المرأة ودورها في المجتمع
كما أنه في المقابل كلف المرأة بالقيام بأعمال لا يقدر الرجل على القيام بها على وجه التمام، من ذلك تربية الأولاد والقيام بشئون الأسرة في البيت، وهذا من كمال شريعة الإسلام ومن الأدلة على أنها شريعة رب العباد الذي إذ قال: «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» (الملك:14) فالمرأة ميدان عملها في المجتمع واسع، فهي الأم المربية التي تخرج الأجيال، وبقدر صلاح الأم أو فسادها يقاس حال المجتمع صلاحاً وفساداً، ولذلك أمر النبي (ص) باختيار الزوجة ذات الدين.
والمرأة هي المعلمة والمتعلمة فتتعلم ما يهمها من أمور دينها وتتفقه فيه ثم تنطلق داعية ومعلمة لغيرها، وقد قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: يرحم الله نساء الأنصار! لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين.
والمرأة تقوم بما يقوم به الرجل من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جمع الله عز وجل بينهما بقوله: «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ» (التوبة:71) .
والمرأة تسعى إلى دفع حاجة أخواتها من بنات جنسها فتتعلم ما تحتاجه النساء من طب وغيره. والحاصل أن مجال تأثير المرأة في المجتمع مجال واسع جداً... ولئن كان بعض الناس يقول: المرأة نصف المجتمع! فإننا نقول: إن هذه العبارة غير وافية بحقيقة دور المرأة في المجتمع، فهي في الحقيقة سبب لصلاح المجتمع كله أو العكس.
عبدالله الفقيه
ما هو موقف الإسلام من عمل المرأة؟ وبكلمة أخرى: هل يعتبر الإسلام الدور العملي للمرأة يكمن ضمن نطاق البيت، أو أنه يشجع أو لا يمانع انطلاقها في مجالات الحياة العملية خارج نطاق البيت؟
- أعطى الإسلام المرأة حق العمل كما أعطاه للرجل، وجعل لها قيمة عملها ملكاً مطلقاً تتصرف فيه من دون معارض، كما جعل ذلك للرجل.
ونستطيع أن نلمح ذلك في ظاهرتين: تشريعية وتطبيقية.
أما التشريعية: فتتمثل في ملاحظة المرأة قبل الزواج وبعد الزواج.
أما قبل الزواج: فلم يجعل الشرع الإسلامي لأبيها ولا ولأي إنسان من أقربائها الحق في إجبارها على الأعمال المنزلية بمختلف أشكالها، فهي حرة في نفسها من هذه الجهة، فباستطاعتها - من زاوية شرعية - أن لا تخدم أحداً وأن تتطلب الأجرة على ذلك في بيتها أو في غير بيتها، كأي عامل أو عاملة، كما أن لها الحق في أن تعمل خارج نطاق البيت من دون أن يملك أحد الحق على منعها وحبس حريتها في ذلك.
وأما بعد الزواج: فلم يشرّع الشارع الإسلامي فرض العمل المنزلي على المرأة - الزوجة - فلم يوجبه عليها بل انطلق إلى أبعد من ذلك فاعتبر أن لها الحق في أن ترضع ولدها وتحضنه وتأخذ الأجرة على ذلك، وليس للزوج أن يمتنع من ذلك - في حال طلبها الأجرة - إلا إذا طلبت قيمة زائدة على الحدود الطبيعية وذلك هو قوله تعالى وهو يتحدث عن المطلقة الحامل بعد أن تضع حملها. «وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وأتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى» (الطلاق: 6).
ويرى الفقهاء انطلاقاً من الآية الكريمة في سورة الطلاق والأحاديث الشريفة المفسرة لها، أن هذا الحكم لا يختص بحال الطلاق بل يشمل حال استمرار الحياة الزوجية. وفي ضوء هذا نفهم أن للزوجة أن تمارس في داخل البيت دور العاملة التي تأخذ قيمة عملها تماماً كما لو كانت تعمل في غير بيتها، لأن العمل المنزلي لا يدخل في الحقوق الزوجية الإلزامية من ناحية تشريعية. ونحن نؤكد أن ذلك حقها من ناحية قانونية، لكننا ندرك أن الجانب الروحي والإنساني في الحياة الزوجية يفترض في الزوجة أن تقوم بهذه الأعمال بشكل طوعي من دون أن يكلفها الزوج بذلك. ولعل حكمة هذا التشريع: هو أن تشعر المرأة بإنسانيتها في داخل الحياة الزوجية عندما تحس بأنها لم تدخل البيت كخادمة أو مربية أطفال تمارس هذه الأعمال قسراً عنها، بل دخلته كإنسانة تملك عملها كما تملكه قبل الزواج، ولذلك فهي حرة أن تبذله من دون مقابل حتى تشعر بقيمة العطاء والمشاركة العملية في الحياة الزوجية ويشعر الرجل بدورها في العطاء عندما تتطوع بالعمل الذي لا يجب عليها أن تقوم به.
ولعل ذلك يعطي المرأة والرجل الإحساس العميق بالمشاركة الروحية عندما يقدم كل منهما للآخر جهداً لا يلزم عليه القيام به بدافع المحبة والمودة وبناء الحياة المطمئنة الهادئة، هذا كله في العمل المنزلي.
أما الأعمال الأخرى، فلا مانع من القيام بأي عمل حر آخر داخل البيت الزوجي إذا لم يتعارض ذلك مع الحقوق الطبيعية للزوج، فلها أن تمارس الخياطة والأعمال الأخرى التي تستطيع ممارستها في المنزل لتكسب بها المال الذي يؤمن لها مستقبلها وحياتها أمّا خارج نطاق البيت، فلها ذلك، بعد الاتفاق مع الزوج وأخذ موافقته، نظراً إلى أن من حقوق الزوج على زوجته أن يكون خروجها من البيت برضاه حفظاً للأمن والاستقرار والثقة المتبادلة. وقد يكون من حقها أن تشترط عليه ذلك في عقد الزواج، كأي شرط آخر. ونحن أمام هذا العرض للناحية التشريعية في عمل المرأة: نسأل: كيف يمكن أن ينسب للإسلام القول إنه يريد للمرأة، أو يجبر المرأة على أن تكون خادمة ومربية أطفال من دون أن يكون لها الحرية في المشاركة في أعمال الحياة الأخرى؟ نعم هناك شرط أساسي في عمل المرأة، كما هو شرط في عمل الرجل، أو في أي سلوك آخر لهما في الحياة، وهو أن يكون الجو الذي يعملان به من الأجواء التي تحفظ لهما أخلاقهما وحياتهما الشريفة التي يريدها الإسلام، فلا يجوز للمرأة أن تعيش في الأجواء العملية أو غيرها، التي تتعرض فيها للسقوط أمام شهوات الرجال وغرائزهم من رؤسائها في العمل أو زملائها، كما لا يجوز للرجل ذلك في العمل وغيره لأن ذلك من قواعد الانضباط الخلقي للإنسان في كل زمان ومكان. أما الناحية التطبيقية، فتتمثل في دراسة المراحل التاريخية التي مرت بها المرأة المسلمة، حتى ما قبل عصرنا الحاضر - فإننا نراها تشارك الرجل العمل في الحقل وفي غيره من المجالات السائدة في تلك العصور في الوقت الذي كان الدين سائداً فيه لدى المرأة والرجل من دون أن يرى فيه أو ترى فيه، أي خروج أو انحراف عن خط الدين، أو تمرد على أحكامه. وإذا كنا نجد بعض الاستنكار لعمل المرأة من قبل بعض علماء الدين أو من قبل بعض المؤمنين فإنه لا ينطلق من استنكار عمل المرأة بل من الاحتجاج على الأجواء المنحرفة التي تعيشها أجواء العمل التي فيها عوامل الإغراء المتنوعة. وخلاصة الحديث أن الإسلام لا يحمل المرأة مسئولية العمل المنزلي انطلاقاً من تدبير المنزل إلى إرضاع أولادها وإنما يترك لها الحرية في أن تتطوع أو تعمل بأجر، أو لا تعمل، ويحاول أن يثير فيها من ناحية روحية، روح الشعور بالمسئولية الإنسانية التي تدفعها إلى البذل بمحبة ومودة. ولا يمنعها في الوقت نفسه من العمل خارج البيت وفق شروط خاصة تحفظ لها حياتها الزوجية من جهة وإنسانيتها من جهة أخرى.
العلامة المرجع السيدمحمد حسين فضل الله
العدد 1512 - الخميس 26 أكتوبر 2006م الموافق 03 شوال 1427هـ