العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ

قطار بلا مشاعر...

محمد حميد السلمان comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

علماء الاجتماع يعرفون الفوضى بكونها عكس النظام، وبأنها مخالفة لنواميس الكون، وللفطرة السليمة، ويعزون إليها أهم أسباب الفشل، سواء على مستوى الأفراد أو الشعوب.

وتأتى الفوضى حين لا يكون هناك ترتيبٌ للأولويات، والمراحل الزمنية التي تحتاجها الأهداف للتحقق، ويكون هناك تأخير وتسويف، بحيث تصبح الأمور الطارئة مسيطرةً على الإداري ومتحكمةً في وقته.

ومشكلة الفوضى تكون على مستوى الأفراد والإدارات، وعندما تكون الفوضى عادةً متأصلةً في أي إدارة بصفتها سلوكاً مكتسباً منذ البدء، فهذا يسبب كثيراً من الإزعاج والإرباك لمن تكون هذه الإدارة مسئولة عنهم أو تتعامل معهم. ولا يمكن علاج الفوضى دون إعادة دراسة مقومات الشخصية، سواءً أكان مسئولاً أو مواطناً عادياً، وتعديلها وتحفيزها إيجابياً، ودون تطبيق النظام في جميع مجالات الحياة، والأهم عدم التهاون مع من لا يلتزمون بالنظام مهما علا شأنهم وكبر مقامهم؛ لأن آثار الفوضى لا تقتصر على الشخص نفسه، خصوصاً المسئول، بل تشمل المجتمع بأكمله.

فهل هذا ينطبق على ما وُصف بأنه «معجزة هندسية»، بأنه هو سبب الفوضى؟ لا أعتقد، كما لا يمكن أن يكون هذا الوصف ينطبق على شركة عملاقة ومتطورة مثل الشركة الصينية لإنشاء السكك الحديدية التي قامت بإنشاء هذه المعجزة الهندسية «قطار المشاعر المقدسة»، والذي يخدم حجاج بيت الله الحرام في موسم الحج بين عرفات والمزدلفة ومنى. فحركة القطار، كما ذكر أحد مسئولي الشركة، يتحكم فيها عنصران: الشق التقني أو التشغيلي ويناط بالشركة الصينية كونها الجهة المسئولة عن التشغيل، ولم ينتج بسبب هذا العنصر أي تعطيل أو تأخر في عملية حركة القطار. والشق الثاني، وهو التنظيمي، وأنيط بجهات حكومية وأمنية مختلفة، وأي خلل في عملية التفويج ينتج عنه تأخر في حركة القطار. وما حدث في الحركة من المشعر الحرام إلى منى والتي يخرج منها الحجيج لرمي الجمرات، خصوصاً للنساء في الحملات البحرينية، كان، كما أكد مسئولون في الشركة، سببه حدوث خلل في التفويج تسبب في تعثر حركة وبرامج رحلات القطار، ودخول عدد كبير من الحجاج غير النظاميين من غير البحرينيين، دون تذاكر وركوبهم القطار، مع أن هناك بوابات إلكترونية تفحص التذكرة وتوقف من لا يملكها!

وأضاف المسئول، حدوث خلل في التنظيم من قبل بعض الجهات وتعارض بعض التوجيهات للجهات المختلفة. وبما أن سلوكيات المسلم الحقيقي لا تتجلى إلا في حج الإسلام وهو في رحلته الإيمانية، المفترضة لربه، فقد تم تحميل بعض الركاب جزءاً كبيراً من المسئولية وذلك لسلوكياتهم الخاطئة جداً في الموقع، إذ حمل بعضهم أمتعة كبيرة داخل القطار وتسبب في مضايقة الحجاج، والبعض، تصوروا، تناول التمر داخل القطار وألقى النوى في عربات القطار، ما أدى إلى وصول النوى لمجرى أبواب القطار وبالتالي إعاقة قفلها. وتم التعامل مع ذلك في حينه يدوياً، ما استغرق وقتاً يضاف إلى وقت التأخير.

هذا على الأقل ما أورده الطرف الرسمي في أسباب ما حدث للحجاج في قطار يُطلق عليه «قطار المشاعر».

مع أن المدير العام الصيني للمشروع قال منذ البدء بأن «مشروع مكة أدمج معايير مختلفة في العالم، المعيار الأميركي في الهندسة الهيكلية، والمعيار المحلي السعودي في بناء المساكن والطرق، والمعيار الأوروبي في نظام التشغيل»، إلا أنها كلها لم تصمد أمام أربعة ملايين حاج فقط، بينما تصمد قطارات الأنفاق الإنجليزية منذ زمن لملايين الزوار لبريطانيا بخلاف سكان لندن أنفسهم وهم بالملايين! إذن هناك خلل بشري ضمن إستراتيجية الفوضى، وليس تقنياً.

لا أحد ينكر أن الرحلة قديماً بين عرفة ومنى طويلة، فقد ظلت مشكلة حركة المرور تمثل عبئاً وضغطاً على الحكومة السعودية كلما حلّ موسم الحج وتجمع ملايين الحجاج في البقاع المقدسة. وقبل افتتاح القطار، كانت عملية مرور الحجيج طويلةً وصعبةً بالنسبة للجميع. فالرحلة من عرفات إلى مزدلفة تستغرق بالحافلة 5 ساعات على الأقل، أما بعد قطار المشاعر المقدسة فصارت تستغرق 7 دقائق فقط، ما يسجّل رقماً قياسياً بالفعل. ولا يخفى أن المشروع وليد وقد افتتح رسمياً خلال موسم الحج في نوفمبر 2010 فقط، بخط حديدي طوله 18.2 كيلومتراً، ويمر بوادي منى، ومنطقة المزدلفة، وجبل عرفات من الغرب إلى الشرق. وكل منطقة تضم ثلاث محطات، ليصل إجمالي عدد المحطات إلى تسع. والقطار مكوّنٌ من 12 عربة فقط، بطاقة نقل تبلغ 72 ألف راكب في كل ساعة في الاتجاه الواحد، أي من المفترض أن ينقل ما يقرب من نصف مليون شخص في ست ساعات، ما يجعله الأكبر في طاقة النقل في العالم.

وإذا كان الأمر كذلك، فما معنى أن يبقى الحجاج، ومعظمهن نساء، في ليلة الحركة من مزدلفة والمشعر الحرام إلى منى لأربع ساعات متواصلة دون توقف أي عربة من هذه القطارات لنقلهن! أليست قضية تحتاج إلى نظر، وهى تشير لنقص كبير في عدد العربات لهذا المشروع الحيوي، وخصوصاً أن القطار يعمل دون سائق فمن الصعب إيقافه يدوياً.

بعض الحاجِيّات البحرينيات ذكرن بأن سبب تلك الأزمة وغيرها من أزمات الاختناق المروري والسكني في موسم حج هذا العام، هم من يفترشون الطرقات تحت سمع وبصر من يهمهم الأمر دون رادع، ومعظمهم من الآسيويين والأفارقة، بالإضافة إلى من يأتون الحج دون تراخيص. وقد اعترفت الجهات الرسمية بأنهم وصلوا إلى رقم 1,400 مليون نسمة. والسؤال الغريب والمحير فعلاً: كيف استطاعوا إحصاءهم ولم يستطيعوا منعهم من الدخول أو حتى تنظيم ترحيلهم عندما علموا بهم؟ مع أن المسئولين عن حفظ النظام في الموسم بلغوا مئات الآلاف كما سمعنا. وتضيف أخرى من حاجِيّات البحرين بأنهن كن يسرن من المزدلفة إلى محطة القطار على أجساد الناس المفترشين الشوارع في منظر وحالة من الفوضى غير الخلاقة! لدرجة أن وصولهم للبوابة الأولى لمحطة القطار استغرقت أكثر من ساعة ونصف وهى لا تتعدى دقائق لو لم يكن أحد ينام في الطريق.

وكالعادة في الردود الرسمية، سارعت أصواتها، حتى في الحج وهي في رحلتها الإيمانية إلى الله للاعتراف بكل الذنوب، وخوفاً من المسئول عنها وليس من الله، لتنفي وتبرر ما حدث بدل أن تذكر الحقائق كما وقعت ثم تبين كيف تم معالجتها، مع العلم أن ما حدث ليس للمعارضة علاقة به!

فقد نفى رئيس بعثة الحج، كما صرح إلى «الوسط»، وجود حالات خطيرة أثارت القلق بخصوص وضع حجاج البحرين بعد الازدحام الذي أطلق عليه وصف «الطبيعي»

عند قطار المشاعر، وأشار إلى أنه «حدثت بعض حالات الإرهاق البسيطة والإغماء، وتواجدت مجموعة من الأطباء والممرضين التابعين للبعثة لمتابعة الحالات والتأكد من وصولها بسلام وبصحبتها مُرافِقٌ من اللجنة الطبية للبعثة إلى مكان تواجد الحجاج».

وواقع الحال كما ذكرته بعض الحاجِيّات اللواتي أُغمى عليهن ليس كما جاء في هذا الوصف الإعلامي الرسمي، فقد ذكرن بأن إحدى الحاجيات أُغمي عليها أربع مرات حتى شارفت على الموت، وأخرى أصيبت بضيق تنفس شديد لولا لطف الله وأحد كوادر الحملة، ولذا فقد كان من المستحيل وصول أطباء إلى الموقع الذي سقطن فيه مغشياً عليهن لشدة الازدحام والاختناق. ومن قام بإسعافهن هم شباب الحملات والمطوِّفين الأشاوس، فلا داعي لنشر الإنجازات الخيالية ونحن في لحظات الاعتراف بالذنوب أمام الخالق عز وجل. كفى بهرجةً حتى في مشاكل موسم الحج فأنتم غير مسئولين عنها بشكل مباشر، لكنها الفوضى وحدها هي المسئولة، فلماذا تدافعون حتى عن الفوضى؟ هذا ما اعترف به أمين عام بعثة مملكة البحرين لـ «الوسط» بأن السبب «وجود بعض الفوضى التي حدثت بالقرب من محطتي قطار المشاعر بعرفة ومزدلفة». حدث هذا لنصف عدد حجاج البحرين البالغين هذا العام 10311 بين مشعري مزدلفة ومنى.

وما حدث بين المزدلفة ومنى والجمرات الثلاث من حكايات، فتلك لها نافذة أخرى.

إقرأ أيضا لـ "محمد حميد السلمان"

العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 2:12 م

      قطار الفوضى

      حسيت في هذه الليلة باننا فعلا قطيع من الغنم المنفلتين في كل مكان لا ماء ( فقط

    • زائر 6 | 10:03 ص

      فوضى عارمة

      لا يمكنني التعليق إلا.... بأنها....... فوضى عارمة
      لا اكتراث بحجاج ... ولا بزوار......... ولا انسانية بتاتا ............
      الحجاج محصورين في موقع...... كحضيرة للمواشي ولمدة تتجاوز 4 ساعات .......... وبدون أدنى خدمة ..ولا يمكنك ... التحرك من موقعك ولا للحظة .... كأنك في حلم أو خيال ... لا يمكنك أن تتوقع ... أو تحتمل ....
      فما عليك الا الصبر والتحمل ....يا لها من لحظات عصيبة عشناها في تلك الليلة ....... ليلة مزدلفة

    • زائر 5 | 3:58 ص

      قطار الموت

      انتظرنا مايقارب الثلاث ساعات لكي نعبر بوابة من بوابات محطة القطار وحالات الاغماء الممرضة لا تستطيع اسعافها لكثرة الحالات فوضى عارمة محشر حقيقي تنسيق وتنظيم معدوم وفي النهاية وصلنا بعد الباصات التي كنا نستقله سابقا دون ماء ولا زاد وحتى الصلاة قضاء بعض الحاجيات رمين اسورة الدخول القطار بعد الماساة التي عاشنها لانها اصبحت ذكرى سيئة ومخيفة بالنسبة لهن البعض اسماه جارح المشاعر حقيقة رحلة الموت بكل معنى الكلمة وخصوصا مع مشاهدتنا لحالات الغماء الحجاج ولا نستطيع تقديم المساعدة لهم

    • زائر 4 | 3:27 ص

      اصبت كبد الحقيقة

      بدلاً من التخفيف على الحجاج يتم التأخير وتكديس الحجاج والتضييق عليهم .. فعلاً لا يوجد تنظيم ابداً

    • زائر 3 | 2:29 ص

      قطار المشاعر

      صدق طلع لا تنسيق ولا ترتيب وجابو للقطار فحم وهو على كهربا

    • زائر 2 | 12:08 ص

      كلام من الواقع

      حيث شاهدنا كل هذه الفوضى التى ادت الى اختناقات وتعطيل دون سبب والشرطة المخولون بتنظيم هذه العملية وكانهم لا يهمهم الامر تجدهم شاطرين فقط في ازعاج الحجاج بتشغيل صوايات الانذار والسرعة.
      شكرا لك على مقالك الذي نقل الواقع بحذفيره

    • زائر 1 | 11:12 م

      عرفة وما ادركما عرفة

      نعم حدث كل هذا
      والاكثر الما .. هو الحال في عرفة فقد ضاقت عرفة بالحجاج .. وتحتاج لقضاء الحاجة لكثر من نصف ساعه في صف طويل .. فهذه الحمامات التي انشئت في العام 2000 لم تتغير بل اعتراها الخراب ... اسر لي احد الاخوة العرب ونحن في الصف الطويل بان ثلث عرفة حجزت للحرس الوطني وضيقت عرفة على الناس .. وقال لي لماذا تحجز هذة المسافة للحرس ولماذا لا يكون تواجدهم في خارج عرفة لكي لا تضيق عرفة على الحجاج

اقرأ ايضاً