يعقد مجلس التعاون لدول الخليج العربي أعمال قمته الـ33 في العاصمة البحرينية المنامة.. ويبدو الكثير من الهموم والهواجس ستطرح على طاولة الزعماء.

«اليوم» السعودية التقت بالشيخ خالد بن أحمد آل خليفة وزير خارجية البحرين الذي سيقود الدبلوماسية الخليجية طوال السنة القادمة، في حوار طويل وممتع وثري. تحدث فيه عن رؤى بحرينية وخليجية وعربية ومواقف دول الجوار والربيع العربي، وكثير مما يشغل بال مواطني الخليج، وبالذات مبادرة مشروع الاتحاد الذي طرحه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، ليمثل أملا بتحقيق حلم انتظره مواطنو مجلس التعاون طويلاً، وفيما يلي الحوار مع الوزير الدبلوماسي المثقف الاجتماعي:

اليوم: ابتداء من الغد ستقودون الدبلوماسية الخليجية، والسؤال التقليدي.. ما أهم المشروعات المطروحة في اجتماع القمة ؟

ـ الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة: غداً (أمس) عندنا نحن وزراء الخارجية اجتماع تكميلي، لإعداد الملف الذي سوف يرفع إلى القادة، ويتضمن أمورا كثيرة، ولن اسبق الأحداث واتحدث عما يحتمل أن يوافق عليه القادم، بل انني سوف أعطيك المجالات، منها التعاون العسكري والتكامل الدفاعي وستصدر قرارات في هذا الشأن، مع التأكيد على تكاملنا العسكري دفاعيا، لأننا طوال تاريخنا لم نهدد أحدا ولم نهجم على أحد. والمجال الثاني وهو والإسراع في الخطى فيما تم الاتفاق عليه مثل الاتفاقية الاقتصادية المشترك والاتحاد الجمركي، والعملة الموحدة من أجل الوصول إلى وحدة اقتصادية كاملة، ولا بد من الاسراع لأن الوضع لا يتحمل البطء. وأيضا المجال الثالث سيطرح موضوع المجال البيئي، والمقصود به المخاطر البيئية على شعوبنا، إذ تجاورنا دولة تملك مفاعلات نووية، نتأثر بأخطارها حتى وإن لم تندلع حرب، وحتى في وقت السلم يتعين معرفة ما هي تكنولوجيا هذه المفاعلات؟.. هل هي تكنولوجيا موثوقة؟ أم شبيهة بتكنولوجيا (مفاعل) تشيرنوبل، لأن لأرواح مواطنينا وأهلنا أولوية.. هذه سلامة شعوب. تلك أبرز المشروعات إضافة إلى الجدول المعتاد، مثل تطويرات للتكامل واستكمال الاجراءات وتوصيات اللجنة الاستشارية المهمة جداً.

تحدثت عن الإسراع.. ألا يوجد حسم؟

حينما قدم خادم الحرمين الشريفين مشروع الاتحاد، فهو قد قدم أكبر مطلب شعبي، فمنذ ان تأسس مجلس التعاون وحلم الاتحاد في خيال الناس وكانت الصحف قبل كل قمة خليجية تمتلئ بآمال حول الاتحادـ الآن هذه القمة ستتطرق إلى التوجيه بالإسراع، هذا ما استطيع قوله، أما التفاصيل، فدعنا نترك ذلك للقادة.

ما هو الجديد في التكامل العسكري.. أم هو المعتاد؟

ـ ليس كما المعتاد.. لأن التكامل العسكري المشترك دائماً يحقق خطوات جديدة، وسيتخذ خطوات إلى الإمام في هذه القمة.

ذكرت ضرورة معرفة تكنولوجيا المفاعلات التي تملكها الدولة الجارة.. هل سيطلب مجلس التعاون من إيران توضيح تكنولوجيا مفاعلاتها؟

ـ يجب أن نتخذ خطوات، سواء بالتواصل مع إيران أو نتخذ خطوات أخرى للتأكد من سلامة المفاعلات وحماية الشعوب الخليجية.

الاتحاد والبطء

فيما يتعلق بالتكامل والاتحاد.. مواطنو الخليج محبطون؟

ـ الناس يقول إننا بطيئون.. أنا أقول إننا حذرون، خشية الوقوع في خطأ.. وجدت وحدات (عربية) أمضت اسبوعاً واحداً، ووحدات عمرت لسنة أو سنتين، وهناك وحدات لم تر النور.. نحن نود الخطوة.. خطوة، وإن اتهمنا بالبطء. وعلى الرغم من ذلك فإن مجلس التعاون مجلس ناجح، لأنه هو الوحدة العربية الوحيدة المستمرة.

