العدد 3618 - الخميس 02 أغسطس 2012م الموافق 14 رمضان 1433هـ

غياب الحرية الدينية يرتبط بالنزاعات الدينية والتطرف العنيف (2)

هيلاري رودام كلينتون comments [at] alwasatnews.com

يتعين على العالم، بل ويتوجب عليه، محاسبة الحكومات وفق معيار مختلف عن محاسبة الأفراد. سواء كانوا علمانيين أو دينيين، مسلمين أو مسيحيين أو هندوسيين، أو ملحدين رسمياً، أو أي شيء آخر، تقع على عاتق الحكومات واجبات رسمية في حماية حقوق الإنسان لجميع مواطنيها، بغض النظر عن الدين الذي يؤمنون به أو إذا كانوا لا يؤمنون بأي دين.

والآن يحاول بعض القادة تبرير معاملة بعض المواطنين بصورة مختلفة عن الآخرين بالقول: «ولكن هذا هو ما يريده الناس». ويقولون إنهم يؤمنون شخصياً بالحرية الدينية، ولكن في حال رغبت الغالبية العظمى من المواطنين بسجن مجموعة، أو طرد أولادها من المدارس، أو تسريح أفرادها من وظائفهم، حسناً، ألا تعني الديمقراطية اتباع إرادة الناس؟

حسناً، الجواب على ذلك هو أن هناك فرقاً كبيراً بين الديمقراطية واستبداد الأغلبية. فالحرية التي توفرها الديمقراطية لا تتضمن حرية ممارسة العنف المضاد للمساواة بين جميع المواطنين أمام القانون. ولهذا السبب فكثيراً ما يتم تكريس الحقوق الأساسية في الدساتير. توفر هذه الحقوق الأساسية حواجز معينة ضد القوانين التي تحرم أعضاء الأقليات من حقوقهم. وعندما يدعم الرأي العام تقييد حقوق أقلية معيّنة، يجب أن يتذكر القادة بأنهم مدينون لمواطنيهم بولائهم وحسن حكمهم. يجب على القادة أن يتولوا زمام القيادة، وأن يذكّروا المواطنين بأنه عندما تطبق الحقوق فقط على بعض المواطنين وليس على الآخرين - أي عندما يتم تقويض المبادئ لصالح السلطة - تنغرس بذلك بذور المظالم المشروعة وعدم الاستقرار. تستعمل الديمقراطيات الحقيقية المبادئ لإرشاد السلطة وحماية حقوق المواطنين بالتساوي.

والحجة الثانية التي يقدمها القادة الذين يعارضون الحرية الدينية هي أن الحرية من الكماليات لا يمكنهم أن يتحملوا كلفة نتائجها - ليس بعد، على أية حال. ويؤكدون بأنه إذا أُلغيت القوانين المقيدة لممارسة الشعائر الدينية وحرية التعبير، فإن النتيجة ستكون عدم الاستقرار: ارتفاع في المشاعر المناهضة للحكومة، وإتلاف الروابط الاجتماعية، وحصول المزيد من أعمال التخريب، والاضطهاد، والعنف. والآن، تشكل هذه الحجة، في هذا السياق، الحجة نفسها التي يلجأ إليها القادة لتبرير قمع التعبير السياسي، أو حرية الصحافة، أو مجموعات المجتمع المدني، أو أية نشاطات تضع قيد التساؤل الوضع الحالي والتي تعكس الطموحات الديمقراطية لدى مواطنيها.

ولكن الواقع هو أن الممارسات الطويلة وحتى الدراسات الأكاديمية تظهر بأن غياب الحرية الدينية هو الذي يرتبط بالنزاعات الدينية والتطرف العنيف. وهناك أيضاً أدلة تشير إلى أن من الأرجح أن تنشب النزاعات عندما يكون للدول دين رسمي خاص بها، وتضطهد الأقليات الدينية.

وهذا واقع منطقي إذا فكرتم مليّاً به.عندما يتم التعامل مع الناس على قدم المساواة بموجب القانون، تتراجع الأعمال العدائية بين الجيران، وتتوافر للوحدة الاجتماعية فرصة النمو. وكذلك تفعل الثقة في العملية الديمقراطية، لأن الناس سيثقون عندئذٍ بأن حقوقهم ستتم حمايتها بغض النظر عمن سيكون في السلطة.

وبعبارة أخرى، تشكل الحرية الدينية واحدة من صمامات الأمان تلك. إنها تسمح للناس بأن يكون لهم رأي في تقرير النواحي المهمة من حياتهم، والانخراط بالكامل في مجتمعاتهم الأهلية، وتوجيه الإحباطات التي يشعرون بها نحو وسائل بناءة. عندما تضيّق الحكومات الخناق على الحرية الدينية، فإنها تغلق صمامات الأمان هذه، ويمكن أن تكون النتيجة الإذلال، والسخط، والقنوط لدى الذين لا يملكون أي مكان آخر يتجهون إليه - وما هذه سوى وصفة لإثارة النزاعات والتطرف.

