العدد 3583 - الخميس 28 يونيو 2012م الموافق 08 شعبان 1433هـ

عصر المؤامرات!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في محاضرةٍ ألقاها الكاتب السوداني الراحل الطيب صالح في الثمانينيات، قال ان بلاده تعيش على هامش العالم العربي، ولا يذكرها العرب إلا كل عشر سنوات عندما تنفجر فيها ثورة!

الثورة هذه المرة تأخرت، وكان السودان من أوائل الدول العربية المرشحة للتفاعل مع ثورات الربيع العربي. وحين خرج آلاف السودانيين الأسبوع الماضي في الخرطوم ومدن أخرى، للاحتجاج على رفع الدعم الحكومي للوقود، خرج الرئيس الملهم عمر البشير ليصفهم بـ «بضعة محرضين»!

البشير اعتبر ذلك مؤامرة خارجية، ربما تقف وراءها كينيا أو مالاوي أو بوركينا فاسو أو «إسرائيل»! وردّ على الشباب الجامعيين الذين أرادوا الالتحاق بركب الربيع العربي، بقوله: «لقد شهد السودان بالفعل الربيع العربي عدة مرات»، وكانت إحداها طبعاً نجاحه في الوصول إلى الحكم بانقلاب عسكري قبل ربع قرن!

الشرطة تعاملت مع المتظاهرين بإطلاق مسيلات الدموع، وربما الرصاص الانشطاري (الشوزن) كما تفعل بقية الدول العربية الديمقراطية الأخرى، وبعضها يقوم باعتقالهم وتعذيبهم، وبعضها يقوم بفصلهم من أعمالهم وقطع أرزاقهم وأرزاق عيالهم، لكن العجيب في السودان تطبيق عقوبة الجلد بحق المتظاهرين! ولا ندري ما هو السند «الشرعي» لتطبيق هذا الحد «الإسلامي» على متظاهرين أكثرهم من طلاب الجامعات، بينما لم تكن هناك مظاهرات ولا طلاب ولا جامعات في العصر الإسلامي الأول!

البشير، وفي خطابٍ تاريخي خالد، أعلن أن هذه الاحتجاجات ليست «ربيعاً عربياً» على الإطلاق. كما أنها ليست ثورة، فعندما تقوم الثورة يخرج كل السودانيين للمشاركة فيها، بحسب نظريته، التي لم تنطبق على ثورته «الانقلابية» بطبيعة الحال!

البشير (دام ملكه) قال إن المتظاهرين قلة ومحرّضين وشذاذ آفاق... وهي أوصافٌ أخف وطأةً من التعبيرات «الأدبية» التي استخدمها حكام آخرون، فالقذافي وصف معارضيه بالحيوانات والحشرات والفئران والجرذان! ونظيرهما اليمني علي عبدالله صالح وصف معارضيه بالمتآمرين والثعابين، وافتخر بأنه كان يرقص عليهم طوال أربعين عاماً!

وبينما احتاج الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي إلى 23 عاماً ليخرج على التلفزيون ويخاطب التونسيين بقوله: «الآن فهمتكم»! فإن السيد البشير، الذي جاء للحكم قبله بعام، يحتاج إلى فترة أطول لتصل الرسالة! فالتضخم الذي بلغ حتى الآن 30 في المئة بحسب الأرقام الرسمية، وسياسة التقشف التي أدت إلى رفع الوقود بنسبة 50 في المئة، لا يكفيان لأن يعبّر السودانيون عن غضبهم أو احتجاجهم على أوضاعهم الاقتصادية المتردية!

البشير قال انه استقل سيارة مفتوحة وسار بها في أنحاء الخرطوم يوم الجمعة الماضي متقمصاً صورة البطل، وحين رآه السكان صاحوا: الله أكبر! وهو مشهدٌ درامي تقليدي في الأفلام التاريخية العربية حين يدخل البطل المدينة فتلوّح له الجماهير بالرقص والتصفيق. وهو المنظر (زاته) الذي رآه المشاهدون للقذافي في طرابلس قبل أشهرٍ من الإطاحة به.

قادةٌ تحوّلوا إلى آلهة، وصلوا إلى الحكم عن طريق القوة والغلبة والانقلابات، التي تحولت بفعل الإعلام الأحمق إلى ثورات، واكتشفنا أخيراً – والحمد لله - انها سبقت الربيع العربي بثلاثة عقود!

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3583 - الخميس 28 يونيو 2012م الموافق 08 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 3:23 م

      بعد يقولون ما فيه ربيع عربي

      كل من طالب بحقوقه اصبح ارهابي. وما بقي غير المتطفلين والمتمصلحين. هذه هي حالة العالم العربي من اقصاه الى اقصاه. وبعدين يقولون كل شيء تمام وما فيه ربيع عربي ولا يحزنون.

    • زائر 6 | 9:07 ص

      لدينا ربيعا لم ينتهي بعد

      كلهم نفس الكلام ونفس العنجهية بعضهم يصف شعبه بالخونة والعملاء لدولة جارة

    • زائر 5 | 4:52 ص

      البشير والقذافي ومبارك وبن علي وصدام والاسد

      انهم واجهات لحقيقة واحدة فقط اسمها "الاستبداد"

    • زائر 2 | 1:57 ص

      المصطلحات الفرعونية نفسها

      كلهم نفس الكلام والمصطلحات

    • زائر 1 | 1:03 ص

      اليوم هو اليوم المشهود في السودان

      قد تشهد السودان تحو

اقرأ ايضاً