العدد 3654 - الجمعة 07 سبتمبر 2012م الموافق 20 شوال 1433هـ

دول الانحياز في قمة عدم الانحياز!

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عُقِدَت قمة دول عدم الانحياز دورتها السادسة عشرة في طهران. ستة أيام هي أيام القمَّة، يومان للخبراء، ويومان للاجتماعات الوزارية، ويومان للقاءات الزعماء والقادة. جاء مئة وعشرون وفداً هم في الأصل، يمثلون أعضاء هذه المنظمة الشائخة. بعضهم جاء على مستوى رئيس/ ملك أو أمير، وعددهم ثلاثون، وبعضهم جاء على مستوى رئيس المجلس الأعلى كما في حالة الوفد الكوري الشمالي، أو مجلس الدولة كحال وفد سلطنة عمان، أو على مستوى رئيس الحكومة كما في الوفد السوري، أو على مستوى المبعوثين الشخصيين كوفد المملكة العربية السعودية أو أقل من ذلك كما لبقية الوفود الأخرى.

منظمة دول عدم الانحياز، الذي تراهق لدخول عامها الستين، أنشأت في ظرف دولي يناسب أوانه، وهو استعار الصراع الدولي، ما بين القطبيْن الرأسمالي والشيوعي، وما عُرِفَ حينها بالحرب الباردة. وقد تأسَّست هذه المنظمة على وقع ثلاث رؤى دولية تمثل كل واحدة منها قارة من قارات العالم القديم. الأولى آسيوية وتصدَّرها نهرو، والثانية إفريقية وتصدَّرها جمال عبدالناصر، والثالثة أوروبية تصدَّرها تيتو، وهَدَفَت إلى تجنيب أعضائها الدخول في معادلات القوة المادية، والأحلاف الدولية المستقوَى بها في الصراع.

واليوم، عندما نلقي نظرةً على خارطة العالم من شرقه إلى غربه، ومن شماله إلى جنوبه، سنرى أن دول المنظمة يتوزعون على قارة آسيا ما خلا أقصى الشرق، والشمال كله وبالتحديد روسيا، وأجزاء من الأطراف، ومن إفريقيا كلها ما خلا دولة واحدة في الغرب، ومن أجزاء أوروبية محددة تقع في شرقها ووسطها، ومن أميركا اللاتينية ما عدا دولتين، ومن الجزء المتوسط ما بين القارتين الأميركيتين الشمالية والجنوبية. ومجموع هذه الدول، تمثل في الحقيقة ثلثي منتسبي دول الأمم المتحدة كلها، والتي تبلغ 192 دولة.

أرجع إلى قمة طهران، التي آثرتُ أن أكتب عنها بعد انقضائها لكي لا تضيع وسط المتابعات المتعددة والمزكومة بدفوعها المختلفة. إيران تدرك أن هذه المنظمة ليس لها ثقل حقيقي على المستوى العالمي. كما أنها لا تدفع شراً، ولا تنتصر إلى خير. فأعضاؤها هم من العالم الثالث، وأغلبهم لديه علاقاته الخارجية الخاصة والمتشابكة في أحلاف واصطفافات ومحاور، وبالتالي فهي منحازة، وغير فاعلة، وغير قابلة أصلاً لأن تكون فاعلة كمنظمة عدم انحياز، نظراً لغياب مبررات قيامها، ولافتقار أعضائها للفعل الدولي، الذي من شأنه أن يقيم وازناً للصراعات المشتعلة، أو التخفيف من حدتها.

طهران، أرادت استثمار هذه القمَّة لصالحها فقط. حَشَدَت مئة وعشرين دولة، وثماني عشرة دولة أخرى بصفتهم مراقبين، وعشر منظمات دولية، وجَلَبَت لهم ألفاً من الصحافيين ووسائل الإعلام المحلية والإقليمية والدولية، لتثوير الصورة المرئية، وتسييل التصريحات واللقاءات الصحافية، وجاءت بمئة وخمسين ألف رجل أمن لحماية ذلك التجمُّع الضخم، ثم بدأت في نفض الغبار عن ملفاتها هي كدولة، وتوزيعها على زخم تلك القمة، بعضها سياسي وآخر اقتصادي، وثالث أمني، ورابع ثقافي، وخامس اقتصر على الدعاية والعلاقات العامة المحضة، كما يفعل الغرب عادةً في بعض اللقاءات.

عديدٌ من الدول، لم تكن لتظفر طهران بلقاء مسئوليها في الأوقات العادية، لكنها ظَفَرَت بها في تلك القمَّة. وكلَّ مَنْ تابع القمَّة سيرى أن قيادات الهرم السياسي الإيراني، استثمروا ساعاتهم في الالتقاء بالمسئولين المشاركين، الذين لديهم معهم علاقات مصالح أو تنافر بالتساوي. المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي وحده التقى رئيس المجلس الأعلى في كوريا الشمالية، ورئيس غينيا بيساو، والرئيس المنغولي والزيمبابوي واللبناني والتركمانستاني والطاجيكستاني ونائب الرئيس الإندونيسي ورؤساء وزراء بنغلاديش والعراق وسورية، والتقى الأمين العام للأمم المتحدة.

