العدد 3720 - الإثنين 12 نوفمبر 2012م الموافق 27 ذي الحجة 1433هـ

العقد الاجتماعي بين النظرية والتطبيق

محمد حسن كمال الدين comments [at] alwasatnews.com

حينما كنت عضواً بالمجلس التأسيسي لوضع الدستور العام 1973 بعد نيل البحرين استقلالها، كانت تتردد عبارة «هذا الدستور هو عبارة عن عقد اجتماعي»، فلم تلقَ تلك العبارة اهتماماً في تفكيري، بيد أن السنين اللاحقة، والتي ترددت فيها كثيراً عبارة «عقد اجتماعي»، ذهبت مذهب الآخرين في البحث عن دلالات هذا التعبير.

ذهبت أولاً إلى العقل والمنطق لأتمكن من الاستدلال الصحيح، والابتعاد عن التحريفات والتفسيرات الآحادية، ثم الابتعاد أيضاً عن الجدل السفسطائي الذي يبعد الحقائق عن مواقعها، فمن خلال العقل والمنطق العلمي أدركت أن العقد الاجتماعي هو واجب الولاء نحو القوانين المشرعة في الدولة، من جانب الأفراد ومن جانب السلطة المدنية، وهو عقد وعهد يقدمه الأفراد مقابل المنافع التي يكتسبونها من المجتمع المدني، وهو عقد وعهد من جانب السلطة المدنية بالالتزام بالوفاء لهذا العقد وهذا العهد.

فتبادل العقود والوعود بين السلطة المدنية وأفراد المجتمع المدني، ما هي إلا وسائل لتبادل المنفعة، وليس الوعد أو العهد هو مجرد النطق به لغوياً وشفوياً، بل هو التزام أخلاقي، متى ما نكث به طرف من الأطراف، تصبح نتائجه عكسية، وجالبة للضرر، ويصبح من أنكر ذلك الوعد فيما بعد غير جدير بالثقة فتحوم الشكوك حول تصرفاته.

وفي الفلسفة السياسية هناك أسئلة منطقية تقول: ما هي أسباب ذلك الولاء؟ متى يطيع الناس القانون والسلطة المدنية؟ ومتى يختلفون مع هاتين السلطتين؟ وعلى هذه الأسئلة يجيب الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712 – 1778) باختصار أنه «في العقد الاجتماعي لا يمكن أن يكون هناك واجب الطاعة للقانون، إلا في حالة (الديمقراطية)، التي هي أفضل صورة للنظام السياسي».

وفي رأي جان جاك روسو في قضية العقد الاجتماعي أن «الناس يستطيعون تحقيق شيء من الحرية المدنية وذلك بدخولهم في تعاقد اجتماعي، يجعل السيادة للمجتمع بأسره، بحيث لا يجوز النزول عنها لأحد، فلا تشرع القوانين بغير رضا الجماعة، مهما كانت صورة الحكم «ملكياً كان أو جمهورياً»، فالإرادة المشتركة التي تعبر عن الصالح المشترك، هي التي تتخذ القرارات المهمة، وعلى المواطنين كافة الخضوع للإرادة المشتركة، والملكية الفردية مقدسة، لكن يتحتم أن يتحقق قدر من المساواة الاقتصادية بين الأفراد».

فإذا اعتبرنا الدستور العقدي بمثابة العقل السياسي «الوسطي»، الذي يقوم بين السلطة السياسية وبين أفراد الشعب لكونه هو الذي يحدد الحقوق والواجبات لكل من طرفي المعادلة، فإنه ستكون لذلك الدستور اعتبارات مميزة، من أهمها تحقيق الدولة العقلانية المعبرة عن أخلاقيات السياسة، وتحقيق التشريع العادل في القوانين وحقوق الإنسان، فالقوانين إذا كانت عادلة، فستكون بمثابة العمود الفقري لصيانة الدولة بكاملها وستصون الدولة من الحروب التي يشنها كل إنسان ضد كل إنسان، فلا يختل الانسجام في المجتمع. وهذا المعنى هو الذي تحمله الدساتير العقدية، وتخلو منه الدساتير المنحة أو الدساتير المفروضة بقانون القوة.

وبالعودة لدستور البحرين العام (1973) الذي يعتبر من الدساتير الجامدة وليس المرنة، نجده يدخل مباشرة في عداد «العقد الاجتماعي»، الذي تم التوافق عليه آنذاك، بين الأمير الراحل المغفور له صاحب السمو الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، وبين شعب البحرين بعموميته، فكان المجلس التأسيسي الذي وضع الدستور الأول مناصفةً بين معينين من قبل سمو الأمير، وبين منتخبين من قبل شعب البحرين، حيث اعتبره المحللون السياسيون آنذاك، أفضل «عقد اجتماعي»، وأفضل «دستور عقدي» تناله دولة عربية، بميزة المناصفة، وبميزة ما ساد اجتماعات مجلسه التأسيسي من مداولات ونقاشات عالية الشفافية، ومن إقرار مواده بعد حوارات جيدة الأداء، ضمنت لأعضاء المجلس حرية بعيدة المدى في طرح آرائهم، من دون أن يحاسبوا عليها، وهذا يحسب إيجاباً لحكومة البحرين آنذاك، كما يحسب لشعب البحرين في ميزان التقييم السياسي.

ومن مميزات الدستور العقدي وأساسياته، أنه لا يلغى، ولا يعدل، إلا باتفاق طرفي المعادلة، إذ إن مثل هذا الاتفاق، يعتبر السبيل الأمثل لحل معظم المشكلات التي قد تعترض سيرورة العمل الديمقراطي في أية دولة.

أما إذا تم تعديل الدستور «العقدي» بعيداً عن المشاركة الحقيقية والمنصفة بين طرفي المعادلة، فإن جميع احتمالات الاعتراض عليه تكون واردة، على الأقل من الجهة التي لم تعط حق أو فرصة المشاركة في التعديل، مثلما أعطيت فرصة الاشتراك في الصياغة الأولى. وبطبيعة الحال، سيكون اللوم كل اللوم على الجهة التي استفردت بقرار التعديل، وفي رأينا أن تدارك مثل هذه الأخطاء ليس من الأمور العسيرة أو المستحيلة، فقط يحتاج إلى القرار السياسي الشجاع الذي بإمكانه إعادة الأمور إلى طبيعتها، ومن ثم السير قدماً في بناء الدولة وتنميتها.

إقرأ أيضا لـ "محمد حسن كمال الدين"

العدد 3720 - الإثنين 12 نوفمبر 2012م الموافق 27 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 9:59 م

      شتان بين القول والفعل

      على المرء ان يحدد موقفه بكل وضوح هل هو مع هذا الفريق أم مع هذا الفريق
      فريقان متخاصمان لاينفع الاكل على مائدة أحدهما واعطاء الفريق الاخر كلمات
      لاتغني ولا تشبع وكيف يتكلم من لازالت اللقمة تصل فمه

اقرأ ايضاً