العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ

وقانا الله شر الهزات والأخبار السيئة

رن جرس الهاتف في المكتب فرفع السماعة عبدالله. على الجانب الآخر كانت زوجة صاحبه في المكتب، سالم، الذي لم يكن موجوداً. الزوجة تركت رسالة إلى زوجها: "ارجو ان تخبر سالم أن قطتنا العزيزة قد ماتت بسبب تهور أحد سائقي السيارات". جاء سالم إلى المكتب فبادر عبدالله: "قطتكم ماتت، لقد سحقتها أحدى السيارات!". نظر سالم إلى عبدالله وبعد صمت قصير، قال له: "أليس كان من الأصح أن تتدرج معي في الخبر؟ ألا تعلم معزة قطتي عندي؟ كان بإمكانك أن تقول لي بان القطة وقت من أعلى المنزل، أو أي شيء آخر، وبعدها تتدرج إذ كنت قد استوعبت الهزة النفسية ". اعتذر عبدالله من سالم عن الإزعاج الذي سببه وسأل الله أن لا يورطه في نقل خبر سيء آخر لأي شخص كان.

تقول القصة الخيالية، انه مرت الأيام والشهور وحدث أن اتصلت زوجة سالم مرة اخرى وهي حزينة جدا واستلم الهاتف عبدالله ليأخذ رسالة هاتفية بان "أم سالم انتقلت إلى رحمة الله". اضطرب عبدالله كثيرا ولم يعرف ماذا يعمل، وهو في اضطرابه دخل سالم المكتب، سائلا من كان على الهاتف؟ أجابه عبدالله مضطربا: "أنها زوجتك". و"ماذا تريد؟".. تلعثم صاحبنا وهو لا يعلم كيف ينقل الخبر السيئ لسالم، وما هي إلا لحظات وإذا بلسانه ينطق بعبارات مستوردة من قصة موت القطة، وسارع بالقول "والدتك سقطت من أعلى المنزل!!".

يقول علماء النفس ( والعهدة عليهم) أن الإنسان الذي يتعرض لخبر أو حدث مفاجئ وصاعق فانه يمر بعدة مراحل نفسية.

المرحلة الأولى: هي الشلل الفكري بمعنى أن الإنسان يفقد القدرة على التفكير وبعض الأحيان يفقد التركيز وينطلق بأي شيء أو يصمت تماما.

ثم تأتي المرحلة الثانية: وهي نكران ما حدث أو نكران الخبر. وهنا الإنسان يحاول أن يهدئ من روعة ويقول لها أن الحدث غير صحيح ولا يمكن أن يحصل هذا الأمر.

المرحلة الثالثة: هي الإحساس بالعجز العام عن فعل شيء لمواجهة ما حدث، فالغضب والحنق والقهر يؤثر على مفاهيم وقيم الإنسان ويبدأ الإنسان بمراجعة كل فكرة آمن بها وكل مفهوم اعتقد به وكل تصور خل في مخيلته.

المرحلة الرابعة: القبول بالأمر الواقع، وهنا يستسلم المرء لما حدث ويستعد للقبول النفسي والتعامل الواقعي مع الحدث.

المرحلة الخامسة: هي مرحلة اختيار سلوكيات معينة للتعامل مع الحدث. والإنسان يبدأ بتمحيص ما سيقوم به بعد أن يقنع نفسه بتصور معين لتفسير ماذا حدث، ولماذا حدث، وهل كان له دور مباشر أو غير مباشر، وهل كان بإمكانه عمل شيء معين وما كان عليه أن يعمل ويقوم به.

المرحلة السادسة: مرحلة البحث والتفكير للتحقيق من الطريق والخطوات التي سيتخذها الإنسان، وقد يقرر المسير باتجاه آخر، أو باتجاه تطويري معين، أو بالانسحاب من كل شيء وكان الله غفورا رحيما.

المرحلة السابعة: هي مرحلة استيعاب الحدث والتكامل في السلوك والانتقال إلى مرحلة حياتية أخرى بالاستفادة من التجربة المريرة التي ألمت بذلك الشخص.

ويشير علماء النفس أيضا إلى أن الأشخاص يستغرقون مددا من الأوقات تختلف في طولها أو قصرها، وبعض الناس لا يستطيعون الانتقال من مرحلة معينة حتى يتوفاهم الأجل.

في احد المسلسلات التلفزيونية الكويتية القديمة كان هناك شخص (الممثل) يكرر دائما كلمة " أبيها" بمعنى "أريدها".

وهذا الشخص (المعتوه) يبدو انه قد فقد عقله بعد صدمة حدثت له اثر فقد محبوبته. والصدمة النفسية وردود الفعل تجاهها تصورها مسرحية كويتية أخرى مسرحية "على هامان يا فرعون" عندما حاول أحدهم البحث عن تاريخ أجداده. وعندما وجد كتاب تاريخ يتحدث عن أجداده وجدهم "بخلاء" ويعملون المنكرات. وردة الفعل كانت نكران الشيء والتمويه الطريف. وفي الحقيقة فإن المسرح الكويتي والتمثيل الكويتي كان له دور ريادي في الثقافة الخليجية، نأمل أن يعود كما كان في السابق. على أن عودته للدور السابق يحتاج إلى المزيد من حرية التعبير عن الرأي ويحتاج إلى الخروج من الأزمات النفسية والثقافية التي خلفها اجتياح العراق للكويت.

لقد كان اجتياح العراق للكويت أكبر هزة نفسية لشعوب وحكومات المنطقة. وعندما حدث الاجتياح في 2 أغسطس 1990 لم يصدق الكثير ما كانوا يسمعونه. وشخصيا كنت أقود السيارة وعندما سمعت الخبر أوقفت سياراتي جانب الطريق لكي أتأكد من أنني استمع الخبر بصورة صحيحة.

لقد مررت، كما مر غيري، بالمرحلة الأولى، وهي فقدان القدرة على التفكير السليم. ثم جاءت المرحلة الثانية لنكران الحدث للسيطرة على روع النفس من تقلبات الأمور، لان الأمر كان صعب التصديق. إذ كيف يغزو الجيش العراقي، الممول كويتيا وخليجيا، الكويت؟ ثم كانت المرحلة الثالثة وهي أحساس الجميع بالعجز العام والغضب والحنق والقهر الذي قلب مفاهيم الناس وحول الأسود إلى والأبيض إلى أسود، وانتهت الأفكار الداعية لوحدة الأمة العربية أو الإسلامية واختلف الناس بين من يؤيد دعوة الأميركيين والحلفاء بكامل عدتهم وبين من يؤيد العراق لسبب أو آخر. وهكذا مررنا بجميع المراحل، وربما أخطأنا عندما اعتقدنا أن الأوضاع في الخليج قد تنصح وتتحسن نحو احترام شعوب المنطقة ونحو الديمقراطية ونحو بناء المجتمع المدني.

ثمان سنوات على الهزة الكبرى في منطقتنا، ولا نرى إلى دعودة "حليمة إلى عادتها القديمة". حكوماتنا لم تستوعب الدرس ولم تستفيد من الهزات التي تورطنا بها بسبب عدم الاعتبار. وشعوبنا تفرض عليها الآلام والهزات المتكرر. والهزات ليست اجتماعية وسياسية وإنما اقتصادية أيضا. فنفطنا أرخص من الماء واقتصادنا اضعف بكثير مما نتصور، ولا زلنا لا نتعلم ولا نعرف كيف نتعلم، على خلاف دول أخرى اصغر منا في كل شيء. وإذا كانت أموال النفط مولت التواجد العسكري الأميركي والعالمي، وإذا كانت أموال النفط اشترت السكوت، فإن مصيرها غير معلوم مع انخفاض سعر النفط وذهاب ما نحصل عليه لمصانع الأسلحة الفتاكة وضياع الباقي في القومسيون. واستمرار تهديد شعوب المنطقة بحزمانهم من هامش الحرية المتبقي هنا أو هناك، إنما هو دعوة ضمنية لحدوث هزات أخرى، وقانا الله شر ذلك.

العدد 1 - الجمعة 06 سبتمبر 2002م الموافق 28 جمادى الآخرة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً