العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ

آن سيكستون: لكنه لم يولد

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في كافيه أونديتشي بإمارة الشارقة، في مواجهة بحيرة خالد المحزّمة بالأخضر التي قررت أن تجاور شارع المجاز، بعد أن تمرّدت البحيرة على رغوة البحر، كتبت ما يأتي: «ثمة موسيقى ترحل بي بعيداً هناك؛ إذ لا أدري ما ملامح «الهناك». أتذكّر أن الشاعرة الأميركية آن سيكستون (ولدت في نيوتون العام 1928، بولاية ماساشوسيتس وانتحرت العام 1974. بدأت نشر قصائدها منذ العام 1957. صدر ديوانها الأول العام 1960) كتبتْ ضمن ما كتبتْ: «لقد مات الشخص الذي كان لابد أن يولد».

لم أفاجأ وأنا أقرأ سيرتها مباشرة بعد أن توقفت عند ذلك المقطع، أنها انتحرت العام 1974 وكأنها يوم أن كتبت ذلك تمنت أن تذهب بشكل استثنائي.

***

في الشارقة للرطوبة نكهة أخرى. أعتقد أنها تسببت في أن أكثر البيوت تكاد تكون خالية؛ الأمر الذي يتيح الفرص الهائلة للصوص ومقتحمي النوافذ أن يعربدوا؛ بل يُعدّون وجباتهم الخفيفة ويتابعون لاري كنغ عبر برنامجه في الـ cnn، وإن اتضح لهم أن الرطوبة في ازدياد مستمر لن يترددوا في أخذ قسط من النوم ريثما يعود أصحاب المنازل ليصفقوا للكارثة!

***

اجتمعنا نحن الثلاثة: فاضل الوسواس السويدي، ماجد عبدالرحمن، وكاتب هذه السطور. هكذا قررنا ذات سأم أن نحتل ثلاثة مقاعد في كافيه أو نديتشي. تحدثنا عن انهيار عصبي يجتاح العالم. لم ننج منه نحن الثلاثة. شاغبت وبوقار نادلة اتفقنا جميعاً أنها قادمة من بلاد القشدة وعسل الجبال (linne). راكمنا طلباتنا دون أن نمسّ الجزء الأكبر منها. فقط لتحضر linne. كتبت لها يومئذ: «أنا من مواليد برج الثور ولا أحب السَلَطة والسلْطة ومن قراء مجلة foreign affairs ومن المعجبين بإليزابيث تايلور».

قمت بدس ما كتبت مع الفاتورة. ولم انس كتابة رقم هاتف أحد المطاعم التي ارتادها مرة في السنة!

يومها قال أحدنا: «الوقت يمضي كأنه البرق وخاصة في حضور الفاتنات. يذوب ويتلاشى، وفي حضور الدميمات يبدو محتقناً لا يقوى على التنفس!».

المكان يعجّ بفنانين وشعراء وأصحاب أعمال وآخرين هربوا من قائمة طويلة من الطلبات المنزلية والثرثرات غير المبررة.

أحدهم محاصر بقصاصات صحف. يقرأ بتركيز ثم لا يلبث أن يطلق ضحكة تخرب ما يبدو أنه همس ليمزق القصاصات وقد بدت على وجهه آثار حنق شديد. تحضر آن سيكستون لتقرأ ما تيسر مما يأتي: «ماذا أنت فاعلة معي؟ دعيني وحدي. ألا ترين أنني أحلم. إن الإنسان في الحلم لا يكون في الثمانين أبداً».

***

الإنسان وهو يتصفح وجه linne يبدو أنه لم يولد بعد. تضج بطفولة وطلائع رايات بِيض كأنها محمولة على مخمل الريح تتبعها أسراب وباقات ألوان تتبعها أيائل وصباحات حقول.

قال أحدنا: «إلى شيء من العطف نرنو. إلى سكينة لا تخربها المناورات واستعراض التقنية. هذه المرأة جاءت لتستدرج الفراشات. نشعر بنبرة فصول متوهجة. هي مقبرة لكل خريف».

تحضر آن سيكستون لنقرأ قبل أن تشير إلى إطفاء الأنوار في «eating poetry» «التهام الشعر»: «القصائد ذهبت الضوء خفيف الكلاب عند سلالم الطابق السفلي تصعد الآن».

لا تذهب القصائد؛ بل هي تأتي قبل أن تتأهّب المصاطب والمنابر ليقول الشعر فعله وذهابه باتجاه أنحاء تعد بالآتي.

نتسمّر نحن الثلاثة وكأن على رؤوسنا كلاماً لم نغسله بعد. صمتاً لم نقو على ارتكابه. في ظل امرأة كـ linne. قطع الحلوى وهي تتقمّص صفة الساج لا شكله؛ تدفعنا لتخيّل مجسمات تنبض بالروح. تتفجر منها حياة غاية في الإقناع لنمضي قدماً نحو ما هو آت دون أن نستسلم لانتظارات كثيراً ما تدفعنا لأن نقسم بعدم المجيء؛ غير أننا سرعان ما ننسى لنحضر وكأن وعداً لم يكن.

***

بحيرة خالد تُدني منك القوارب لتسترسل مضيّاً نحو اكتشاف يابسة الماء. يابسة الأخضر. كأنها غصن عمر طري؛ لمجرد الرؤية تغتسل، تزدحم داخلك أمكنة وصالات ووجوه ومقاعد خالية أمام الحزام الأخضر فأتمناه مشنقة تتدلى أمام رقبتي قبل الهزيع الأخير من العمر.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3598 - الجمعة 13 يوليو 2012م الموافق 23 شعبان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:22 م

      بحيرة خالد

      لا ادري عن اية حقبة تاريخية همت في ذكرياتك الجميلة عن جمال وروح المكان وقيمة الصحبة التي زادت من روعة الذكريات لتعود بك الى بحيرة خالد وتعيش لحظات ذلك اللقاء.
      بحيرة خالد لم تعد كما هي عليه في ذلك اللقاء انها اليوم تلبس حلية جديدة تتيح لك الاستمتاع في اجواء اكثر روعة من تلك الايام وادعوك لتجدد ذكرياتك على انغام حركة الموسيقى مع هدير الماء المتدفق الى اعلى محدث لوحة فنية رائعة الجمال.

اقرأ ايضاً