكها وصفي أمين في قلب القاهرة الإسلامية حين هرب السائحون عند اندلاع انتفاضة شعبية في العام الماضي (2011). والآن بدأ نشاطه يتعافى بشكل جزئي ولكن ليس بالقدر الذي يبعث على التفاؤل في الاقتصاد المصري المتدهور.

فمصنعه الكائن في أطراف القاهرة الصحراوية أصبح يعمل الآن على صهر الأساور والخواتم والقلادات التي تبيعها الأسر الفقيرة وصبّها في سبائك من الذهب والفضة تباع للبنوك لتنقيتها في سويسرا.

وقال أمين رئيس شعبة المشغولات الذهبية في اتحاد الغرف التجارية: «كثير من الناس في مصر الآن بلا عمل أو يعملون ولكن لا يتقاضون رواتبهم. وهذا الأمر (بيع الحلي) يساعدهم لفترة من الوقت».

وتصدير السبائك بعد صهر المشغولات يحقق لأمين هامش ربحاً بنسبة 1 في المئة وهو الفرق بين الأسعار المحلية والعالمية مطروحاً منه التكاليف وهو يكفي بالكاد لدفع أجور نحو 200 عامل. ويعتقد أمين أن ما يمتلكه من سيولة سينفد خلال عام.

وسقط الاقتصاد المصري في أزمة حين أطاحت الانتفاضة بالرئيس السابق حسني مبارك في فبراير/ شباط من العام الماضي؛ إذ أغلقت البنوك لأكثر من شهر وأدّى الانفلات الأمني إلى تعكير صفو مناخ الاستثمار ونظم العاملون إضرابات للمطالبة بتحسين الأجور.

ويقول أصحاب الأعمال، إن الأسوأ من ذلك هو الإخفاقات المتتالية للحكومة التي عيّنها المجلس العسكري الحاكم منذ ذلك الحين والتي فشلت في الحصول على مساعدة طارئة من مانحين دوليين وفي احتواء أعمال العنف في الشوارع أو إطلاق استثمارات كبيرة جديدة لتنشيط النمو. وأدّت هذه الأوضاع إلى تعاظم الآمال المعلقة على الرئيس الجديد الذي ستبدأ مصر عملية انتخابه في 23 مايو/ أيار؛ إذ يستعد قادة المجلس العسكري لتسليم السلطة للمدنيين. ويتنافس المرشحون على أصوات الناخبين من خلال وعود بمكافحة الفساد وتوفير فرص العمل وتحسين مستوى المعيشة في البلد الذي ينتشر فيه الفقر. لكن في ظل اقتراض الحكومة بفوائد شديدة الارتفاع واشتراط المقرضين الأجانب خفض العجز قبل تقديم القروض لن يتمكن الرئيس المصري الجديد من اكتساب الشعبية عن طريق توفير مزيد من الوظائف الحكومية أو زيادة الدعم على السلع الأساسية.

ولن يكون أمام الرئيس الجديد خيارات كثيرة سوى العمل على تحقيق المطالبات باقتصاد أكثر عدالة وكفاءة.

وهذا يعني قطع الصلة بميراث مبارك؛ إذ كانت الدولة تضع عراقيل أمام الأعمال لا تستطيع تجاوزها إلا الشركات الكبيرة التي لها صلات وثيقة بالنخبة السياسية.

وقالت رئيسة قطاع التمويل المؤسسي والاستثمار في شركة جي.بي أوتو لبيع السيارات، منّة الله صادق: «التغيير صعب بعد سنوات وعقود من الفساد... رحل مبارك لكن هل غيّر أحد المؤسسة بأكملها أو موظفي الحكومة؟ إنه مناخ الأعمال نفسه الذي كنا نعمل فيه».

ويتبنّى المرشحون الرئيسيون سياسات شتى؛ إذ يتبنى محمد مرسي مرشح الإخوان المسلمين نظام السوق الحرة بينما يتبنّى حمدين صباحي المرشح اليساري نظاماً يتسم بتدخل الدولة في الحياة الاقتصادية. فهو يرى أن تكون الدولة قائدة في «الصناعات الاستراتيجية» مثل الصلب والأسمنت والنسيج والأسمدة ومجموعة من المشروعات الضخمة.