أما الآن فقد بدأت بعض الحكومات إدراك ذلك. فعلى سبيل المثال، اختارت الحكومة الجديدة في ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي، عدم تنفيذ بعض القوانين التي تقيّد النشاط الديني، وكرست حرية ممارسة الدين في دستورها المؤقت، وحرّمت ممارسة التمييز على أساس الدين أو الطائفة. وفي وقت سابق من هذا العام، ألغت المحكمة الليبية العليا قانون تجريم الإهانات الموجهة ضد الإسلام، لأنها توصلت إلى الاعتقاد بأن أفضل طريقة للتعامل مع أي كلام مهين لا يكون بمنعه، بل بمواجهته بحديث آخر يكشف خواء هذه الإهانات والأكاذيب.

والآن، وفي هذه الأثناء، تتصارع مصر مع هذه التحديات وهي تجتاز عملية انتقالية ديمقراطية لم يسبقها مثيل. وخلال زيارتي الأخيرة، اجتمعت مع أعضاء من الحكومة الجديدة، ومن بينهم الرئيس مرسي، وممثلون عن المجتمعات المسيحية في مصر. وكانت الحرية الدينية موجودة في كل محادثة جرت إمّا خلف الأبواب المغلقة أو في الشوارع العامة. قال الرئيس مرسي بوضوح وتكراراً، في العلن وفي السر، بأنه ينوي أن يكون رئيساً لجميع أبناء الشعب المصري. وتعهد بتعيين حكومة تشمل الجميع، ووضع النساء والمسيحيين في مناصب قيادية عالية. يتطلع الشعب المصري والمجتمع الدولي إليه لتنفيذ هذه الالتزامات.

ولكني سمعت من مسيحيين يرغبون بمعرفة ما إذا كان سيتم منحهم نفس الحقوق والاحترام الذي يتمتع به جميع المصريين في الحكومة الجديدة التي يقودها حزب إسلامي. يتساءلون، بصورة يمكن فهمها، هل أن حكومة تهدف بصراحة إلى اعتماد أكبر على مبادئ الشريعة الإسلامية ستعامل غير المسلمين والمسلمين على قدم المساواة؟ إن هذا سؤال معقول نظراً لأنها المرة الأولى على الإطلاق التي تجد مصر نفسها في مثل هذا الوضع. المصريون الآن في دور بناء ديمقراطية جديدة بالكامل. وسيكتب المصريون الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بكيف ستبدو عليه الحكومة، وكيف ستتعامل مع مسألة التعددية الدينية - كما على الكثير من الأسئلة الأخرى لسنوات مقبلة.

وكما قلت للمسيحيين الذين اجتمعت بهم، إن الولايات المتحدة لا تنحاز إلى جانب أي حزب سياسي على حساب حزب سياسي آخر. وإن ما نقوم به هو الوقوف بحزم إلى جانب المبادئ. نعم، ندعم الديمقراطية - الديمقراطية الحقيقية، حيث يملك كل مواطن الحق في العيش، والعمل، والعبادة، حسب اختياره، سواء أكان مسلماً أو مسيحياً أو من أي خلفية أخرى، وحيث لا تستطيع أي مجموعة أو فئة فرض سلطتها، أو أيديولوجيتها، أو دينها على أي إنسان آخر على الإطلاق، وحيث تكون هناك منافسة سليمة، وما نسميه نحن بالضوابط والتوازنات في نظام الحكم، في نظام بحيث لا تستطيع أي مؤسسة أو قائد أن يصبح قوياً إلى درجة مفرطة وحيث يتم احترام وحماية حقوق جميع المواطنين.

والشعب المصري يتطلع إلى قادته المنتخبين لحماية حقوق جميع المواطنين وممارسة الحكم بطريقة عادلة وشاملة، وكذلك سنتطلع بدورنا إليهم حول ذلك. وفي حال اتخذ الناخبون خيارات مختلفة في انتخابات مقبلة، سيتوقعون، كما سنتوقع، نحن من قادتهم الاستجابة لإرادة الشعب، والتخلي عن السلطة. نحن على استعداد للعمل مع القادة الذين يختارهم المصريون. ولكن مشاركتنا مع هؤلاء القادة ستستند إلى التزامهم بحقوق الإنسان الأساسية وبالمبادئ الديمقراطية الأساسية.