مقارنة

الناس يقولون ألا تكفي ثلاثة عقود لتحقيق الآمال؟

ــ لأن المواطنين يقارنون بوحدات أخرى، مثل الاتحاد الأوروبي، أوروبا حققت في ثلاثة عقود أكثر مما حقق مجلس التعاون، لأن ظروف الاتحاد الأوربي تختلف عن الظروف المحيطة بدول مجلس التعاون.. انظر إلى المنطقة المحيطة بنا وطالع المؤثرات.

في رأيي أن الظروف المحيطة بدول الخليج تجعلها أحوج للوحدة من الاتحاد الأوروبي.

ـ من ناحية اثنية، من ناحية، دينية، من ناحية اجتماعية، نحن أقرب لبعض. هم (الاتحاد الأوروبي) من ناحية عملية، من ناحية تطور المؤسسات السياسية، كانوا قد قطعوا مشواراً طويلاً حينما بدأوا عملهم (الاتحاد)، بينما نحن حينما بدأنا العمل كنا أبسط بكثير. واستطيع أقارن المعطيات التي كانوا يملكونها بالمعطيات التي كنا نملكها، وعلى الرغم من ذلك واصلنا واستمررنا في تطوير الوحدة، وأعتبر ذلك نجاحاً كبيراً.. لم يكن بيننا مشترك إلا مجلس التربية (مكتب التربية العربية لدول الخليج العربي)، ومجلس وزراء العمل والشئون الاجتماعية.

لكن الآن توجد أخطار تحتم تطوير العمل سريعاً؟

ـ تجري الآن خطوات عملية حقيقية تحقق مقاومة الأخطار، مثل التكامل العسكري، واكتمال المظلة الدفاعية لدول المجلس بعمل مشترك كامل، وهذا يجري على قدم وساق. والوصول بأسرع ما يمكن في الفترة القصيرة، سنة أو سنتين بالكثير، إلى تحقيق الوحدة الاقتصادية الكاملة التي ستزيل الكثير من المخاوف لدى الدول، وستحقق إحساساً لدى المواطنين بالوحدة، فأولويات المواطنين هي فتح الحدود وانتقال السلع وفتح مجالات العمل في هذا البلد أو ذاك.

مطلب شعبي

معالي الشيخ، في السياسة لا توجد صداقات دائمة، ولا صداقات بلا ثمن، وقد تواجه دول الخليج في المستقبل موقفاً تحتاج فيه الى اتحاد فعلي قوي.. كيف هو التجاوب الخليجي مع مشروع الاتحاد؟

ـ حينما قدم خادم الحرمين الشريفين مشروع الاتحاد، فهو قد قدم أكبر مطلب شعبي، فمنذ ان تأسس مجلس التعاون وحلم الاتحاد في خيال الناس.. وكانت الصحف قبل كل قمة خليجية تمتلئ بأمال حول الاتحاد، وماذا تحقق بشأن الوحدة؟.. لان الاتحاد هو المطلب الأول الرئيسي لمواطني دول مجلس التعاون. وأتى خادم الحرمين الشريفين ـ الله يحفظه ـ، ووضع الحلم على الطاولة أمام اشقائه القادة. والاتحاد بالنسبة لدول مجلس التعاون مسألة حيوية، بأي نواع من الاتحاد سواء كان صيغة كونفدرالية أو بأي شكل من أشكال الوحدة. وسيتحقق الكيان الواحد لأنه مطلب شعبي قبل ما يكون طرحاً رسمياً.

هل أنت متفائل؟

ـ متفائل وسيتحقق لأنه سوف يحل كل المشاكل، سواء في البحرين أو في الكويت أو في الإمارات.. وكل دولة لديها مشكلة خارجية أو داخلية، حلها سيكون بقيام هذا الاتحاد الذي يتعين أن يكون حقيقياً وليس شكلياً.

على الرغم من أنه، لا يوجد في التاريخ السياسي اتحاد بلا تنازل عن سيادة ما، قلتم في الأسبوع الماضي أنه لا يوجد تنازل عن سيادات.

ـ قلت ما قاله الأمير سعود الفيصل، حينما قال أثناء اجتماع وزراء الخارجية، ان مشروع الاتحاد سوف يحافظ على سيادات الدول. لأننا لا نود أن نسرع الخطى ولا نتحدث عن وحدات اندماجية سريعة مثلما كان يطرحها بعض الزعماء العرب.

مما يعني ان الخطوات الاتحادية سوف تكون تدريجية..

ـ كل خطوة تأتي في وقتها.. وقد قلت لك إنني متفائل، هذا الموضوع له «جذور عشب» في القاعدة الشعبية، وحينما حدث تجاوب رسمي بطرح خادم الحرمين الشريفين مع المطلب الشعبي الأول في الخليج، وضع الحلم على الطريق الصحيح.. لهذا أنا متفائل. وإن لم يتحقق في هذا الجيل، فإنه حتماً سيتحقق في الجيل القادم. وأسأل الله أن يجعلنا من الرجال الذين أسهموا في تحقيق هذا الحلم.

مقاومة إقليمية

أي مشروع اتحاد سوف يواجه مقاومات إقليمية، وأولها ايران، لكن لا بد أن ذلك يثير حفيظة قوى أخرى، منها إسرائيل وربما واشنطن.. ما هي المؤشرات في هذه المسألة؟

ـ دعك من الأعداء.. الأعداء سيكونون ضد، لأن من يعمل ضد مصالحنا ويود أن يخرب ويمد يديه داخل بلداننا لا يريد أن يتحقق الاتحاد.. لكن شركاءنا الدوليين، بدأوا ينظرون لمجلس التعاون الخليج شريكاً اساسياً في المنطقة. وفيما يتعلق بشئون المنطقة فأولى اتصالاتهم تتم مع مجلس التعاون.

هل تتوقع أن يدعم الشركاء الدوليون مشروع الاتحاد؟

ـ سيدعمون مشروع الاتحاد. العمل مع الشركاء انتقل من الثنائية إلى العمل مع المجموع. كان يوجد عمل مشترك ثنائي مع الولايات المتحدة الأمريكية وكل دولة خليجية، ومنذ العام الماضي، وبالأخص بعد مسألة البحرين، بدأت الولايات المتحدة العمل مع المجموع الخليجي. لأنها وجدت صلابة في موقف مجلس التعاون فيما يتعلق بمصالحه، سواء أمنياً، أو اقتصادياً لدعم الاستقرار كما حدث مع البحرين وعمان، مما دفع الولايات المتحدة لطلب حوار استراتيجي مع دول المجلس، في المجالات العسكرية، وكل المجالات، وايضاً الاتحاد الأوربي اتخذ خطوات مماثلة، مما يعني أن الدعم الدولي لقيام اتحاد خليجي أو الترحيب الدولي أو النظرة الإيجابية لهذه الخطوة مسألة محققة. بل ان التفرق والتشرذم سيدفع حلفاءنا إلى التفكير في بدائل.

رسائل طهران

تعقد القمة الخليجية في المنامة. وعادة طهران تبعث برسائل في مثل هذه المناسبات.. ما الرسالة الإيرانية المتوقعة إلى البحرين وإلى القمة، وكيف الاستعداد لهذا؟.

ـ إلى الآن لم نتلق أي رسالة إيرانية تتعلق بالقمة، لكن رسائل إيرانية تتعلق بالعلاقة مع دول المنطقة نشاهدها كل يوم، ولم ترتبط قط بأي قمة. كل يوم نشاهد في التلفزيون ونسمع بالراديو ونقرأ في الصحف، تصريحات تتعلق باحتلال الجزر الاماراتية. وكل يوم يخرج أحدهم من الحرس الثوري أو من الجيش أو من القائد الاعلى أو من مكتب الرئيس أو وزير، ليقول انه سوف يغلق مضيق هرمز. افتح قناة العالم أو «Press tv» أو محطات مماثلة واستمع إلى ما يقولونه عن مجلس التعاون وعن البحرين بالذات، والفتن التي يثيرونها في هذه الدول. الرسالة نعرفها متكررة مستمرة وعدوانية متطرفة على الرغم من أن أيدينا ممدودة ولا تزال ممدودة تجاههم، فهم مهما كان جيراننا، ونتمنى لهم الاستقرار والازدهار، لأن إيران مزدهرة مستقرة في مصلحتنا. لأنها ستكون شريكا تجاريا وسياحيا وأمنيا. الله يرحم شاه إيران، كانت عنده أطماع في البحرين، لكنه في نهاية الأمر رجل عاقل، عرف أن شعب البحرين لا يود الارتباط بمملكته، وقبل برتيب أن يأتي من الأمم المتحدة من يستطلع رأي شعب البحرين، وبناء على هذا التقرير يتخذ موقفاً من مبدأ احترام الشرعية الدولية، وذلك ما حدث. واعترف بالبحرين، وأسس المعرض التجاري الزراعي الكبير، وحضر أردشير زاهدي وزير خارجية الشاه، وافتتح المعرض بصحبة الشيخ عيسى رحمه الله. ودعا الشيخ عيسى إلى زيارة طهران وحظى بحفاوة بالغة هناك. كان الشاه رجلاً مسئولا، وفي نفس الوقت يبني جيشه وكانوا يسمونه شرطي الخليج، ومع ذلك لم يوجه إلينا أي تهديد. وكانت علاقته مع الملك فيصل، الله يرحمه، واضحة ومبنية على الاحترام المتبادل. ووقع اتفاقية شط العرب مع العراق. وعلى الرغم من الملاحظات، إلا أن إيران الشاه كانت جاراً مستقراً يعتمد عليه. ولكن منذ 1979 (تأسيس نظام ولاية الفقيه)، كل المشاكل التي حدثت مرتبطة بهذا التاريخ، مثل الحرب العراقية الإيرانية واحتلال الكويت، والاضطرابات في لبنان، واليمن والإرهاب والوضع في المنطقة.

اليد ممدودة منذ وقت طويل ولم تجد تجاوبا.. ما هو الحل؟

ـ لا.. يد ممدودة بالسلام ويد تمسك بالسلاح دفاعاً عن النفس.. قلت إن الإجراءات الدفاعية الأمنية (الخليجية) تجري على قدم وساق. وهي «دفاعية» وليست هجومية. وأي طائرة (أجنبية) تتمركز في المنطقة يتم التفاهم مسبقاً بأن مهماتها دفاعية، فليس لدينا أية نوايا عدائية ضد أي آخرين، خاصة الجمهورية الإسلامية (الإيرانية).

إذن.. ما هي الوسيلة لإقناع إيران بخطورة مواقفها..

ـ والله عجزنا.. أجرينا اتصالات مباشرة.. وكلاماً مباشراً.. يبدو أن لإيران مصلحة في ضرب استقرار دول مجلس التعاون، خاصة البحرين.. كلما ضغط العالم عليهم (الإيرانيين) في موضوع سوريا، يردون على العالم بالضغط على البحرين وعلى دول مجلس التعاون.

المصلحة هنا لإيران.. أم للنظام الإيراني؟

ـ طبعاً أتحدث عن النظام.. أما الشعب الإيراني فهم شعب شقيق وبيننا وبينه علاقة قديمة. وكثير من سكان البحرين يتحدرون من أصول إيرانية. والشعب الإيراني يعاني وليس له علاقة بالوضع المأساوي الذي تمر به بلاده.. والنظام ينتهج مواقف عدائية، فحينما سئل وزير خارجية إيران عن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا، قال إن سوريا لا تستخدم سلاحاً كيماوياً، السلاح الكيماوي يستخدم في البحرين. وهذا التصريح جرحنا لأن فيه اتهاما بارتكاب جريمة ضد الإنسانية لا نقبلها.

ومختلقة؟

ـ ونعم مختلقة.. وكان ردنا أنه يحاول تغطية الأوضاع الكارثية التي تمر بها بلاده.. عجزنا.. اجرينا محاولات الاتصال بهم.. شخصياً سافرت إلى طهران مرات عديدة، آخرها أثناء عقد مؤتمر قمة عدم الانحياز، وقبلها زيارات عديدة، ورأيت الشعب الإيراني كيف يعاني، وعلى الرغم من ذلك احترمنا حسن الجوار وعلاقتنا معهم، ونعرف حدودنا، ويتعين أن يعرفوا حدودهم.

*ألا يفترض أن مجلس التعاون يرد على مثل هذه العدائيات، وليس البحرين وحدها؟

ـ مجلس التعاون واضح في مواقفه، والقمة سوف يكون لها موقف واضح من إيران. ولا أرى أي تقصير من مجلس التعاون في الرد على الادعاءات الإيرانية. وسفراء دول مجلس التعاون، في كل عواصم العالم، ومنها طهران، يتحدثون باسم المجموع، ومن الآن سوف يكون الصوت الدبلوماسي واحداً.

إدارة الأزمة

ـ القيادة البحرينية أدارت الازمة المحلية بكفاءة وبأسلوب متأن.. كيف كانت الثمار؟

ـ الثمار واضحة.. إننا خرجنا من أزمة وعدنا إلى الوضع السياسي الطبيعي الذي ليس بجديد.. تخطينا الأزمة بحكمة إدارة جلالة الملك وبأقل الخسائر، أما مسألة مطالب وتطلعات الشعب فهي موجودة منذ زمان..

الاختلاف والحوارات..

ـ ليست جديدة ومستمرة.. أنا مولود في عام 1960، لكن آخرين عاصروا أحداث الخمسينيات 1956 حينما أثيرت مطالب شعبية، وعاصروا هيئة الاتحاد الوطني التي سيطرت على مبنى الجمارك وجبت الرسوم لأربعة شهور. فالبحرين تمر بفترات تواجه مشاكل.. لكن التطلعات الشعبية للتطور والعمل المشترك مع الحكم والمشاركة الشعبية دائماً تتحقق إلى أن تطورت إلى كتابة الدستور ومجلس منتخب. والميثاق الوطني أخضع للتصويت الشعبي، حيث عدل الدستور وألغي قانون أمن الدولة، تحققت مطالب الشعب، ومطالب الشعوب لا تنتهي وتتطور ولا بد أن نعانق هذه المطالبة برؤى مستقبلية، لأن ذلك، في نهاية المطاف، في مصلحة الجميع، لمصلحة استقرار البلاد ولمصلحة الحكم ولمصلحة الجيران. عدنا للوضع الطبيعي، نقاش حول الحوار والممانعة كما كنا سابقاً، أمر واحد ووحيد يفرق عما كان في السابق هو استمرار العنف ضد رجال الأمن.. ويتعين أن يوقف ليس فقط بالإدانات، سمعنا إدانات.. جزاهم الله خيراً.. لكن يجب العمل لإيقاف الصبية الذي يرتكبون هذا العمل.

النقطة الأخرى هي أن من يطالب بحوار بينه فقط وبين الدولة فهو غلطان، ومن حصر نفسه بتمثيل مكون مذهبي واحد لا يحق له أن يتحدث باسم كافة الشعب، ذلك إجحاف بحق البحرينيين، لأن لدينا تنوعا. سابقاً كان لدينا حركة شعبية وصلت إلى المجلس التأسيسي ثم فرضت نفسها في مجلس النواب في ذلك الوقت. وأؤكد أنه ليس لدينا مشكلة في الحوار، فيمكننا أن نتفق على المسائل الرئيسية، وهذا يجعلني أقول إنني لست متشائما بالنسبة للوضع الداخلي، نحن سياسياً نمضي إلى الأمام وحكمة جلالة الملك هي الأساس. ما وصلنا إلى هذا الأداء إلا بالتوجيه السديد والإشراف المباشر من جلالة الملك.. ونعلم بتنوع التوجهات والتحريضات سواء في الداخل أو من الخارج ونحن مستعدون.

مشاكل مصدرة

هذا فيما يتعلق بالمشاكل الطبيعية، لكن كيف معالجة المشاكل التي تصمم في الخارج ثم تصدر إلينا؟

ـ يبدو أنه سوف يستمر الضغط ما دام أنهم «شغالين».. وما دام أن تكنولوجيا التواصل تتطور.. ونستعد بتقوية الجبهة الداخلية ولن نخشى أية مؤثرات. ولكن حينما توجد مشكلة، فهي تفتح نوافذ، ستدخل منها «الريح» والأوساخ، ويأتي من يصب الزيت على النار. نحن ليس لدينا مشاكل ولا تخيفنا هذه التدخلات.

كيف توجهات الدعوة إلى الحوار الوطني.. هل أنت متفائل؟

ـ سئلت هذا السؤال في (منتدى) «حوار المنامة» (8 ديسمبر) وكان جوابي هو نهج جلالة الملك، أن لا ننتظر هذا الحوار الكبير المنتظر ومتى سيعقد والوثيقة الكبرى، وإنما نبدأ بتكسير الجليد، بتنظيم ندوة حول حقوق الإنسان، وأخرى تتعلق بمطالب المواطنين حتى وإن تطرقت إلى الشأن السياسي، على أن تمثل الكل.. نحن لا نضع رجلا على رجل وننتظر الحوار.. نحن الآن نعمل، بما يحقق عقد حوار واثق.

*ما نلاحظه أن القيادة البحرينية أبدت صدراً رحباً ومفتوحاً وملكت القدرة على استيعاب الكل..

ـ الحمد لله رب العالمين.. لكن يجب أن يكون لدى الآخرين مبادرة التجاوب.. ونلاحظ أن اللغة تغيرت.. سمعنا «اسقاط النظام» و«الجمهورية».. اليوم نحن نسمع كلاماً آخر هو «لا نريد إسقاط النظام.. نريد العمل مع النظام»..

جيوب ومزايدون

ألا يمكن أن تكون تلك شعارات جيوبا.. تدخل في المعارضة وتزايد..؟

ـ طبعاً.. يوجد مزايدون.. ويوجد من لا يعجبه أي تفاهم أو أي استقرار في مملكة البحرين..

كي يستمر بطلاً..

ـ كي يستمر بطلاً.. وهناك دول لها مصلحة.. كلما زاد الضغط الدولي في سوريا.. يزيد الضغط هنا.

مساومات إقليمية..

ـ طبعاً مساومات إقليمية ويستخدمون كروتا هنا.. ولا يسرهم أن تتخلص البحرين من الازمة وتحتفل بالنجاح.. ذلك خبر لا يسعدهم. ويوجد من «امتهن» المعارضة، ويدور من محفل لمحفل، بتذاكر مجانية، ونفس الوجوه تتكرر وتتنقل.. يبدو الأمر مضحكاً..

تهديد جيل

يبدو أن إرهاصات الخلاف والمشاحنات ذات الصبغة الطائفية في البحرين هي التي خسرت البحرين ثقلاً اقتصادياً. كانت البحرين هي المركز التجاري الخليجي المؤهل للنهوض ثم اصبحت دبي البديل.. ماذا سيضيف البحرينيون من خسارة في الوقت الراهن..؟

ـ النهضة الاقتصادية في المنطقة بدأت في أسواق صغيرة في المنطقة وإحداها البحرين، ثم تصاعدت الحركة الاقتصادية، واليوم نشهد في المنطقة مدناً جميلة، ومباني شاهقة ومصانع كبيرة، والبنية التحتية المتمكنة موجودة في دول الخليج من الكويت إلى عمان. وإن كانت البحرين تتميز بتأسيس مدني قديم والمطار الدولي الذي كان يستقبل طائرات من الشرق والغرب. لكن الآن بنيت مطارات كثيرة وظهرت سياسات انفتاحية في دبي وتجارها يملكون جرأة أكثر مما عندنا أو عندكم في المنطقة الشرقية. ويسعدنا أن يزدهر الاقتصاد في كل بلدان الخليج. أنا اعتبر ازدهار دبي ازدهارا للبحرين. وكذلك ازدهار الرياض او جدة أو الدوحة. نأتي لتأثير الأحداث الأخيرة، التي تهدد جيلا كاملا من المتعلمين والمبدعين ذوي القدرات من أهل البحرين بالانتقال إلى مناطق أخرى. وهو جيل تعبت عليه البحرين و 90 بالمائة من المهنيين المصرفيين في دول الخليج بحرينيون وكذلك المهنيون في العلاقات العامة والأعمال، يجدون فرصا في بلدان الخليج الأخرى لا يجدونها الآن في البحرين نظراً لمغادرة بعض الشركات.. أكبر خسارة أن تخسر بلادنا، بسبب الأحداث، جيلاً أو جيلين من المؤهلين.

معلومات خاطئة

يلاحظ أن بعض المسئولين الأمريكيين يدلون بتصريحات غير مريحة حول الأوضاع في البحرين.. هل ذلك للاستهلاك المحلي أم لغايات أخرى؟

ـ مع الأسف كثير من هذه التصريحات تبنى على معلومات خاطئة، وبالمناسبة كل من عنده مشاكل يتحدث عن معلومات خاطئة لدى الآخرين، لكنني أتحدث بثقة عن معلومات فعلاً خاطئة عن البحرين لدى الآخرين، سأعطي أمثلة أولاً ألصقونا ظلماً بما يجري في بعض دول الربيع العربي، بينما ظروفنا ومعطياتنا تختلف عن ظروف مصر أو تونس أو اليمن أو سوريا. كلنا نعرف أن الأحداث في سوريا نتجت من الوضع الاقتصادي السيئ والبطالة وانعدام الفرص إضافة إلى الفساد.. وإن كانت دول مجلس التعاون عربية مثل العرب الآخرين، لكن عندنا الظروف التي أدت ثورات غير موجودة لدينا، لأنه توجد تنمية بشرية تضع دول المجلس في مصاف الدول الأوروبية، وتلاحظ في تقرير التنمية البشرية أن دول مجلس التعاون تتوسط الدول الأوروبية وجنوب شرق آسيا. وكيف تنشر المعلومة المغلوطة.. هناك من قال للرئيس الأمريكي إن البحرين ضربت المتظاهرين بطائرات أباتشي، ولا حقاً يصحح له مستشاروه أن المعلومات التي وصلت إليه خاطئة. وغير المقبول أن تنقل الأخبار من هنا وهناك والتسليم بصحتها.

وايضاً أمر جلالة الملك حمد بتشكيل لجنة تقصي الحقائق..

ـ لجنة تقصي الحقائق افادتنا بأنها منعت الكذب والمبالغات ومنعت تضخيم أرقام القتلى من 35 إلى 350 أو ثلاثة آلاف شخص. وهناك من الصحفيين من نشر أن الجثث تنقل بأكياس إلى المملكة العربية السعودية..!. شيء لا يصدق.. هذا ما تفعله المعلومات المغلوطة، وجعلت بعض الدول تدين أو تبدي قلقها.. ولكن بعد أن تواصلنا معهم، وأحضرنا خبراء منهم للرؤية على الطبيعة ومشاهدة الحقائق بدأت الأمور معهم تعود إلى طبيعتها.

التعامل مع بلدان «الربيع»

البحرين سوف تقود العمل الخليجي في السنة القادمة، فما هي الرؤية للأوضاع العربية.. الربيع العربي يبدو وكأنه يتحول إلى شتاءات ؟.

ـ كل ربيع يصير خريفاً وكل خريف يصير شتاء.. كل دولة لديها ظروفها.. ولماذا يختص بالعرب، ألا توجد دول أخرى غير عربية تعاني شعوبها من الويل.. ألا يوجد «نوروز»..

ثار ربيع هناك.. ولكن تم قمعه وإجهاضه..

ـ هذه شعوب.. كل له تطلعات.. تتفق الشعوب على مطلب الحرية والمشاركة والفرص للجميع والحياة الكريمة وسيادة القانون.. توجد دول قطعت شوطاً في هذا المجال.. ودول لم تفعل شيئاً، وتوجد أنظمة تجثم على صدور شعوبها... هذا يعني أن الربيع يجب ألا تكون له هوية عربية فقط .. أما كيفية التعامل معه، فهذا تحول حقيقي في المنطقة ويجب استيعابه ويجب العمل مع القيادات الجديدة، ويجب ضمان ألا تسيطر القوى المتطرفة على هذه الدول وتأخذها إلى الطريق الخطأ. لأن في المنطقة العربية لاعبين حقيقيين جيدين، ولاعبين حقيقيين سيئين، ويجب منع اللاعب السيئ من السيطرة على هذه الدول في فترة تحولاتها. فالأمة تكون في أضعف حالاتها في فترة التحول وتصبح أبواب البلد مشرعة مما يسمح بدخول الهوام والحشرات وكل الأخطار..

ويختطفون البلد..

ـ يختطفون البلد.. وهذا ما يجب أن ننتبه له.. ونعين إخواننا في الدول التي شهدت تحولات.

هل تلمح إلى أن الإخوان المسلمين قد يختطفون بلدان التحول..

ـ لا أقصد أحدا.. أرجوك لا أقصد أحدا.. لأن في كل بلد يوجد تنوع فكري، إن وصلوا إلى سدة الحكم، فليعطوا فرصة وليثبتوا مهاراتهم .. شعوبهم هي التي تقرر نجاحهم أو فشلهم.. وليس من العدل أن نخص فئة بعينها بالنقد.

العراق مستباح

العراق بلد مجاور ومهم.. ما الرسالة الخليجية للقوى النافذة في العراق..؟

ـ رسالتان.. الأولى : أننا جيرانكم وأشقاؤكم ولا نود لكم إلا الخير.. والرسالة الثانية: نرى العراق بلداً مستباحاً من قبل جيران (إيران) ويلعبون فيه ليلا نهاراً، بما يؤثر على استقراره، بما يؤدي إلى تقسيمه اجتماعياً وسياسياً وهذا يؤثر على استقرار دول المنطقة.. رسالتنا واضحة إلى العراقيين: إن كان لكم شريك فهو إخوانكم العرب في مجلس التعاون.. فالعراق دولة عربية وشعبها عربي ويتمتع بالأنفة وعزة نفس شهيرة، ولا يرضى التدخل بشئونه، لكن العراق يمر بظرف صعب، إذ خرج من فترة حكم ديكتاتوري طويلة اضر بالتركيبة السياسية في العراق وأدخل العراق في نفق مظلم، ثم جاء الاحتلال وبعد الاحتلال جاءت محاصصة، على الرغم من أن الاحتلال لم ينته. في قناعتي إن خرج الاحتلال الأمريكي، فلا يزال توجد احتلالات.. يؤسفنا أن العراق الأبي السيد على نفسه مستباح اليوم. والأمل في رجال العراق.. ولا نعول على فئة في العراق، وليست المسألة شيعة وسنة، بل إن أغلبية شيعة العراق يقفون مع إخوانهم مواطني دول مجلس التعاون،

إذا كان الاحتلال لم ينته، فهذه الاستباحة تحدث برغبة أمريكية؟

ـ سواء برغبة أمريكية أو رغبة إيرانية.. العراق ليس قادراً على اتخاذ قرار مستقل.. هناك من يتدخل كثيراً في شئون العراق وهذا لا يريحنا. نود العمل مع العراق شريكاً حقيقياً.. وقبل ذلك العراقيون إخوان وأشقاء.

سوريا.. مستقبل غامض

تبدو سوريا تتقدم الآن إلى مستقبل غامض.. ما مسئولية مجلس التعاون وماذا يتعين عليه أن يتصرف؟

ـ الأخطار التي تهددنا من سوريا لن تقف بسقوط النظام السوري.. ولا نعلم عما إذا كان وريث النظام سوف يتمكن من السيطرة على البلاد.. ولا نعلم ماذا سوف يتصرف حلفاء النظام، إذا ما تأكدوا من سقوط النظام، هل سيخلقون مدخلاً آخر.

أليس لدى مجلس التعاون خطة.. للتعامل مع المستقبل؟

ـ مجلس التعاون في هذا الموضوع جزء من الجامعة العربية.

لكن المجلس اتخذ خطوات متقدمة عن الجامعة ؟

ـ كل ما اتخذ ضمن مقررات الجامعة العربية.. لم يعقد مجلس التعاون أي اجتماع يتعلق بسوريا..

لكن المجلس قادر على العمل..

ـ قادر، لكننا ضمن التوجه العربي.. والقضية عربية تبحث في الجامعة العربية، وليست مماثلة لما حدث في اليمن.

تويتر

فيما يتعلق التواصل الاجتماعي.. سبق أن غردت بمقطع شعري لخالد الفيصل.. يقول: كل ما قلت هانت جد علم جديد /إن حكينا ندمنا وإن سكتنا قهر.. ما هي «العلوم» التي تسبب ندماً أو قهراً؟

ـ في الحقيقة، إذا تكلمنا داخليا.. كلما توصلنا إلى أن تستقر الأمور يحدث اعتداء على رجال الأمن، على الرغم من كل مبادرات جلالة الملك.. ويصبح المرء حذراً كي لا يقول كلاماً يثير شقاقا.. وإن حكيت يمكن أن يفهم الكلام غلط. أما عن الدول، فإننا نتعامل بأسلوب دبلوماسي وحسن الجوار وأخوي ولا نرى منهم موقفاً مماثلاً.. وهذا المقطع يعكس شعوراً بهذا الاتجاه..

هل تقرض الشعر..؟

ـ ليست بشاعر.. جدي رحمه الله كان شاعراً، لكني استمتعت بالشعر...

لديك 121 ألف متابع في «تويتر».. حتما، بينهم أحباء وموالون ومراقبون ومعادون.. كم تتوقع نسبة المعادين بين هؤلاء المتابعين؟

ـ لا أعلم.. لكن الحقيقة لا تهمني هذه التقسيمة، وأتوقع أن المحبين والمساندين هم الأغلبية، خصوصاً من مواطني دول مجلس التعاون، وخصوصاً من المملكة العربية السعودية. وتويتر وسيلة تواصل جيدة على الرغم من بعض البذاءات. وأنا لست معاديا لأحد، وفي كل المواقف اتخذ خطأ مسئولاً ووسطياً بلا عنصرية ولا عدوانية، فأنا مرتاح بالتواصل مع الناس.

رسالة لمواطني الخليج

أخيراً.. ما رسالتك لمواطني دول الخليج.؟

ـ أقول لمواطني دول مجلس التعاون إن الوحدة الخليجية هي مطلبكم الأساسي ومبادرة خادم الحرمين الشريفين وتجاوب قادة المجلس مع هذه المبادرة يجعل الوحدة حقيقة حتمية ستتحقق.

متى.. خلال سنة سنتين أو أكثر؟

ـ لو سألتني سابقاً سأقول لك لا أعلم. ولكن اليوم أقول لك إن ما نحققه في سنتين لم نكن نستطيع تحقيقه في عشر سنوات.