العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ

مساحة حرة - انفضوا الغُبار وأبدِعوا

يوسف الوطني
يوسف الوطني

أفتَخِرُ حين أقرأ أسماء العرب والمسلمين في مقدمة العلماء الذين غَرقوا في العِلم والمَعرِفة حَتّى صاروا مَنابِع عِلم ومعرِفة، فلم تساهم اكتشافاتهم في تقدم الإنسانية فحسب، بل وضعت بذور العلم التي وللأسف سقاها غيرنا، فصرنا نشتري ثمار علوم أجدادنا بدل أن نزرعها ونطورها.

نحن نعرف أسماء العلماء العرب والمسلمين، ولكن هل نعي مدى لمعانهم وتفوقهم؟ لقد اكتشف ابن النفيس الدورة الدموية الصغرى في الإنسان، واكتشف جابر بن حيان الكثير من الأحماض والعناصر الكيميائية التي نسمع عنها ولم يطرأ على بالنا أن مكتشفها عربي مسلم (كالهيدروكلوريك والكبريتيك وغيرها)، واكتشف الخوارزمي «الصِّفر» وأسس علوم الجبر والحساب وترك أثراً بالغاً الأهمية في الفلك، واكتشف ابن الهيثم انعكاس الضوء وانحرافه وفَسَّر كيف ترى عين الإنسان تفسيراً علميًّا مُصحِّحاً تفسير العلماء الأجانب الذين سبقوه، بينما نحن عُمِيَت أعيننا في الهواتف الذكية والتلفاز.

كَفانا مدحاً في قَديمٍ مضى، فَنَحْنُ في جفافِ علمٍ لا يُرْتَضى، فقد طَغى الغُبار على كُتُبِ هؤلاء العُلماء العرب حَتّى صارت الكُتب الحديثة المُستوحاة من علومهم تَكُحُّ من غُبار الكتب العربية القديمة، فمَتى آخر مَرةٍ سَمِعنا بأن عربي اكتشف أو اخترع شيئاً تستفيد الإنسانية منه؟ ومَتى وَقَف عربِي يَتحدَّث عن مُنتَج تكنولوجي يكتَسِح الأسواق العالمية كالأسطورة الراحل مَلك شركة آبل «ستيف جوبز»؟

استلطفتنا الطبيعَة ومنحتنا النِّفط فلعل وعَسى أموالَه تُسَهِّل طريق الشَّباب نَحو الإبداع والتَّمَيُّز، ولكن الحقيقَة المُرَّة هي أنَّ النَّفط صار وقود الرَّفاهِية واللّهو والاسترخاء، وصار يُخَيَّلُ لَنا بأنَّ النفط نَهرٌ لا ينضَب، فلا نفكر في الأجيال القادِمة التي لن تملك حتى النفط الذي نَتَّكِئ عليه حاليًّا، فأبسَط مِثال أننا لا نستغل الطَّاقَة الشَّمسِيَّة من الآن ونحتفظ بالنفط كبديل.

عندما نسمع كلمة «اليابان» فإن أول ما نَراه هُو التكنولوجيا والإبداع والعُقول الخارِقة في العبقرية، وعِندَما نسمع «ألمانيا» فنرى تلك السيارات الفخمة التي يحلم كل شاب في الحصول عليها، وعندما نسمع بأن طالباً جامعياً قد درس في «الولايات المتحدة» أو «المملكة المتحدة» يتلألأ العِلم فجأة على جبينه وتتلهَّف الوظائف إليه، ولكن من النّادِر جِدًّا أن يبرز ويتميَّز فتًى عَربي بلا استِعانة بالغَرب بطريقة أو بأخرى، لا أقول بأن في ذلك عيب، فطلب العلم فريضة ولو كان بالصين، ولكِن في عقول الشباب العربي الزَّاهِرة أفكاراً واكتشافات واختراعات وتقنيات لا متناهِية، مَخفِيَّة تحت غِطاء الإهْمال وضعف التأهيل وذلك ما يوقفها من التَّقَدُّم والبُروز، ولكن غيمة الإبداع العربي كثيفَة تحمل من الإنجازات أمطاراً وأمطارا، تنتظر شتاءها كي تهطل فتسقي بذور العلماء القدامى، لينهض علماء جدد.. ولا زالت تنتظر.

قال الإمام علي (ع) : « النَّاسُ أَعْدَاءُ مَا جَهِلُوا «، فكل ما علينا فِعله هو أن نَكون أصدقاء العِلم وصانِعِيه، فَنَكون نَحْنُ الخُبراء بدل انجرافنا مع سيول التَّقَدُّم الغربي في العِلم، فما لم نفتح عُقولنا ونجعلها مَرِنَة تُهَيِّئ لنفسَها الظروف المُناسِبة لصنع المُذهِل الذي يرقَى بِنا ويفرض على العالم قيادتنا في مجالات العِلم، لن نتخَطّى مُسَمَّى: الدُّوَل النامِية.

يوسف مهدي يوسف الوطني

العدد 3633 - الجمعة 17 أغسطس 2012م الموافق 29 رمضان 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً