العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - لا أريد أن أكون متسامحاً

محمد سبت
محمد سبت

سؤال «التعددية» و»التسامح» هو أحد الأسئلة الجذرية المطروحة على الإنسان اليوم وخصوصاً على المجتمع البحريني الذي مر ويمر بأزمات سياسية ممزوجة بالبعد الطائفي منذ أكثر من نصف قرن حيث سبق لحسن الحبشي أن كتب مقالة في أكتوبر العام 1950 في مجلة «صوت البحرين» تحت عنوان «الطائفية علتنا الكبرى».

إن المجتمعات التي أنعم الله عليها أو ابتلاها بكونها خليطاً غير متجانس دينياً أو عرقياً لها 3 خيارات: المجانسة (assimilation) أو التسامح (tolerance) أو التعددية (pluralism). المجانسة تقتضي استيعاب الطرف الأقوى لبقية الأطراف وإلزامها بتبني لغتهم (الشأن البحريني معني باللهجات المحلية حيث أن تلفزيون البحرين يتكلم لهجة واحدة فقط) ودينهم وثقافتهم، التسامح يعني أن أية جماعة تقبل الاختلاف دون أن تترجم كراهيتها على أرض الواقع، أما التعددية فهو الإيمان أن كل جماعة تمتلك شيئاً متميزاً تتقاسمه مع البقية ولذلك لا يمكن الاستغناء عنها.

تتدرج المجتمعات في هذه الخيارات، فعادة لا ترتفع الأصوات المطالبة بالتسامح إلا بعد أن تنهك الناسَ صراعاتُ المجانسة وحب السيطرة والاستملاك، تعلو هذه الأصوات أكثر عندما يكاد هذا الوباء أن يقضي على الكل دون استثناء... يبدو أن الإنسان يحتاج إلى كثير من الصدمات لكي يستيقظ من تعصبه فالتعصب عمى وشلل للعقل والفكر معاً.

في أوروبا وعلى خلفية الصراعات الدينية الرهيبة والتي تشبه إلى حد كبير الفتنة الطائفية التي يعيشها العالم العربي اليوم، ظهرت المطالبات بالتسامح والتنظير له ولعل جون لوك 1632- 1704 هو من أبرز فلاسفة التسامح.

رفض جون لوك التعصب لسببين: الأول أنه لا يوجد جماعة كاملة معصومة فلا يحق لها فرض آرائها على الآخرين، والسبب الثاني هو أن الفرض بالقوة سيولد التصادم عاجلاً أم آجلاً ولو طال سكوت الجماعات المنكوبة.

إذن، التسامح هو موقف من المخالف في الرأي ينتج عنه الإقرار بحقه في ممارسة قناعاته وإن كان الطرف الأول يعتقد في داخله أن قناعات الآخر خاطئة بل حمقاء، التسامح يعني أنه ليس من حق أي أحد أن يفرض رؤاه على الآخرين مهما كان موقفه منهم ليتشاركوا نفس الفضاء العام، هذا المبدأ يطلق عليه في فرنسا «فصل الفضاء العام عن الفضاء الخاص».

رغم كون التسامح خطوة هامة إلا أننا نستطيع أن نقول أن التسامح تم تجاوزه اليوم وصولاً للتعددية في المجتمعات التي يسكنها البشر كجنوب أفريقيا بدلاً من وحوش تشبه الجنس البشري في بعض المجتمعات المنكوبة بهذا الداء. الفرق بين التسامح والتعددية أن التسامح يعني قبول الإنسان لوجود مخالفين له رغم أنه يعتقد أنهم على باطل وأنه يمتلك الحقيقة الكاملة، التعددية تقضي أن يدرج المؤمن في عقيدته الخاصة الوجود المشروع لمعتقدات أخرى. فالجنس البشري خُلِقَ مختلفاً وفي ذلك مصلحة كبيرة للإنسانية جمعاء.

الفرق كل الفرق بين من يكره فيكظم غيظه وبين من يحب فيعبر عن حبه للآخرين، فالكراهية مهما طال كبتها وحَسُنَ إخفاؤها فهي لا تؤدي إلا إلى مزيد من التفرقة والعزلة بين الجماعات. الاتحاد الأوروبي لم يقم على فكرة التسامح ونسيان ضحايا الحرب بل على تعميق فكرة أن دول أوروبا لا يمكنها الاستغناء عن بعضها البعض مهما اختلفت لغاتهم وثقافاتهم.

إن أي مجتمع تعددي ينبغي له أن يراجع نفسه ويبحث عن مشروع وطني يوحده لتحمي مظلته كل المجتمع من أشعة العصبية المهلكة للجنس البشري.

محمد سبت

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً