العدد 3596 - الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ

احترام الشعوب ضمانٌ لعدم الثورة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

روبرت إيروين، كاتب بريطاني مرموق، عليمٌ بالثقافة العربية، وبالتاريخ العربي الذي يُدرِّسه فعلياً في أبرز الجامعات البريطانية، كلندن وكمبريدج وأوكسفورد. هذا الرجل، كَتَبَ سِفراً غريباً خصَّه بالحديث عن الجِمَال. نعم، الجِمَال، بكَسْر الجيم، وليس بفتحها لتصبح الجَمَال، فيظن البعض خطأ أنه يتحدث عن الحسناوات. عَنوَن إيروين كتابه بـ «الجَمَل... التاريخ الطبيعي والثقافي»، شَرَحَ فيه أموراً تاريخية وسلاليَّة وعضلية ونفسية للجِمَال توصَّل إليها خلال بحثه المُحكَّم.

ورغم أن المؤلف يذكر فيه معلومات قيِّمة عن الجَمَل، كإثبات أنه ظَهَرَ قبل أربعين مليون سنة، وأن حجمه لم يكن أكبر من الأرنب البري، وأن قدرته على السير تتراوح ما بين أربعة إلى أربعة عشر يوماً، بدون ماء، إلاَّ أن أهم ما ذكره المؤلف، أن الجَمَل حيوانٌ خجول، ويتذوق الجَمَال والموسيقي (من هنا جاء الحَدْوُ، وهو سَوْقُ الإِبِل والغِناء لها) وأنه لا يقبل الإهانة، ولا المعاملة السيئة، التي قد يعالجها بقتل نفسه. لكُم أن تتصوروا مشاعر هذا الحيوان، في التعاطي مع مَنْ يقسو عليه أو يهينه، فيلجأ إلى الموت، وإنهاء حياته بنفسه تخلصاً من غيظٍ أوقعه فيه قلة الاحترام له.

هنا، يبدأ القول والحديث. فإذا كان هذا الحيوان، يمتلك من المشاعر، التي تجعله يأبي على نفسه إلاَّ أن يحتَرَم، رافضاً أن يُقسَى عليه حتى من صاحبه، فما بالكم ببني البشر، الذين يعقلون الأشياء، وبهم هذا الكم من المشاعر والرغائب، والميول والاتجاهات، والخيال الواسع الذي تترجمه الحواس الخمس، إلى سلوك وتعامل وحراك. إن ذلك لمدعاة للتفكر فعلاً. وربما بتفحص مشاكل العالم، دولاًً وشعوباً على مَرّ التاريخ، سنقِف على ذات السبب، الذي ولَّد أزمات سياسية واجتماعية خانقة، أدت لأن تتبدَّل أنظمة بكاملها، فتتبدل بالتالي خرائط جغرافية ممتدة.

مَنْ منا يستبعد، أن الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، وما هو عليه الآن من نفي قسري، كان بسبب صفعة محمد البوعزيزي من قِبَل شرطيَّة تونسية. ومَنْ منا يستبعد أن الحنق الكبير، الذي أبداه الثوار الليبيون لحظة الإمساك بمعمَّر القذافي (مع اختلافنا للتصرف المذكور) كان سببه جَرذَنَتُهُم على لسانه طيلة ثمانية أشهر، فكانوا يُسمِعُونه ذات اللفظة، وهم يجرونه من رأسه إلى حتفه. ومَنْ منا يستبعد غَضَب السودانيين، من أوصاف عمر البشير لهم، مرةً بـ «لحس الكوع»، ومرة بـ «شذاذ الآفاق»، وهكذا دواليك. إنها مشاعر بشرية يجب أن تحتَرَم.

كلُّ مَنْ مَلَكَ جاهاً أو سلطة أو قوَّة تصوَّر أنه في مقام المعبود. يقول ما يريد أن يقوله، ضد شعبه متيقناً باستكبار، أنهم يلُونه منزلة بدرجات. هو يشتمهم، ويُعنفهم، ويُعيِّرهم ويبهتهم (أو يدفع مأجورين إلى ذلك) بغير حق. هو لا يعلم، أنه لا يُراكم إلاَّ كرهاً من أولئك عليه وعلى حكمه. كما أنه لا يعلم ماذا يُعلِّم أولئك المشتومون لأبنائهم وذويهم وخاصَّتِهم بشأنه. هؤلاء، يتحوَّلون تدريجياً إلى براميل من البارود، تنتظر لحظة الانفجار. حينها لن يُبقِي ولن يذر، لأنه بارود من نوع خاص. فهو أفقي الامتداد كالسماء. وعمودي في تجذره، وكأنه يضرب في نواة الأرض.

قد يتنازل الناس عن جزء من رفاههم، لكنهم لا يقبلون أن يكونوا بتلك الرفاه، المقرونة بغير احترام. لا تستقيم الحياة المرفهة مع العبودية، والسَّوق الهمجي للحياة، وفق مصالح خاصة. لاحظوا الثورات التي حصلت في التاريخ. كثير منها كانت ذات منشأ برجوازي (طبعاً بالمفهوم التاريخي للكلمة). هل يتصوَّر أحدٌ، أن الثوار الإسبان، كانوا فقراء فقط عندما أشعلوا ثورتهم؟ لا... لقد كانوا أبناء مُدن وحضَر، وميسوري الحال، لكنهم ثاروا ضد التمييز والإهانة.