والرئيس أحمدي نجاد التقى أيضاً رئيس السلطة الفلسطينية، والرئيس السوداني والسريلانكي والمصري ورئيس جمهورية إفريقيا الوسطي، ورئيس مجلس الدولة العماني ووزير خارجية أرمينيا. ورئيس البرلمان علي لاريجاني التقى رئيس المجلس الأعلى في كوريا الشمالية، والمبعوث الخاص للرئيس الصيني، والمبعوث الخاص لملك الأردن ورئيس مجلس الأمة الجزائري ووزير خارجية ليبيا وأذربيجان. كما التقى رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد جليلي بوزراء خارجية تونس وعمان وسورية، ومستشار الأمن الوطني العراقي، ومساعد وزير خارجية الصين، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، في حين وصلت لقاءات وزير الخارجية علي أكبر صالحي وحدها إلى ستين لقاءً كما صرَّح بذلك للصحافيين بعد انتهاء القمة.

الكثير من تلك اللقاءات كانت تحتاج إلى ترتيبات سياسية وبرتوكولية وأمنية ووساطات ومراعاة علاقات أصدقاء بأعداء والعكس، لكي تتم، لكن طهران، تجاوزت كل تلك التعقيدات خلال القمة، فجَلَسَ جيفري فيلتمان الأميركي (رغم منصبه الأممي الحالي) مع المرشد الأعلى خامنئي لأول مرة. وجَلَسَ محمود عباس مع أحمدي نجاد، في تطوُّر ملفت في العلاقات الإيرانية مع السلطة الفلسطينية، وكأنها رسالة جديدة لتبدل خارطة إيران داخل الملف الفلسطيني، من علاقات ذات اتجاه واحد إلى علاقات ذات اتجاهات متعددة. كما التقى رئيس مصري لأول مرة منذ ثلاثة عقود بالقيادات الإيرانية، وهي زيارة غير عادية بالمطلق، وتمهد لعلاقات جديدة بين بلديْن مهمَّين في المنطقة، وقد تراءى للجميع بوادر تعاون لحلحلة أهم ملف إقليمي وعالمي، وهو الملف السوري، حيث أعلن المسئولون الإيرانيون أن مبادرة مصر تتشارك في جوهر مبادرتهم تجاه سورية بنسبة ثمانين في المئة على رغم ما قيل.

يضاف إلى ذلك، أن هناك لقاءات حصلت بين مسئولين إيرانيين ومسئولين من دول أخرى، حرصوا أن تكون بعيدةً عن الأضواء. وقد تسربت معلومات، من أن إيران استطاعت أن تجمع وفود دول بأخرى بينها عداء معلَن.

أيضاً، وفي لفتةٍ أخرى مما جرى في القمة، فقد جاء أركان النظام الإيراني بموزاييكه المختلف مع بداية القمة، حيث دخل المرشد الأعلى للثورة علي خامنئي، وعلى يساره رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، وعلى يسار يساره رئيس البرلمان، وعلى يمينه رئيس الجمهورية، وعلى يمين يمينه رئيس السلطة القضائية. وربما هدفت إيران من ذلك المشهد إظهار أنها مُوحَّدة سياسياً، وأن هناك وحدةً في عين الكثرة لديها. والأمر الثاني، أنها رسالة للولايات المتحدة، بأن إيران مستعدة لأن تتفاوض، بشخص معتدل كرفسنجاني الذي لطالما ظهر في خطاب تصالحي، ويمكنها أن تتصادم بشخص متطرف كأحمدي نجاد.

في كل الأحوال، فإن الذين اجتمعوا من أجل عدم الانحياز في طهران لم يكونوا غير منحازين. والقمة من أساسها كانت ملتقى إيرانياً لتسويات إيرانية سياسية واقتصادية وأمنية، وما يقال عكس ذلك، من قدرات جبارة لهذه المنظمة ما هو إلا نفخ في الهواء.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 3654 - الجمعة 07 سبتمبر 2012م الموافق 20 شوال 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 6:56 ص

      قمة عدم الانحياز وموضوعك المنحاز

      موضوعك للاسف منحاز ضد طرف وانت تنتقد قمة عدم الانحياز

    • زائر 3 | 3:21 ص

      كتابة منحازة!!!

      عندما قرأتُ العنوان حسبْتُك ستتطرق إلى كلمة الرئيس المصري والذي انحاز فيها بشكل واضح لطرف من الربيع العربي وتجاهل طرفا آخر!!!!

    • زائر 2 | 2:25 ص

      علي نور

      سيدي الفاضل ، لقد جانبتك الموضوعية وجافاك الصوب في مقالك ،1: دول عدم الانحياز ليست غير ذات ثقل كما تفضلت بل هي ارقااااااام اقتصادية وازنة متناثرة على مساحات جغرافية واسعة(افريقيا واسيا ) وله القدرة على التاثير وايران تهدف الى تقوية هذه الدول .2: القول " أرادت طهران استثمار هذه القمَّة لصالحها فقط." غير صحيح والا لمادا تتعب نفسها وتقوم بكل هذا من اجل دول غير ذات ثقل؟؟ 3: ايران تريد تقوية هذه المنظمة ليس ليس لمصالحها فهي لا تحتاج ذلك ، بل لخدحة مشروع استراتيجي هاااام اسمه القدس.

    • زائر 1 | 11:39 م

      مايعجبك العجب

      مايعجبك العجب ولا لصيام في رجب ولنت مو تعلم السيد الخامنئي والاالساسه الايرانين المخضرمين ويش يسوون ويش مات يسوون كفايه قاضين مضجع امريكا واسرائيل وبعض اللي ماتعجبهم سياسة ايران علئ الاقل طلعو بنتيجه احسن من غيرهم

اقرأ ايضاً