العدد 3772 - الخميس 03 يناير 2013م الموافق 20 صفر 1434هـ

الشباب العربي والأمل الذي فتح للشعوب آفاقاً رحبة

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

لاشك أن شباب الألفية الثالثة، يختلفون كثيراً عن أقرانهم الشباب الذين عاشوا في الألفية الماضية، فقد عاش شباب تلك القرون وسط شح كبير في مصادر المعرفة، فكانوا يجدون صعوبة بالغة في الحصول على المعلومة، لعدم وجود الوسائل الحديثة كالتي تتوافر بكثرة وتنوع لشباب هذا العصر. وقد توافرت لشباب اليوم مختلف التقنيات الدقيقة والاتصالات الحديثة والأدوات التكنولوجية المتطورة جدّاً، والشبكات العنكبوتية التي تغذيهم بمعلومات كثيرة جدّاً في مختلف التخصصات العلمية والسياسية والاقتصادية. فلم يطرأ سؤال في أذهانهم إلا ويجدون في الشبكة جواباً شافياً ووافياً. وأصبحوا أمام عالم واسع يعج بالمعلومات والمعارف الفكرية والثقافية.

ما هو بمتناول الشباب العربي اليوم لم يكن متوافراً ولو بالحد الأدنى لشباب الأمس البعيد والقريب، فلهذا تمكن شباب هذا العصر من أن يتعرفوا على مختلف المعلومات والمعارف والاتجاهات والتيارات، وجعلهم يطلعون على آخر المستجدات السياسية والفكرية في ثوانٍ معدودة، وأصبح باستطاعتهم التواصل مع أبعد نقطة في العالم والدخول في حوارات ونقاشات مع أفراد ومجموعات من مختلف الدول، ليتبادلوا الأفكار والخبرات المتنوعة معهم وهم جالسون في بيوتهم.

ورأينا ماذا فعل شباب الإنترنت في العالم العربي، فهم الذين زلزلوا الأنظمة في بلدان الربيع العربي، ولم يعد شباب عصر الوعي والثقافة والإنترنت يتقبلون فكرة العودة إلى الوراء، ولن يقبلوا أن تكون مواقعهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والفكرية والحقوقية كمواقع شباب القرون السالفة.

لاشك أن ما حققه شباب الربيع العربي من انتصارات باهرة على أنظمتها المدججة بالأسلحة الفتاكة؛ فتح شهية بقية الشباب العربي من المحيط إلى الخليج لاستخدام أحدث التقنيات والتكنولوجيا في تغيير واقعهم ليتناسب مع طموحاتهم السياسية والعلمية، وهم يعلمون أنهم يشكلون أكثر من نصف مجتمعاتهم. وقد أثبتوا بالفعل أنهم قادرون على تحريك مجتمعاتهم بقوة تجاه أنظمتها السياسية، وأثبتوا أن سكوتهم طوال السنوات الماضية لم يكن ضعفاً، فالطاقات الشبابية في عالمنا العربي لم تأخذ نصيبها من الاهتمام والرعاية، على رغم حجمها الكبير، فلهذا تراكمت وتزاحمت في أذهانهم الكثير من الأفكار التي تدعوهم إلى المطالبة بحقوقهم التي أقرتها المنظمات الدولية الحقوقية، فلمَّا ضاقت بهم الأرض بما رحبت، وزاد عدد العاطلين منهم بصورة مخيفة، ولمَّا وجدوا أنفسهم مهمشين في الحياة السياسية، والقوانين التي تنصفهم وتحقق أحلامهم وطموحاتهم معطلة تماماً، والفساد والإفساد متفشيين في كل مفاصل الوزارات الحكومية دون حسيب ولا رقيب... لم يجدوا سبيلاً لتغيير أوضاعهم وأوضاع شعوبهم المأساوية إلا التحرك بصورة واسعة تجاه التغيير.

إن كل الشباب في الوطن العربي يشترك في مطالباته بالعزة والكرامة والعدل والإنصاف والمساواة وعدم التمييز بين المواطنين، وأن تكون الشعوب مصدر السلطات، وأن يكون هناك فصل حقيقي بين السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وأن تكون الحكومات منبثقة من إرادة الشعوب، وأن يكون للبرلمانات كامل الصلاحية في الرقابة والتشريع، وأن يتم تطبيق مفهوم المواطنة الحقيقية، وأن يعمل بين المواطنين بمبدأ تكافؤ الفرص، وأن يكفلوا للناس والصحافة حرية التعبير، ويوظّف الإعلام بكل أنواعه لصالح الوطن والمواطن.

لم تكن الأنظمة السياسية في بلدان الربيع العربي تتوقع ما حدث لها في يوم من الأيام؛ فلهذا لم تتمكن من استيعابها حتى فات الوقت عليها، لأنها كانت بعيدةً جدّاً عن طموحات وتطلعات وآمال وأمنيات شبابها وشعوبها. وكانت تتعامل مع الشباب على أنهم مازالوا صغاراً ليست لهم طموحات غير اللعب واللهو. وكانت تنظر إلى شعوبها بدونية شديدة، فلما وقع الفأس في الرأس وفقدوا السيطرة على إصرار الشباب الذين انضم إليهم مختلف فئات وأطياف وشرائح الشعب، بدلاً من أن تستمع تلك الأنظمة إليهم وتصغي إلى مطالبهم المشروعة، أخذت تقمعهم بكل الوسائل المتاحة لديها، وأصرت على كبتهم وتكميم أفواههم والالتفاف على مطالبهم المشروعة، ونعتهم بنعوت ما أنزل الله بها من سلطان في إعلامها وصحفها وإذاعاتها.

إن ذلك النهج السلبي من ثورات الشباب المتصاعدة؛ لم يخلص الأنظمة من أزماتها، فقد فشلت فشلاً ذريعاً في إنقاذ نفسها ما أدى إلى انهيارها في وقت وجيز جدّاً. وهذا ما رأيناه في تونس ومصر وليبيا واليمن، فلو حاولت تلك الأنظمة تفهم المطالب الشعبية التي رفعها شبابها، ولو كانت حريصةً على تنمية شعوبها اقتصاديّاً وسياسيّاً واجتماعيّاً، ولو كانت قريبة نفسيّاً ومعنويّاً من شعوبها، لما حدث لها ما حدث. لكن عدم إيمانها بطموحات شبابها وشعوبها، والتعامل معهم بالعنف والشدة المفرطة، جعل الشباب يصرون أكثر من السابق على سلمية حركتهم وعلى التغيير السياسي الحقيقي، وتحوّلوا كالبركان الذي جاء موعد فورانه الملتهب، ليكون سبباً لإخراج كل ما فيها من كنوز نفيسة لم تفكر الأنظمة في إخراجها والاستفادة منها.

إننا نتمنى أن يأخذ الشباب العربي والإسلامي، سبيله للمساهمة بفعالية في تنمية وتطوير بلدانهم، وأن يكون مستقبلهم أفضل من ماضيهم وحاضرهم، وأن تتحقق لهم جميع طموحاتهم الوطنية.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 3772 - الخميس 03 يناير 2013م الموافق 20 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً