العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ

في يومها العالميّ... لغتي العربية وبها أفتخر... لكن!

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

في إطار ترويج المساواة في استخدام لغات العالم الست الرسميّة، وسعياً منها إلى الاحتفال بالتعدّد اللغويّ والتنوّع الثقافيّ، أعلنت الأمم المتحدة من خلال اجتماعات المجلس التنفيذي لليونسكو اعتماد الثامن عشر من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يوماً عالميّاً للاحتفاء باللغة العربية، أسوةً باللغات الأخرى (اللغة الإنجليزية 23 أبريل/ نيسان، الفرنسية 20 مارس/ آذار، الروسية 6 يونيو/ حزيران...). وليس اختيار الثامن عشر من ديسمبر محض صدفة، وإنّما هو اليوم الموافق لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة - منذ 37 عاماً - اعتماد العربية لغة رسميّة ولغة عمل للمنظّمة، إلى جانب اللغات الأخرى.

وليس المجال للتذكير بما للغة العربية من دور وإسهام في حفظ حضارة الإنسان ونشر ثقافته، ولا للتذكير بعدد الدول الأعضاء في اليونسكو (22 عضواً) لغتهم الرسمية هي العربية، ولا بعدد العرب (ما يناهز نصف المليار)، ولا بحاجة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم للغة العربية لغة القرآن الكريم. وإنما المجال هنا، وبهذه المناسبة العالمية، نعبّر عن اعتزازنا العظيم، وفخرنا الشديد بلغتنا العربية، لكن كوننا منها وبها نفتخر لا يعني الرضا عن واقعها وواقعنا.

نعم؛ نظرة فاحصة في وثيقة بيروت الصادرة إثر عقد المؤتمر الأول للغة العربية الذي نظم في الفترة من 19 حتى 23 مارس/ آذار 2012 بالتعاون مع اليونسكو ومكتب التربية لدول الخليج العربي، تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك، أن أزمة كبيرة تواجه اللغة العربية، وأن التراجع الكبير الذي لاحظه المؤتمرون في استخدام اللغة العربية لا يعود لعدم قدرتها على استيعاب كل المستجدات في مختلف المجالات، وإنما بسبب الضعف في إعداد أبناء المجتمع وبناته وتأهيلهم وتربيتهم وتعليمهم، وعدم تحمل الجميع المسئولية كاملة تجاه اللغة العربية، وهو ما أدّى إلى تغييب اللغة العربية في الوعي العربي بشكل تدريجي حتّى ضعفت قيمة اللغة العربية، وبالمقابل تضاعف الاهتمام باللغة الأجنبية.

ونظراً لأهميّة هذا المؤتمر، فقد قرر المجلس الدولي للغة العربية عقد المؤتمر الثاني تحت عنوان: «اللغة العربية في خطر: الجميع شركاء في حمايتها» وذلك في الفترة من 7 إلى 10 مايو/ أيار 2013. وفي انتظار هذا المؤتمر الثاني يتساءل الغيورون عن اللغة العربية في مختلف أقطارها: إلى أين وصل العمل ببنود وثيقة بيروت المنبثقة عن المؤتمر الأول؟ ومن هذه الوثيقة نشتقّ بعض الأسئلة الحارقة:

إلى أيّ مدى فعّلت الدول العربية دساتيرها التي تنصّ على أن اللغة العربية لغة الدولة؛ أي أنها لغة السياسة والاقتصاد والتجارة والتعليم وغيرها... وأنّ أيّ خلل أو تهاون بها يُعَدّ اعتداءً على النظام والدستور، وخرقاً للقانون يجب أن يحاسب عليه كل من اعتدى أو اجترأ على إضعاف اللغة العربية أو تهميشها؟ وإلى أيّ مدى وقع سنّ القوانين والتشريعات الملزمة باعتماد اللغة العربية في المؤسسات الوطنية الحكومية؟ وهل يجيد المعلمون والمعلمات اللغة العربية وسيلتهم الأولى في التواصل مع الطلاب في معظم الدروس؟ وإلى أي مدى يخضع هؤلاء إلى دورات تدريبية إجبارية لمعالجة أخطائهم في أساسيات الكتابة والنطق السليم بعيداً عن العامية المحلية أيّاً كانت؟ ألا يجدر أن يكون إتقان اللغة العربية لجميع المعلمين والمعلمات في جميع التخصصات من شروط التوظيف والاستمرار في العمل والتقويم المهني السنوي لهم؟

إلى أي مدى استطاع المربون وأولياء الأمور أن يتجاوزوا، مع الطلاب، تلك الإشاعة المغرضة أن اللغة العربية صعبة، بحيث يدخل المتعلم إلى درس القواعد وهو محمّل بعوائق تعليمية ونفسيّة تحول دونه والتعلّم؟ ألم يأْن لهم أن يعرفوا أنها إشاعة مغرضة لصدّ الناس عن لغتهم العربية؟ ألم تتحدث، وتكتب، وتقرأ أمم أخرى غير عربية باللغة العربية؟ ألم تتقنها وتبدع من خلالها في عصور لم تتوافر فيها مثلما يتوافر الآن من محفزات؟

لماذا تتجه مؤسسات التعليم إلى التدريس باللغة الأجنبية؟ بل ويصبح إتقان لغة أجنبية من متطلبات القبول في الجامعة؟ ألا يجدر بنا، غَيْرةً على لغتنا، أن يصبح إتقان اللغة العربية ضمن شرط القبول لجميع تخصّصات التعليم العالي؟ علّ ذلك يحمل الجميع على التركيز في اللغة العربية أكثر فأكثر، في مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي؟ بل لماذا لا يعتمد الاختبار الوطني للكفاءة اللغوية شرطاً من شروط القبول والتوظيف في الوظيفة العمومية؟ ألم يحن الوقت لتعريب الإدارة تعريباً تاماً في المؤسسات المختلفة؟ ألن يدفع ذلك الجميع إلى الاهتمام باللغة العربية في التعليم وسوق العمل؟ وإلى متى يقع السكوت عن اللوحات الإشهارية، واللافتات التجارية المشوّهة للبيئة اللغوية العربية؟ ولماذا تعلّق بعض اللوحات من دون أن تنطبق عليها مقاييس وشروط استخدام اللغة العربية؟ ألا يكفينا ما تعجّ به الشوارع من لوحات باللغة الأجنبية، حتى تأتينا لوحات بعربية ما أنزل النحو بها من سلطان، فتزيد في انتشار التلوث اللغوي؟! وإلى متى سيقع السكوت عن وسائل الإعلام وهي تعمد إلى استخدام لغة ضعيفة تخلط بين العربية السليمة والعامية أو اللهجات واللغات الأجنبية، بل وتكتب في عناوينها بحروف عربية لهجتها العامية؟ ألم يحن الوقت لوضع سياسة إعلامية تحدد المسئوليات وتضع الأجهزة الرقابية والقوانين الردعية ضد من يساهم بوسائله الإعلامية في إضعاف اللغة العربية؟

إنّ مَثَل اللغة الأم كمَثَل العملة؛ فكلاهما رمز السيادة والاستقلال: فالعملة ترمز للاقتصاد الوطني، وإذا كانت الدولة لا تقبل أن تتعامل بعملة غير عملتها فإن من الواجب ألا تقبل أية دولة أو أي مجتمع أن يتم التعامل بلغة غير لغته، مهما كلّف الأمر، لأنها رمز السيادة والاستقلال والهوية الوطنية، ولأنها رمزٌ لشخصيته وثقافته وكرامته.

وأخيراً، تابعوا أخبار اليوم وغداً وهذا الأسبوع، وأحصوا مظاهر الاحتفال بهذا اليوم العالمي للغة العربية في الدول العربية، وانظروا في البرامج والفعاليات بهذه المناسبة ثم حدثوني يرحمني ويرحمكم الله!

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 11:37 م

      أزمة كبيرة تواجه اللغة العربية،

      ألا ترى ان هذا تهويل
      الحمد لله الكل بياخد عربي ويقرون كتاب الله
      وبعدين عوزين ايه اكثر من كده

    • زائر 7 | 6:04 ص

      بلى حان الوقت ...لكن

      ألم يحن الوقت لوضع سياسة إعلامية تحدد المسئوليات وتضع الأجهزة الرقابية والقوانين الردعية ضد من يساهم بوسائله الإعلامية في إضعاف اللغة العربية؟

    • زائر 6 | 4:29 ص

      اللوحات الإشهارية،

      من اللوحات المضحكات المبكيات قراتها في العدلية في واجهة محل لغسل الثياب " التنظيف الزاتي ومرة في ملصق بسيارة من الخلف : لا تنس زكر الله

    • زائر 5 | 3:47 ص

      والله ياريت هذه المقترحات يعملون بها

      وهل يجيد المعلمون والمعلمات اللغة العربية وسيلتهم الأولى في التواصل مع الطلاب في معظم الدروس؟ وإلى أي مدى يخضع هؤلاء إلى دورات تدريبية إجبارية لمعالجة أخطائهم في أساسيات الكتابة والنطق السليم بعيداً عن العامية المحلية أيّاً كانت؟ ألا يجدر أن يكون إتقان اللغة العربية لجميع المعلمين والمعلمات في جميع التخصصات من شروط التوظيف والاستمرار في العمل والتقويم المهني السنوي لهم؟

    • زائر 4 | 3:33 ص

      الشكر واجب

      شكرا لك استاذ سليم على هذا اطلرح الذي يدل على غيرتك على لغتنا الأم.

    • زائر 3 | 3:23 ص

      الاحتفال بهذا اليوم العالمي للغة العربية

      يمكن أن يكون الاحتفال في المدارس بالمسابقات
      في الميادين والساحات العامة بالأنشطة التحسيسية
      وغير ذلك كثير

    • زائر 2 | 3:09 ص

      تلك الإشاعة المغرضة

      نعم الوصف حقا إشاعة مغرضة فالنحو العربي ميسور لو ركّز معه طلابنا وجمهور القارئين عموما وكم نحن بحاجة له في ديننا ودنيانا
      شكرا على المقال

    • زائر 1 | 10:22 م

      بارك الله فيك

      مقال رائع غيور على لغته وقوميته

اقرأ ايضاً