وهناك ناحية أخرى مهمة في عملية الانتقال المصرية، وهي تتعلق بما إذا كان المواطنون أنفسهم سيحترمون الاختلافات بين بعضهم البعض. والآن رأينا تلك القدرة بشكل واضح في ميدان التحرير، عندما شكل المسيحيون دائرة حول المسلمين الذين كانوا يؤدون الصلاة، وقام المسلمون بشبك الأيدي لحماية المسيحيين وهم يحتفلون بقداس. إنني أعتقد بأن تلك الروح من الوحدة والأخوة كانت جزءاً مؤثراً للغاية حول كيفية استجابة المصريين كما حول استجابتنا جميعاً لما حدث في تلك الأيام في هذا الميدان. وفي حال استمر المصريون خلال السنوات المقبلة في حماية ذلك الاعتراف العزيز بما يستطيع أن يساهم به كل مصري بمفرده في مستقبل بلاده، حيث يقف الناس من مختلف الأديان جنباً إلى جنب في أخوة، ويتمكنون عندئذٍ من إضفاء روح الأمل والشفاء على مجتمعات أهلية عديدة في مصر التي هي بحاجة إلى تلك الرسالة.

ونحن نتطلع قُدماً إلى المستقبل - ليس فقط في مصر، وليس فقط في دول تحررت مؤخراً وتسعى إلى الديمقراطية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، ولكن إلى ما هو أبعد منها بكثير - سنستمر في الدفاع بقوة عن الحرية الدينية. إنها أولوية أساسية في سياستنا الخارجية، وأولوية ننفذها وفق طرق عديدة.

في وقت مبكر من هذا اليوم، أصدرت الولايات المتحدة تقريرها السنوي حول الحرية الدينية. إنها المرة الرابعة التي تسنّى لي شرف تقديمه. يدرج التقرير بصورة شاملة كل التقييدات الرسمية والمجتمعية التي يواجهها الناس من حول العالم وهم يحاولون ممارسة شعائر أديانهم، ويصنّف البلدان التي تثير قلقاً خاصاً ومارست أو تساهلت تجاه انتهاكات خطيرة للحرية الدينية. يبعث هذا التقرير رسالة إلى أسوأ المنتهكين بأن العالم يراقبهم، كما أنه يوفر أيضاً معلومات لمساعدتنا ومساعدة الآخرين في استهداف مواقع مناصرتنا، والتأكد من أننا نصل إلى الناس الذين هم بأمسّ الحاجة لمساعدتنا.

لقد رفعنا في حكومة أوباما الحرية الدينية إلى درجة جعلت منها أولوية دبلوماسية. ويداً بيد مع حكومات ومنظمات دولية، ومجتمعات مدنية، عملنا على صياغة وتنفيذ القرار 16/18 الصادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي يسعى لحماية الناس الذين يتعرضون للاعتداء أو التمييز بسبب دينهم. إننا نثير هذه المسائل على أعلى المستويات في المحافل الدولية، ولقد ناقشت أنا شخصياً مسألة الحرية الدينية في كل منطقة من مناطق العالم مرات متكررة. وقمنا بتعيين أول مبعوث لنا لدى منظمة التعاون الإسلامي. وأطلقنا حواراً استراتيجياً مع المجتمعات المدنية، تعاونّا عبرها مع قادة دينيين ومع مجتمعاتهم الأهلية لتعزيز الحرية الدينية، ومنع النزاعات والتخفيف من آثارها، وحول التنمية، والحوار بين الأديان. وتضمن ذلك تشكيل فريق عمل للسياسة الخارجية والدين، والذي قدم بدوره توصيات ملموسة حول الكيفية التي يمكننا من خلالها تعزيز نهجنا تجاه الحرية الدينية والمشاركة مع مجتمعات أهلية دينية.

إقرأ أيضا لـ "هيلاري رودام كلينتون"

العدد 3618 - الخميس 02 أغسطس 2012م الموافق 14 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:54 ص

      تناقضات

      وهل أصدقائكم لديهم سياسة الحريه الدينيه أم أنهم دول رجعيه تنتهك كل المواثيق الدوليه والحريات الأنسانيه

    • زائر 4 | 8:37 ص

      لاتوجد حرية دينيه عند حلفائكم العرب

      و مع ذلك مازلتم تدعمونهم من أجل النفط!

    • زائر 3 | 8:03 ص

      اّية المنافق

      اذا حدث كذب و اذا وعد أخلف و اذا اؤتمن خان شوفي روحك في أي خانة انا اعتقد كلها تنطبق عليك

    • زائر 2 | 6:38 ص

      واحد نفر

      انتم من خلقتم هذه النزعات والتطرف والعالم كله يعلم ذلك

    • زائر 1 | 4:25 ص

      المشكلة أن وزرائنا أخذا يقلدون هذه الوزيرة بنت أكبر دولة قمعية في العالم حامية الارهاب في العالم ، حيث أخذ وزرائنا يقلدونها في ...و ....من خلال الشعارات فقط حتى فاقوها .....
      تحياتي / أبو السيد الحسين

اقرأ ايضاً