وهل يعتقد أحدٌ أن الثورة الفرنسية، كانت ثورة فقراء فقط؟ لا... فقد كانت ثورة عارمة، تآزر فيها الفقراء والميسورون، والعلماء وأهل الفكر، لأنها كانت ثورة احترامٍ ضد حكم أرعن تعلّم على إهانة سبعة عشر مليون فرنسي ببضعة موظفين لديه.

وفي عصرنا القريب، فمن الجدير أن نذكر، أن من الأسباب المهمَّة والرئيسية، التي أنجحت الثورة الإسلامية في إيران في العام 1979، أن رَكبَ التجار (البازار الطهراني) قد التحق بالثورة، فساعَدَ على إنجاحها ضد حكم الشاه بهلوي، ولم يقولوا يوماً، أنهم مُرفهون على سجاد أحمر، وأنهم لا يحتاجون إلى شيء آخر.

البعض مع شديد الأسف يختزل الحياة، في بيت واسع، وسيارة فارِهَة وأموالٍ مُكدَّسةٍ في البنوك. وبالتالي فهو يعتقد أن نهاية الحياة ومطالب الشعوب هي في ذلك النهج. هذا التفكير غير سليم. فلم تكن تلك الأشياء في يوم من الأيام، ضمانةً لسلطةٍ ما، في أن لا يثور ضدها الناس؛ لأن الأصل في الموضوع، هو العدل والكرامة، والحرية والاحترام لخيارات الناس ومشاعرهم تجاه ما يؤمنون ويعتقدون ويتصورون. وهي بالمناسبة، ليست عناوين جوفاء، يتم بيعها وشراؤها في سوق السياسة، وإنما هي عملياً مَنْ حَكَمَ حركة الشعوب مع أنظمتها، طيلة تاريخ البشرية المكتوب، والذي هو بين أيدينا، سواءً أكان في الشرق لدى الهندوسّيَة والكونفوشيوسية أو الغرب بملله ونِحَلِه، السياسية والدينية.

هذا هو التاريخ، الذي به نستطيع أن نستفيد من قراءته لإكمال حركته، ولكي تتجنب الأنظمة السياسية الأخطاء ولتدرك متطلبات شعوبها. وقد جاء في سراج الملوك لمحمد بن الوليد الطرطوشي، أن مَلِكًا سأل قاضي القضاة: ما الشيء الواحد الذي يُعز به السلطان؟ فقال: الطاعة. قال: فما ملاك الطاعة؟ قال: التودُّد للخاصة، والعدل على العامة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3596 - الأربعاء 11 يوليو 2012م الموافق 21 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 9:26 ص

      كلام من ذهب

      أستاذ و لاكن من غير المنطقي الشعوب التي تثور علي من يهينون كرامتها بان تكون الشعوب اقسى في ردها فما يسمى هذا ؟

    • زائر 5 | 7:03 ص

      كرامة الإنسان وحرمة الكرامة

      من البديهي أن الكرامة ليست زوجة الإنسان. فلكل الناس وبين الناس توجد علاقات كثيرة ومتعددة منها الاحترام. فتبدو حالة ولها فعلها يحترم كما الصفة تتبع الموصوف فيصبح محترماً. فهذه الكرامة ليست من عند الناس أو من نسج خيالهم بل من الكريم. والكريم ليست صفة لغير الله بل من أسماء الله الحسنى التي أمر عباده بدعائه بها.
      فهل الشعوب والقبائل ليس بها إنسان؟
      أم أن من كر الله احترامه غير واجب؟

    • زائر 4 | 4:17 ص

      حكمة

      أن مَلِكًا سأل قاضي القضاة: ما الشيء الواحد الذي يُعز به السلطان؟ فقال: الطاعة. قال: فما ملاك الطاعة؟ قال: التودُّد للخاصة، والعدل على العامة

    • زائر 3 | 2:24 ص

      واجب الشكر

      أرى أن مقالكم استحق مني واجب الشكر..

    • زائر 2 | 2:02 ص

      سلمت أناملك

      أين ما كتبت وعن أي شيئ كتبت له مذاق (محمدعبدالله) كشاي الكرك له نكهة خاصة ويزداد حلوه إذا كان ملامساً لواقعنا ومآسينا ، فكم تجرعنا على مدى عقود من الزمان من سحق للكرامة ويحضرني مشهد صغير لأحد الشيبة إبان الأحداث حيث يقول ( يكفيني رغيفاً آكله وأنا أتمتع بكرامة وأما أن أعيش رغداً بدون كرامة فلا والله لا أريد الحياة )

    • زائر 1 | 1:47 ص

      حيوانات أخرى

      ربما فات المؤلف البريطاني التطرق لبعض الحيوانات التي تدمع عيونها حتى لانها تمتلك من المشاعر الكثير

اقرأ ايضاً