العدد 3582 - الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ

الأمم المتحدة تبحث تقليص قوة المراقبة بسورية وسط تأزم الأوضاع

يقول مبعوثو الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية تبحث خفض حجم قوة المراقبة غير المسلحة في سورية حيث أدى تصاعد العنف إلى إثارة شكوك في مدى قدرة خطة السلام المدعومة من الأمم المتحدة وفريق للمراقبة من المفترض أن ينفذها على الصمود.

ويقول دبلوماسيون في الأمم المتحدة إنه ما لم يحدث خفض كبير للعنف في سورية في وقت قريب فمن المرجح أن يوصي الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون والأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام بالمنظمة الدولية، إيرفيه لادسو بخفض حجم القوة المؤلفة من 300 فرد الشهر المقبل. وأسفرت الانتفاضة المستمرة منذ 16 شهراً ضد حكم الرئيس بشار الأسد عن سقوط عشرة آلاف قتيل.

وقال مبعوث غربي رفيع طلب عدم نشر اسمه «مع تزايد العنف فإن الخيار الأكثر ترجيحاً أمام الأمم المتحدة هو تقليص أو إلغاء العنصر العسكري (الأعزل) في بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سورية مع الاحتفاظ بالعنصر المدني كنوع من عملية اتصال». وأيد دبلوماسي آخر هذه التصريحات. ومن المتوقع أن يصدر بان ولادسو توصياتهما بشأن الخطوات التي ستتخذ إزاء بعثة الأمم المتحدة في سورية في تقرير يصدره مجلس الأمن المؤلف من 15 عضواً بحلول الثاني من يوليو/ تموز المقبل.

وقال مبعوثون إن من بين الخيارات الأخرى التي يجرى بحثها إنهاء عمل البعثة تماماً أو تركها كما هي أو زيادة عدد المراقبين بل وربما تسليحهم. لكن دبلوماسيين في مجلس الأمن يقولون إنه ليست هناك رغبة تذكر في الخيارات الأخرى فيما يتعلق ببعثة الأمم المتحدة في سورية والتي قالت يوم 16 يونيو الجاري إنها علقت عملياتها بسبب المخاطر المتزايدة على أرواح المراقبين الذين جرى استهدافهم بأعيرة نارية وتفجيرات منذ بدء انتشارهم في أبريل/ نيسان. وقال دبلوماسي لـ «رويترز»: «إذا لم يحدث تغيير (في الوضع في سورية) فمن الصعب تخيل تركها كما هي أو تحويلها إلى قوة لحفظ السلام مع تفويض لحماية المدنيين أو أن نطلب من الجميع أن يعودوا لأوطانهم ... الأرجح أن تبقى بعثة الأمم المتحدة للمراقبة في سورية على مستوى ما في حالة وجود عملية سياسية أو بدء مفاوضات جادة».

وهناك نحو مئة من الخبراء المدنيين في بعثة الأمم المتحدة في مجالات مثل حقوق الإنسان وعلاج الأطفال. وقال الدبلوماسي «للأسف الانسحاب أو حتى خفض حجم القوة من الممكن أن يبدو وكأن الأمم المتحدة تنفض يديها عن الصراع وتعطي الضوء الأخضر لكلا الجانبين للاقتتال حتى الموت». وأطلع نائب للوسيط الدولي، كوفي عنان المجلس أمس (الثلثاء) عن مساعي الأمين العام السابق للامم المتحدة للتوصل إلى حل عبر التفاوض. ويريد عنان عقد اجتماع في 30 يونيو الجاري للقوى الكبرى والأطراف الإقليمية بما في ذلك إيران لبحث الشأن السوري في جنيف.

وكان من المفترض أن يبدأ سريان الهدنة التي توسط فيها عنان في 12 أبريل/ نيسان لكن هذا لم يحدث كما أن خطة السلام التي أعدها من ست نقاط لم تطبق على الإطلاق. وقال سفير بريطانيا في الأمم المتحدة، مارك ليال جرانت إن المجلس «يعكف الآن على مساع أخيرة لإعادة الحياة إلى خطة سلام عنان. لكن هذا لن ينجح إلا إذا اتخذ المجلس إجراءً قوياً للضغط على النظام (السوري)».

وتنتهي فترة تفويض البعثة ومدتها 90 يوماً في 20 يوليو المقبل. وحثت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون روسيا مراراً على المساعدة على زيادة الضغط على حكومة الأسد من خلال دعم عقوبات تفرضها الأمم المتحدة لكن موسكو رفضت. وقال دبلوماسيون إن بريطانيا وفرنسا ودولاً أوروبية أخرى ترغب في أن يصدر مجلس الأمن قراراً جديداً لجعل خطة عنان للسلام ملزمة قانوناً للحكومة ومقاتلي المعارضة. ومن الممكن أن يفتح هذا الطريق أمام فرض عقوبات من الأمم المتحدة وهو ما رفضته روسيا والصين مراراً. واستخدمت موسكو وبكين حق النقض (الفيتو) ضد قرارين مدعومين من الغرب والدول العربية بمجلس الأمن كانا يدينان دمشق ويهددان بفرض عقوبات.

وقال عدد من الدبلوماسيين الغربيين إنهم مستعدون لمواجهة احتمال استخدام فيتو آخر في مجلس الأمن. وقال مبعوث غربي رفيع «أعتقد أن هناك احتمال نسبته 99 في المئة في أننا سنرى قراراً آخر في مجلس الأمن خلال الأسابيع القليلة المقبلة»، ويقول مبعوثون إنه في حالة استخدام الفيتو مرة أخرى فإن هذا سيبرز أكثر مدى عجز الأمم المتحدة عن التعامل مع القضية السورية. وما يزيد من المشكلات في سورية على الأرض هو تأزم الموقف في مجلس الأمن حول القضية التي يقول دبلوماسيون إنها تعيد للأذهان أجواء الحرب الباردة عندما ظلت روسيا والقوى الغربية عاجزة عن التعاون بشكل فعال لعشرات السنين. ونتيجة لذلك لم يبدأ مجلس الأمن في الاتفاق على بعثات قوية لحفظ السلام للصراعات في أنحاء العالم إلا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي العام 1991. وإحقاقاً للحق فإن تأزم الموقف بشأن سورية لم يؤثر على التعاون بين روسيا والولايات المتحدة وأوروبا في كل القضايا. لكن مع استمرار أكثر انتفاضات «الربيع العربي» دموية وتشعباً تحول الإصرار الذي كان قائماً في البداية في نيويورك للتعامل مع الشأن السوري إلى إحباط وتشاؤم.

وعلى الرغم من التعاون المحدود مع القوى الغربية أصبحت روسيا والصين تتبعان مبدأ الاستباق بشكل متزايد في السنوات القليلة الماضية عندما يتعلق الأمر بمنع أعضاء مجلس الأمن من الدول الغربية من ممارسة ضغط شديد على دول لهما مصالح بها مثل إيران وكوريا الشمالية والسودان. وتساند كل من روسيا والصين الأخرى في المجلس لحماية حلفاء لهما من التدخل. وترفض كلاهما مفهوم «مسئولية حماية» المدنيين من حكوماتهم وهي فكرة استغلها مجلس الأمن في مارس/ آذار العام 2011 عندما مرر قراراً يسمح لأعضاء الأمم المتحدة باستخدام القوة لحماية المدنيين في ليبيا. وامتنعت روسيا والصين عن التصويت وسجلتا معارضتهما لكنهما سمحتا بتمرير قرار ليبيا. ويلقى مبدأ مسئولية الحماية تأييداً متزايداً في الأوساط الدبلوماسية والأكاديمية الغربية. لكن روسيا والصين شأنهما شأن الكثير من الدول النامية تقولان إن هذا المبدأ يتعارض مع مبادئ الأمم المتحدة القائمة على السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول. وتعللت روسيا مراراً بحالة ليبيا والتي قدم فيها حلف شمال الأطلسي دعماً لمقاتلي المعارضة الذين كانوا يسعون للإطاحة بالزعيم معمر القذافي وهو سبب معارضتها لقيام مجلس الأمن بأي إجراء بشأن سورية وهي حليف رئيسي ومشتر للأسلحة الروسية وتستضيف القاعدة البحرية الروسية الوحيدة في المياه الدافئة خارج دول الاتحاد السوفياتي السابقة.

وقال دبلوماسي في مجلس الأمن «إنه أمر يسبب الإحباط ... من المستحيل جعل روسيا تتحرك ضد الأسد. أيدينا مكبلة». وفي حين أن تأثير روسيا على استراتيجية سورية في قمعها للانتفاضة التي اندلعت منذ 16 شهراً وتأخذ منحى عسكرياً متزايداً ربما يكون محدوداً فإن محللين ودبلوماسيين يعتقدون أن موسكو لديها نفوذ على دمشق أكثر من أي طرف آخر على الساحة الدولية. وهم يقولون إن موسكو لم تستخدم بعد كل نفوذها لأنها لا تريد خروج الأسد ولا الطائفة العلوية من السلطة في سورية لأن روسيا تخشى من احتمال أن يحل محله حكومة إسلامية غير ودودة تأمر روسيا بإغلاق قاعدتها البحرية. وقال دبلوماسي غربي «ترى روسيا الوضع في سورية بوضوح ... إما الأسد أو الإسلاميون». وذكرت روسيا مراراً أنها لا تحمي الأسد ولكن قرار بقائه من عدمه يرجع إلى الشعب السوري وحده. كما حثت دمشق ومقاتلي المعارضة على تنفيذ خطة سلام عنان.

وفي الأسابيع القليلة الماضية حذر مراقبو الأمم المتحدة مجلس الأمن من أن العنف تصاعد بشكل متزايد على كلا الجانبين لدرجة أن الأمين العام المساعد لعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة قال إن الصراع أصبح الآن حرباً أهلية كاملة الأركان. ولا يتفق الجميع مع لادسو لكن من الواضح أن مقاتلي المعارضة يسيطرون الآن على بعض الأراضي وانهم يسعون جاهدين للسيطرة على أراض أخرى. بينما توسع الحكومة من ترسانتها من المدفعية والدبابات لتشمل طائرات «هليكوبتر» حربية للقضاء على مقاتلي المعارضة. وما زالت روسيا تزود الأسد بالسلاح بينما تدفع بعض الدول رواتب لمقاتلي المعارضة الذين يحاربون الأسد. والنتيجة هي ارتفاع عدد القتلى وارتكاب جرائم قتل جماعي مثل تلك التي ارتكبت في الحولة ومزرعة القبير. وتتهم دمشق «مجموعات إرهابية مسلحة» بارتكاب تلك المذابح وهي الصفة التي تطلقها على مقاتلي المعارضة في حين أن المعارضة تلقي باللوم على الجيش والشبيحة الموالين للأسد. وتقول بعثة الأمم المتحدة في سورية إن الأدلة تشير فيما يبدو الى تورط الجيش والشبيحة.

العدد 3582 - الأربعاء 27 يونيو 2012م الموافق 07 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً