العدد 3720 - الإثنين 12 نوفمبر 2012م الموافق 27 ذي الحجة 1433هـ

بين صحوة القاعدة وسقوط النخبة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عبر التاريخ كانت هناك فئاتٌ تنحاز إلى التغيير فتدفع عربة التطور إلى الأمام، وكانت هناك فئاتٌ تقاومه فتقف إلى الجانب الخاطئ من التاريخ.

في الصف الأول هناك الحالمون والثوريون وأصحاب المبادئ والرسالات وعشاق الوطن ممن يفدونه بالعرق والدم دون منّةٍ أو مقابل. وفي الصف الثاني هناك أصحاب المصالح والمطامع والمتشبثون بالقديم، وهؤلاء ليسوا بالضرورة من العجائز والأميين، فمن بينهم شبابٌ وخريجو جامعات، ومن بينهم مثقفون وشعراء ألّفوا كتباً ودواوين عن الثورة، وجلدوا شعوبهم خلال أربعة عقود لأنها صمتت عن الأنظمة الدكتاتورية. فلما نزلت الشعوب إلى الميدان انزووا في بروجهم العاجية كالطواويس وأصدروا بيانات التخويف من قوى الظلام. قومٌ ملأوا الدنيا تنظيرات وعلّقوا صورة جيفارا على طاولات مكاتبهم يستلهمونه، فلما بدأ الحراك السياسي في بلدانهم نسوه وانتقلوا إلى صفوف الرجعيين وأصبحوا من دعاة البطش بالشعوب.

المواقف السياسية، وكما علّمنا التاريخ، غالباً ما تخضع لنفوذ المال والمنافع الشخصية. وهو ما يفسّر انقلاب بعض الساسة والشعراء والمثقفين على مبادئهم وانتقالاتهم إلى الوراء. وهو ما يفسّر أيضاً دفاع رجال دين عن هدم المساجد وهتك حرمات المنازل والتطاول على النساء، بينما يفترض أن يكونوا حماةً للشريعة والقيم والحقوق.

حين تتعرّض فئاتٌ من الشعب إلى عملية تزوير واسع للوعي، يمكنك أن تلتمس العذر للبسطاء وذوي الوعي المحدود، أما المثقفون والشعراء وعلماء الدين فهؤلاء يختارون طريقهم عن وعي وكامل إدراك. وبينما يمكن للقاعدة الشعبية الصامتة أن تستعيد وعيها وتراجع مواقفها بسبب فطرتها وعدم ارتباطها بالمصالح فتعيش صحوًة سياسيةً، فإن «النخبة» تكون قد حزمت أمرها وخيارها، واختارت بوعي لغة المصالح واصطياد الغنائم والنفوذ.

هذا ما يفسّر تبني أكثر الصحف العربية لموقفٍ معادٍ لدعوات الإصلاح والتغيير، وهو ما يفسّر -مثلاً- نشر عشرة مقالات يومية منذ عدة أشهر ضد جمعيات وشخصيات معارضة معينة، في استهدافٍ ساذجٍ بلغ من الانهيار المهني حداً حوّل المانشيتات إلى مفردات هابطة من لغة الشوارع. كما يفسّر أيضاً رفض أي حوار حقيقي منتج مع المعارضة، ورفض أية مبادرة إيجابية متقدمة تطرحها لمعالجة الأزمة، مثل «وثيقة اللاعنف». وهي وثيقةٌ مهمةٌ حازت على تأييدٍ كبيرٍ من أكبر الدول الحليفة للبحرين؛ ومن الشخصيات السياسية والدينية المؤثرة في الداخل؛ وبسببها عادت جمعيةٌ سياسيةٌ (المنبر الديمقراطي) إلى تحالف الجمعيات السبع، (وكان يُتَوقّع أن تعود الجمعية السابعة «أمل» أيضاً)... ورفضتها هذه الصحف والأقلام.

القواعد الشعبية التي تعرّضت إلى عملية تزوير وعي، تراجع حساباتها ومواقفها منذ أشهر، مع تكشّف الحقائق عمّا جرى من انتهاكات حقوقٍ وقطعِ أرزاق، نالت آلاف الضحايا. إلا أن هناك طبقةً جديدةً من نهّازي الفرص، نشأت على هامش الأزمة السياسية والتشطير المجتمعي، استغلت الفرصة للتسلق واحتلال مواقع وظيفية بعد إزاحة شاغليها.

هذه الطبقة الناشئة من «المتمصلحين الجدد» استُخدمت – عن كامل وعي وإدراك - في تفتيت منظمات المجتمع المدني وضرب الجمعيات المهنية والمؤسسات الأهلية وإضعافها. وحين يأتي من يؤرّخ لهذه الفترة من تاريخ البحرين، سيقف على مدى الدور التخريبي الذي لعبته هذه القوى المستغِلة في هذا المجال.

فصول القصة لم تنتهِ بعد، وقد شهدنا ما حدث لجمعية التمريض البحرينية، وجمعية المعلمين، وجمعية المحامين، من تدخل قسري في سيرها، إما بالإغلاق وإما بالتدخل في الانتخابات وتغيير الإدارات المنتَخَبة بأخرى محسوبة على النظام. ولعل أكثرها وضوحاً وانكشافاً وتعرياً ما حدث لجمعية الأطباء التي اتخذت موقفاً عدائياً متطرفاً تجاه أعضائها الذين عوقبوا جرّاء معالجتهم المصابين في الأحداث. وبدل الدفاع عنهم كمنتسبين، أصبحت تدافع عن مواقف السلطة، وتبنت – ومازالت - الاتهامات التي أسقط أغلبها القضاء البحريني، واستخف بها بسيوني في تقريره التاريخي الشهير. والأسوأ من كل ذلك أنه بينما التزمت الإدارات الجديدة غير المنتخبة الصمت والسكوت طلباً للسلامة والستر، اختارت إدارة الأطباء طريق العنترة والاستخفاف بالرأي العام، واجترار القصص الكارتونية التي تجاوزها الزمن.

إننا أمام حالةٍ نموذجيةٍ لسقوط شرائح من النخبة في امتحان القيم والأخلاق، وصعود طبقةٍ من المتمصلحين الجدد، وهي حالةٌ غريزيةٌ للتشبث المستميت بالمواقف البالية والمواقع والمصالح والنفوذ.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3720 - الإثنين 12 نوفمبر 2012م الموافق 27 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 15 | 1:27 م

      سيظهر الحق

      الناس عبيد الدنيا والدين لعق على السنتهم فاذا محصوا بالبلاء قل الديانون .الامام الحسين (ع) .وهذا هو حال كثير من الناس في البحرين ومن من يدعون التدين والمعرفة والدفاع عن المظلومين
      .لقد سقط القناع من على رؤوسهم فوجدناهم قد كانوا للظالم عونا وللمظلوم خصما ولكم سيضتح الحق وتنكشف ااحقيقة طال الزمان ام قصر

    • زائر 14 | 5:26 ص

      لاحياة لمن تنادي

      والله ياأستاذنا العزيز.من تنادي هائلاء اليوم اصبحوا مجردين من كل ماهو اخلاقي اوديني بمعنى الكلمه واصبحوا ليس لذيهم شي يفكرون فيه غير مصالحهم ومن محسوب عليهم فقط ولاتتكلم عن زميل المهنه اوالكرسي الدراسي وهذا ضمير الانسان ومتى مات هذا الضمير بقي صاحبه مجرد من كل شئ اسمه انسان.

    • زائر 13 | 1:47 ص

      مثقفون متمصلحون

      هنالك فئة من المجتمع البحريني يطلق عليها مصطلح (مثقف) وفي الواقع المعاش ومن خلال تجارب عدة اتضحت الرؤية وانكشفت عورة اولئك (المثقفون) ومع الاسف الشديد ما هم إلا مجموعة من البشر المتمصلحين المتسلقين الساعين الى مراكز هنا وهناك حتى وان كانت على جراحات الآخرين...وكفى..

    • زائر 12 | 1:19 ص

      احيانا يقال خمول النخبة ونشاط القاعدة

      القاعدة نشطة بسبب ما تعانيه من ضيم وظلايم واقصاء وتمييز وظلم واقع عليها لذلك هي اكثر من يحسّ بالألم وبعض النخب حتى لا اظلم الكل كونها تعيش حياة الرفاهية فاحساسها بهموم القاعدة ليس بتلك الدرجة.
      مسألة نزول النخب الى القاعدة ومعرفة همومها وتفاصيل معاناتها اليومية هذا لا يهتم له كل النخب.

    • زائر 11 | 1:12 ص

      بعض النخب باعت بما تملك حطاما زائلا فاصبحت في سلّة المهملات

      لا فائدة من علم بلا عمل والنخب ان لم يكن تعمل بما تعلمه فهي في طريق الخسارة الدنيوية والاخروية. ولكن الوزر الذي عليها اكبر واكثر بكثير من جهال الامة وعامة الناس هؤلاء وزرهم مضاعف حسب معرفتهم بالحق ومن ثمّ الحياد عنه مقابل حفنة من الاموال او منصب او جاه.
      والنخبة حينما تزل قدمها تجرف معها بعض الاقدام التبّاع والامّعات

    • زائر 10 | 1:06 ص

      صح لسانك

      سيدنا نشكر لكم مواقفكم التي تنم عن خوف من الله عزوجل وتوضح ارتقاء الاخلاق فيكم وفي جريدة الوسط الموقرة شكراً لكم

    • زائر 9 | 12:21 ص

      الايام ستثبت من هو على حق

      ان طال الزمن او قصر ، يوما سوف يرجع الحق لاصحابه و المتسلقون سوف يكونون عارا بالمستقبل ، انعم علينا النسيان ولاكن هناك احداث لن تنسى والتاريخ سوف يرفع ويطئطئ رؤوس .

    • زائر 8 | 12:15 ص

      آكلي المال الحرام

      هؤلاء المتمصلحين ممن يعيشون على الفضلات ويرضون لأنفسهم ولأولادهم الحرام هذه الفئة من الناس كثرت في فترة الأحداث وأصبحت تقتنص الفرص في كل مكان للانقضاض على أية فريسة يستطيعون صيدها حيث كثرت هذه الفئة في الوزارات المختلفة وخاصة وزارتي التربية والصحة لأنهم وجدوا الأرضية الصالحة لذلك
      فوجدنا أشخاصاً نكرة لم يقدموا طوال حياتهم شيئاً في مجالهم المهني يترقون في غمضة عين ويتبوأون مناصب قيادية لم يحلموا بها طوال حياتهم حين كانت المناصب تعطى للأكفأ على الأقل في الظاهر وليس بهذا الشكل الفاضح كما يحدث الآن

    • زائر 7 | 12:13 ص

      مقال رائع بارك الله فيك

      والله فشلتونا والله فشلتونا
      هذه الكلمة معروفة قائله
      قوانيين أصبحت مهمشة ولا يعترفون به ويحرفونه لكي تتمشى مع مصالحهم
      حتى الأطفال يضحكون عندما يعلمون أن الدولة سجنت الأطباء بمجرد علاجهم
      الجرحى ويتسئلون أليس الطبيب هو المعالج أليس هو أقسم أمام الله أن لا يخون
      شرف المهنة وأن يعالج المريض والجريح مهما كان جنسه ومذهبه
      أليس هذا ما أقسم به
      ويخون الطبيب الشريف اللذي عالج الجرحى والمحامي والأستاذ والعامل ويفصلون
      لانهم شرفاء
      ويكرم الخبيث ويرتقى الدرجات ويموت الناس من الأهمال في المستشفيا

    • زائر 6 | 12:12 ص

      مفاهيم مرسومه غير مفهومه

      ليس بحري ولا جوي لكنه جري فوق العادة ، أن أناس يسيرون ولا يمشون، وقد تجدهم يتجاهلون المعلوم ويأخذون بالمفهوم دون المعلوم. وقد ينشف النهر ولا يكشف أنهم يعتقدون ولا يفكرون أنهم يضنون. فقد لا يحسنون النظر ولا البصر كما لا يعرفون أنهم غير المفهوم لا يعرفون.
      فتبدأ العداوة والبغضاء دون قصد منها، فليس للعداوة والبغضاء أرجل تمشي بها، كما أن الناس لا يقصدونها، غير أنها تظهر مركبة ضمن أفعالهم.
      فهل تصحوا المراسيم أم تنام المفاهيم من شدة الغضب؟

    • زائر 5 | 11:23 م

      الخوف مما بعد

      الخوف سيدي ايضا ممن ينتظر نهاية الحراك و الوضع القائم و الذي قد ينتهي بحل ما او مصالحة فيستغله فاقد الاهلية ليصل الى المراتب العليا في البلد و بمساندة الناس تكريما لمظلوميتهم لا لشيء آخر و اذكر من ذلك المشاركة الاولى في البرلمان

    • زائر 4 | 10:10 م

      غاب المثقفون لانهم باعوا بضاعتهم

      غاب المثقفون أو من يصنفون أنفسهم كذلك وارتضوا لانفسهم ان يمارسوا دور
      تجار الشنكة بضاعته للبيع لمن يدفع ليتك رايت أحدهم يمشي مطأطأ راسه
      وهو يمشي خاف من باع نفسه له مقابل حفنة من مال أو قطعت أرض
      أهكذا يكون الرخص وبيع النفس

      اوقطعة أرض

    • زائر 3 | 10:01 م

      بعض النخب تتصيد ,,!!

      الغريب ان هناك اناس من النخب المحسوبه علي انها من كبار الشخصيات التوعويه فتنصدم بمواقفا الفجائيه المغايره الي الأنصاف والحقيقه فأنتهاز الفرص يكون جل تفكيرهم علي حساب غيرهم ,, سبحان مغير الأحوال

اقرأ ايضاً