ويتطلع مرشحان رئيسيان آخران هما وزير الخارجية السابق في عهد مبارك، عمرو موسى والإسلامي عبد المنعم أبوالفتوح إلى أن يلعب القطاع الخاص دوراً قيادياً.

ومازالت سياسات آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، المرشّح أحمد شفيق غير واضحة. ولم يرد المسئولون عن حملته على طلب للحصول على تفاصيل. وخلال حكم مبارك حدث تحرير جزئي للتجارة والاستثمار عزز النمو إلى أكثر من 7 في المئة في السنة المالية 2007-2008 قبل أن يتباطأ إلى 5 بالمئة بعد الأزمة المالية العالمية. ووعد جميع المرشحين البارزين بتنشيط الاقتصاد من خلال استثمارات كبيرة في صناعات استراتيجية مثل الطاقة والزراعة وتنفيذ مشروعات صناعية على امتداد قناة السويس وفي سيناء وجنوب البلاد.

ووعد مرسي برفع النمو الاقتصادي إلى 7 في المئة خلال خمسة أعوام وخفض التضخم الذي يبلغ حاليا نحو 8.8 في المئة بأكثر من النصف. وقد انكمش الاقتصاد المصري في 2011 وفقاً لمعظم الحسابات بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد.

وتظهر استطلاعات الرأي حالياً تقدّم موسى وأبوالفتوح على سائر المنافسين. وقد أعلن كلاهما بالإضافة إلى مرسى أنهم سيخفضون دعم الطاقة لجميع المواطنين إلا الفقراء. ويشكل هذا الدعم حالياً 20 في المئة من إجمالي الإنفاق الحكومي وقد يكون خفضه هو أقل السبل وطأة لخفض عجز الموازنة.

وتتوقع موازنة الحكومة المؤقتة بالفعل انخفاض العجز في العام المقبل إلى 140 مليار جنيه مصري (23.2 مليار دولار) من 144 مليار دولار في السنة الحالية التي تنتهي في يونيو/ حزيران. ولا تقدّم الانتخابات إلا حلاً جزئياً لمستقبل مصر. فالناخبون سيذهبون للادلاء بأصواتهم وهم لا يعلمون سلطات رئيسهم الجديد بسبب تأخر صوغ الدستور الجديد.

غير أن انتخاب رئيس جديد قد يساعد على إنهاء الخصومة بين الحكومة والبرلمان الذي يهيمن عليه الإسلاميون التي أثنت صندوق النقد الدولي عن إبرام اتفاق قرض طارئ بقيمة 3.2 مليارات دولار من شأنه دعم موارد الدولة والمساعدة على استعادة ثقة المستثمرين. وقد يظل المستثمرون الأجانب الذين خرجوا من مصر بعد الانتفاضة غائبين لمدة شهور؛ بل وأعوام بعد أن يتسلم السلطة رئيس جديد؛ إذ سينتظرون ليروا إن كان سيحظى بالتأييد السياسي والصلاحيات الدستورية ليحول الأقوال إلى أفعال.

وقد تراجع الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 440 مليون دولار في الفترة بين يوليو/ تموز وسبتمبر/ أيلول من العام الماضي بحسب أحدث البيانات المتاحة من 1.60 مليار دولار قبل عام؛ ما جعل ميزان المدفوعات يسجّل عجزاً قدره 2.36 مليار دولار مقارنة مع فائض قدره 14.7 مليون دولار قبل عام.

وبدأت بعض الشركات المحلية بالفعل العمل على استثمارات يقولون إنها مهمة لتلبية الطلب المستقبلي نظراً إلى النمو السكاني المتسارع.

وتقوم مجموعة الوادي للأغذية بالتوسع في نشاط الزيوت النباتية وتبني مرفأ على نهر النيل لتفريغ شحنات الحبوب بكلفة أقل. وافتتحت جي.بي أوتو - التي تقول إن مبيعات السيارات في مصر تساوي ربع المبيعات في تركيا، على رغم أن سكانها أكثر عدداً - أكبر مركز خدمة لها في مصر الأسبوع الماضي.

العدد 3543 - السبت 19 مايو 2012م الموافق 28 جمادى الآخرة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً