العدد 3551 - الأحد 27 مايو 2012م الموافق 06 رجب 1433هـ

المحروس: ثمة من يحصر التوثيق في مكان أو أشخاص (2-2)

خلال تدشين «دفتر اللؤلؤ»

الخان والمحروس وجلسة اختيار صور السيرة
الخان والمحروس وجلسة اختيار صور السيرة

وقَّع الروائي والفوتوغرافي، حسين المحروس ثالث كتب مشروع «التاريخ البَصَري للبحرين» خلال أمسية نظمت في صالة الرواق أواخر شهر أبريل/ نيسان الماضي. حمل الكتاب اسم «دفتر اللؤلؤ»، اشتمل على 190 صورة تناولت قصة الغوص وتاريخه، اختارها المحروس من بين مئات الصور كان الخان التقطها عبر مراحل زمنية مختلفة، جُمِعت لتصف هيئة مهنة الغوص، تفاصيلها، صفاتها، الحركة فيها، هيئة الجلوس واللباس والسكن، عملية سحب الغواص وفتح المحَّار، قصصاً، مصطلحات، أغاني، تراثاً، احتجاجات، خرافات، سير غواصين، أماكن، كتب... إلخ.

«الوسط» حاورت المحروس بشأن كتابه الأخير، ومشاريعه مع الخان التي تنطلق تحت مشروع: «التاريخ البَصَري للبحرين» وبشأن عملية التوثيق في البحرين، ما لها وما عليها.

روائي إذن، ومصور فوتوغرافي في الوقت ذاته، يعيش ذات الأجواء التي يعيشها الخان، هل للأمر علاقة بروعة تلك الكتب وحسن تنظيمها بل ودقة اختيار النصوص المصاحبة لصورها، هل لذلك علاقة بالصورة المتكاملة التي تبدو جلية في مشاريعه مع الخان بشكل خاص وفي كل مشاريعه الأخرى بشكل عام؟

- هذا ما يتحدث عنه الخان دائماً وهو أحد أسباب رفضه لأن يشتغل مع أي أحد آخر في هذه المشاريع. قُدم له أكثر من شخص ودائماً كان يرد ساخراَ بأن هناك زواجاً كاثيوليكياًّ بيني وبين المحروس وإنه لا يوجد طلاق في هذا الزواج. هو يعرف جيداً ماذا أفعل وأنا أعرف ماذا يريد وأفهم حساسيته للصورة».

لكن كيف يشتغل المحروس على صوره، وكيف يتعامل مع أي أرشيف بصري تقع عليه يداه كما حدث له مع أرشيف الخان؟

- «أعمل على الصور على أكثر من جهة، أيام عملي في إحدى الصحف المحلية، كنت أكتفي بأن أشتغل على الصور بأن أبدأ بشيء قريب من الصحافي ولكن بلغة أدبية. كانت الصور تسلط الضوء على المكان بوصفه الجزء البصري في سيرة الإنسان. المكان الذي نتصور دائماً أننا فيه حتى عندما نكبر ونغادره. أيضاً كان هناك اشتغال في ملفات صفحة «بروفايل» مع الصديقين علي الديري وباسمة القصاب حيث تأتي الكتابة أولاً ثمّ الصورة، وهي تجربة تحتاج إلى حديث خاص في يوم مَّا. كذلك تستهويني كتابة نص مكثف عن الصورة أو التعليق عليها أو البحث عن نص أدبي قديم وإلحاقه بالصورة، ثمّ نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ليست لدي طريقة واحدة للعمل على الصورة، هناك أكثر من طريقة، بعضها سريع والبعض يأخذ شكل مشاريع طويلة. فالصور أكبر من أن تحصر في مشروع معين. إنها تستمر في الاقتراحات».

مع الخان لا يحتاج إلا لوضع الفكرة ثم الإعداد للبحث فيها، ألا تحتاج صور الخان لأي تصحيحات أو تعديلات ومعالجة تقنية مَّا؟

- «الصور جميعها ذات جودة عالية وخصوصاً القديمة منها التي تعتمد على أفلام 120 ومصورة بكاميرات يدوية وليس رقمية. أنا فقط أختار الصور من بين عشرات الصور المتشابهة كصور رئيس البرلمان حسن الجشي مثلاً الذي وجدت له عشرات الصور، وقمت باختيار الصور ذات الحركة الأكثر والأنسب. وتتم عملية الاختيار بشكل مشترك بيني وبين الخان. بعدها يتم اختيار النص الذي يحدد طريقة الاختيار والصورة التي يتم اختيارها. عملية فرز الصور إذن تتم بثلاث مراحل، مرة يقوم بها الخان ومرة أقوم بها أنا ثم يفرز الكتاب الصور الأنسب فيتضح المشروع بشكل أكبر. هي عملية متعبة قليلاً لكنها لذيذة».

ويشير «أرشيف الخان يضم الكثير من الصور وهذا ما يجعل من عملية الاختيار من بينها عملية صعبة تستغرق وقتاً طويلاً. كما أن كون عملية الاختيار تتم قبل وضع النص يجعلنا مضطرين أحياناً إلى العودة إلى ملف الصور لاختيار صور أكثر ملاءمة للنص التوثيقي الذي يصعب التدخل فيه، فعملية الاختيار عملية حية لا تتوقف عند تاريخ معين، ودائماً هناك حركة بين المصادر والنص».

تكمن أهمية المشروع البصري الذي ينجزه المحروس مع الخان في عملية التوثيق الدقيقة التي يقوم بها المحروس عبر بحثه في صور الخان لزوايا مهمة في تاريخ البحرين».

أساله عن جهود التوثيق في البحرين وإن كان هناك أي تنسيق بين مختلف الباحثين في هذا المجال، فيقول:

- «التوثيق بطيء جدًّا في البحرين، ابتداء من السلطات المعنية بالتوثيق إلى الجهات الخاصة المختلفة التي تتولى عملية التوثيق. وهو أيضاً ذو حساسية لا يمكن للباحث تجاهلها. إن أية نية لاستسهال هذه العملية تجعل من أي مشروع توثيقي رفيقاً للتسطيح. أكاد أجزم بأن العمل الفردي للتوثيق الذي يقوم به بعض الأشخاص لجمع الأراشيف المختلفة وتوثيقها وبعد ذلك الأخذ منها والنشر منها، هو أكثر حيوية من التوثيق الذي تقوم به الجهات المعنية به أو الجهات التي يفترض أن تكون مسئولة عن التوثيق. هناك أفراد يحرصون على جمع الأراشيف المختلفة وبعضهم يفتحون ملفات للشأن الذي يهتمون به ويجمعون كل ما يقال أو يكتب حول هذا الشأن. لكن لا أحد يعرفهم. إنّهم يفعلون ذلك بحماس ودافع فردي».

أسأله إن كانت البحرين استثناء في تقصيرها ذاك، إم إن تلك هي القاعدة في جميع الدول العربية، فيجيب:

- «لا يمكن التعميم. لا يمكن تعميمه على مصر مثلاً عبر مكتبة الاسكندرية. وفي السعودية أعجبتني بعض مشاريع التوثيق المحققة؛ بعضها مدعوم من الجهات الرسمية وهو ما تفعله مكتبة الملك فهد الوطنية. توثيق وأرشفة بصرية وكتابية أيضاً. هناك اهتمام بالتوثيق. فعن إصدارات دارة الملك عبدالعزيز صدرت كتب كثيرة في مجال التوثيق التاريخي، منها: كتاب الباحث والمحقق محمد بن سليمان الخضيري «تاريخ البلاد السعودية في دليل الخليج» أخذه عن كتاب «دليل الخليج» لجون لوريمر وهذا الكتاب متداول في السعودية على رغم أنّه برؤية بريطانية لا سعودية. الباحث الصديق عباس المرشد وضع كتاب «البحرين في دليل الخليج» وهو كتاب مطبوع وبجهد فردي غير مدعوم ويتمّ بيعه في الخفاء لأنّه لم يفسح له حتى الآن. ثمّة مَن يلملم التوثيق ويحصره في مكان أو أشخاص. هذه فكرة تقليدية لا تنجح.

الكتابة التوثيقية هي واحدة من أكثر انواع الكتابة خطورة وتعقداً، كيف يمكن أن نجري عملية تحقق من أي عمل توثيقي وكيف نقلل من خطورة تشويه مادة تاريخية؟ ألا تشعر أن هناك خطورة معينة في عملية التوثيق من قبل أشخاص قد لا يمتلكون الأمانة الكافية للتوثيق بشكل صحيح.

- كيف نذهب للمادة التاريخية؟ كيف نتحقق من صحتها؟ ومَنْ سيقرر أنها صحيحة؟ هل الصحة تعني أنها وقعت؟ أم أنّها سُجلت؟ أيضاً مسألة الصحة نسبية في هذا الموضوع، المسألة تاريخية والتاريخ ظني الحدوث قطعي الدلالة، ربما حدث وربما لم يحدث، ربما حدث بهذا الشكل أو بشكل آخر. الحوادث التاريخية تمر عبر سياقات مختلفة وفي كتب مختلفة وعبر رواة لهم نفسياتهم ومنطلقاتهم لحظة التأريخ، وهكذا تتشكل بأشكال مختلفة من كتاب لآخر ومن سياق لآخر. يبدو لي أن بعد أو قرب الباحث عن الصحة في المسألة التوثيقية مسألة نسبية. أما التحقق من المعلومة التاريخية؛ فيتم بالرجوع إلى مصادر عديدة، بعضها مكتوب وبعضها شفهي. هذا جواب مبتسر جدًّا عن هذا الأمر.

في كتاب الغوص التقيت بمجموعة من الأشخاص الذين لهم علاقة بالغوص أو رأوا أجدادهم يغوصون، هناك غيص اسمه معراج من المحرق التقيته العام 2003 ولا أعرف إذا كان على قيد الحياة أم لا، وهو أحد الغواصين وقد حكى لي الكثير من حكايات الغوص، وحالة الغواصين. لم أكن أعرف حينها إن كان بإمكاني الاستفادة منها، الآن وضعت جزءاً منها في هذا الكتاب ولدي جزء آخر لا أعرف متى استخدمه. بقدر الإمكان يجب الاعتماد على مصادر مختلفة، شفوية أو مكتوبة أو صور فوتوغرافية. الصور تعين بشكل كبير على الرؤية وتساعد بشكل أكبر من أي شيء آخر، لذلك أعتقد أن صور الخان في هذه الفترة مهمة جدّاً وتكمن أهميتها في وجود المصور شاهداً مهماًّ بيننا عاش معهم ورأى لحظات عملية ومهمة في حياتهم. يمكن التحقق أيضاً من المعلومة بالرجوع إلى بعض الوثائق ويوجد منها نسخ حتى الآن. وهناك قصص مأخوذة من كتب تاريخية قديمة، في النهاية غالبية القصص والمعلومات المكتوبة في التاريخ كانت شفوية بشكل مَّا ثمّ كتبت.

لكن الباحث المجد لا يكتفي بهذه المصادر فقط، إذ يمكن أن تكون هذه المصادر موجهة لجهة معينة، كموضوع الغوص الذي يوجد فيه ظلم فاحش لقرى البحرين ونشاطها في الغوص، مثل السنابس وكرانة وجزيرة سترة والبلاد القديم. غواصو هذه المناطق لا تذكر أسماؤهم ولا مناطقهم فيما يتعلق بالغوص وهناك توجه لحصر موضوع الغوص عبر كتب أو محاضرات أو مشاريع مثل مشروع طريق اللؤلؤ، في منطقة واحدة وهي المحرق وهذا خطأ فاحش جداً. رأيت الكتب المدرسية تحصر الغوص في منطقة واحدة ولكن كون هذه المنطقة اشتهرت بالغوص لا يعني أن تنفي الآخرين أو لا تتحدث عنهم نهائيّاً. المضحك هو جعل هذا الموضوع للتباهي وكأنها مرحلة ذهبية من تاريخ البحرين والظن أنّ حصره في مكان واحد يمنح هذا المكان سمعةً لائقةً. لم أجد الغوص إلا تمثيلاً لأبشع صور المهانة للإنسان... وتاريخ الغوص هو تاريخ مليء بهموم العيش.

حاولت قدر الإمكان ألا يكون هذا الكتاب ضمن هذا الاتجاه الأعوج؛ لذلك تحريت في هذه المناطق عن الغواصين وقصصهم. الكتاب يحوي أسماء غواصين من الزلاق إلى المنامة والمحرق مروراً بقرى: البلاد القديم وكرانة وسترة وجنوسان وقرى ومناطق لم تذكر، مثل النعيم التي لم يتم التحدث عن علاقتها بالغوص أبداً على رغم أنها مصدر السفن الضخمة، وحالة بن سوار في المنامة وهي ثالث أو رابع منطقة من حيث عدد الغواصين وعدد مراكب الغوص الصادرة عنها للغوص.

ثمّة أمور حاول البعض إخفاءها في تاريخ الغوص ربّما ذكر بلجريف بعضاً منها في سيرته أو يومياته ولم تترجم للعربية إلا لاحقاً ووزعت في الخفاء أيضاً.

العدد 3551 - الأحد 27 مايو 2012م الموافق 06 رجب 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 1:58 ص

      محروس يالمحروس

      جهد فني توثيقي رائع، وفقك الله لسبر أعماق تراث الغوص ... وإن حاول البعض طمس تراث شعب البحرين الأصيل أو سرقته منهم فإن الصورة لا تكذب أبدا.

    • زائر 3 | 1:44 ص

      المحروس الاديب

      لقد قرات له روايتين كنت اغوص في عوالم من الفن البحراني القروي وكان مضحكاً في اعداده للسيناريو اذ تقرا الشيء وتعيش كانك بداخل الرواية

    • زائر 2 | 1:21 ص

      ثنائي الخان المحروس

      شكرا للمحروس لأنه أنقذ تاريخ الغوص المتمثل في مناطق الغوص المغيبة.. لأنه حرر التاريخ المخفي والمتعمد تعمد تمييزي.

      شكرا للخان لأنه وثق التاريخ بصريا.

      شكرا لهذا الزواج الفني الكاثيوليكي.


      تتمة تعليق الأمس

    • زائر 1 | 9:11 م

      بسبب التعتيم تفاجات

      عندما كنت صغير وعرفت أن هناك غواصين في سترة وان غواصين من داركليب ينزلون في رأس الرمان ويذهبون مشيا لقريتهم تفاجات لأن التعليم والإعلام يذكران المحرق فقط.

اقرأ ايضاً