العدد 3586 - الأحد 01 يوليو 2012م الموافق 11 شعبان 1433هـ

معادلة إقليمية جديدة بعد هزيمة «الطوارق» في مالي

تدل هزيمة حركة تمرد الطوارق في الحركة «الوطنية لتحرير أزواد» والتي جاءت بالسرعة نفسها لصعودها في شمال مالي، على عجزها عن السيطرة على منطقة يهيمن عليها إسلاميون متحمسون، ما يشكل معادلة جديدة يرى الخبراء أنها تجعل أي تدخل عسكري مجازفة كبيرة.

وحركة تمرد الطوارق التي تأسست نهاية العام 2011 كانت تعتبر أكبر المستفيدين من الانقلاب العسكري الذي أطاح في 22 مارس/ آذار الماضي بنظام الرئيس المالي أمادو توماني توري، وتقدم نفسها على أنها «حصن» ضد تنظيم «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» وتحاول استرضاء الغرب المتخوف من الخطر الإرهابي. لكن كيف أمكن طرد حركة أبناء البلد وورثة تقاليد طويلة من الكفاح الانفصالي من أراضيها في بضعة أشهر وإلحاق هزيمة نكراء بها يوم الخميس الماضي بسقوط مقرها العام في غاو؟

ويعرض مدير مركز الدراسات الإفريقية في باريس، الباحث بيار بويلي عدة تفسيرات لذلك منها «وجود تيارات متناقضة في الحركة الوطنية لتحرير أزواد»، وعجز الطوارق في جمع شمل «كل سكان الشمال وخصوصاً العرب والسونغاي». وقال إن «الأزمة الليبية التي وفرت رجالاً وأسلحة للفصائل المسلحة في شمال مالي (مثل الإسلاميين) سرعت في اندلاع التمرد من دون أن يكون مشروع الحركة الوطنية لتحرير أزواد لإقامة دولة مستقلة في الشمال جاهزاً».

ويرى المتخصص في التيارات الإسلامية المتطرفة ماتيو غيدير إن مقاتلي الطوارق «استراحوا بعد السيطرة على كبرى المدن» في حين كان الإسلاميون المحليون في حركة «أنصار الدين» بقيادة زعيم الطوارق النافذ إياد آغ غالي «يحشدون ميدانياً ويعملون على إحلال النظام في المدن ويطمئنون التجار».

ويرى الباحثون أن مجموعة «أنصار الدين» استمرت في «تلقي الدعم اللوجستي والمالي» وخصوصاً من شخصيات في السعودية والجزائر بينما انعزلت حركة الطوارق بإعلانها استقلال أزواد من جانب واحد. وقال ماتيو غيدير إن الوضع اليوم «أصبح أكثر وضوحاً في شمال مالي الذي بات تحت سيطرة الإسلاميين بشكل كامل ومجموعة مهيمنة هي أنصار الدين».

وأضاف «إنهم اتفقوا مع القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وحركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا (المنشقة عن القاعدة) قبل شهرين على أرضية مشتركة لإقامة دولة إسلامية في شمال مالي». وأوضح الباحث أن العلاقات الهرمية بينهم مقننة جداً وأن «الإسلاميين في شمال مالي اعترفوا لإياد آغ غالي بأنه سيد الأرض، وذلك يعني أن مسئولي القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي مثل مختار بلمختار وأبو زيد بايعوه».

ويرى المتخصص في الحركات الإسلامية المتطرفة، دومينيك توما (من معهد الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية) إن «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجدت فعلاًَ معقلاً في منطقة تسيطر عليها حركة أنصار الدين». لكنه يشدد على أن عناصر التنظيم «هم أصلاً متجذرون هناك منذ أعوام وأقاموا علاقات مع السكان عبر مختلف عمليات التهريب والمصاهرة».

ويظل المجتمع الدولي أمام هذه «المعادلة الجديدة» متردداً حتى أن قادة دول غرب إفريقيا الذين اجتمعوا الجمعة في ياماسوكرو حثوا مجدداً مجلس الأمن الدولي على إرسال قوة إلى مالي لكنهم جددوا أيضاً تفضيلهم التفاوض.

وسرعان ما حذرت الولايات المتحدة التي غالباً ما تحذو حذو فرنسا في هذا الملف، من «عملية كبيرة جداً»، بينما تنتظر باريس من الدول الإفريقية أن تحدد بوضوح إطار وأهداف تدخل من هذا القبيل.

وأشار الخبراء أيضاً إلى انقسام إقليمي حيث أن الجزائر تعارض عادة أي تدخل خلافاً لنيجيريا وساحل العاج، وحذروا من مخاطر تدخل عسكري.

وقال ماتيو غيدير إن التدخل إذا حصل، سينظر إليه في الشمال على أنه «احتلال قوات أجنبية» وفي الجنوب «نوع من الحماية»، مؤكداً أنه «إذا انهزمت حركة أنصار الدين فإن الإسلاميين سينضمون إلى القاعدة، ولن يؤدي ذلك سوى إلى تعزيز صفوف القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي بشكل مروع».

واعتبر بيار بويلي أن هناك «عنصراً مجهولاً» وهو «قدرة الحركة الوطنية لتحرير أزواد على إعداد هجوم مضاد».


«أنصار الدين» تواصل تدمير أضرحة أولياء مسلمين في تمبكتو

باماكو - أ ف ب

بدأ الإسلاميون المسلحون الذين يسيطرون على شمال مالي صباح أمس الأحد (1 يوليو/ تموز 2012) مجدداً بتدمير أضرحة أولياء مسلمين في تمبكتو بعدما دمروا أمس الأول ثلاثة مواقع مماثلة في هذه المدينة الأثرية، كما قال شاهد لـ «فرانس برس» كان موجوداً في المكان.

وقال الشاهد الذي يعمل لوسيلة إعلام محلية إن عشرات من عناصر جماعة أنصار الدين توجهوا إلى مدفن دجينغاريبر «الواقعة جنوب تمبكتو حيث توجد أضرحة (ثلاثة على الأقل). وتوجهوا نحو ضريح الشيخ الكبير وهم يقومون بتدميره».

وقال إن الرجال حاصروا المدفن لدى وصولهم ويحملون «أدوات» مثل الأزاميل والمجارف. وقال «اليوم (الاحد) لا توجد (كاتربيلر)» آليات التدمير.

وأضاف «لقد هتفوا (الله أكبر!). قالوا إنهم سيدمرون الأضرحة» قبل أن يبدأوا بالتدمير.

والسبت، دمر رجال من أنصار الدين في غضون بضع ساعات ثلاثة أضرحة في المدينة، موضحين أن عملهم هذا رد على قرار اليونيسكو في 28 يونيو/ حزيران القاضي بإدراج تمبكتو على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر لأن وجود إسلاميين يعرضونها للخطر.

ودمروا أضرحة سيدي محمود وسيدي مختار وألفا مويا، ثلاثة من أصل 16 ضريحاً في المدينة ومحيطها.

وهذه الأضرحة تعتبر في تمبكتو أنها تعود لمن يوفر الحماية.

في الأثناء، دعت حكومة مالي الأمم المتحدة أمس إلى اتخاذ تدابير بعد التدمير «الإجرامي» من جانب الإسلاميين لأضرحة أولياء مسلمين في تمبكتو والتي أدرجتها «اليونيسكو» على لائحة التراث العالمي المهدد بالخطر.

وقالت وزيرة الفنون والسياحة والثقافة في مالي فاطمة ديالو خلال اجتماع لـ «اليونيسكو» في سان بطرسبورغ بشمال غرب روسيا إن «مالي تحض الأمم المتحدة على اتخاذ تدابير ملموسة لوضع حد لهذه الجرائم بحق التراث الثقافي للشعب». وخلال مشاركتها في اجتماع لجنة التراث في منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، دعت ديالو المجتمع الدولي إلى التضامن مع مالي وإدانة عمليات التدمير هذه التي يرتكبها إسلاميون متطرفون، واختتمت مداخلتها بالقول «فليساعد الله مالي».

وأضافت الوزيرة «لا يمكن لأي بلد، مهما كانت ديانته، أن يقبل بمساعدة مجموعات تدمر الإرث الثقافي، لذا أدعو المجتمع الدولي إلى أن يكون متضامناً». وتابعت «أما مالي فقد رفعت القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية». وبعد مداخلة الوزيرة، التزم أعضاء لجنة التراث دقيقة صمت حداداً على الأضرحة المدمرة.

وأعلنت مدعية المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا أمس أن التدمير المستمر لأضرحة من جانب إسلاميين يسيطرون على مدينة تمبكتو يشكل «جريمة حرب».

وقالت بنسودة في دكار: «رسالتي إلى الضالعين في هذا العمل الإجرامي واضحة: أوقفوا تدمير المواقع الدينية الآن. إنها جريمة حرب تستدعي تحقيقاً تقوم به الهيئات التابعة لي».

العدد 3586 - الأحد 01 يوليو 2012م الموافق 11 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً