العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ

الحقوقيون تحت الملاحقة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من أهم ما شهده الحراك السياسي في الربيع العربي، بروز حركة حقوقية نشيطة رافقته من الأيام الأولى.

كان الدور الذي لعبه الحقوقيون العرب كبيراً، ومتجاوزاً لعقود من العمل السياسي التقليدي. فقد كان الأداء السياسي فيما مضى ينحصر بين الأنظمة والحركات السياسية المعارضة التي تمثل النخبة، قومية أو يسارية أو إسلامية، وكانت تنتهي هذه الحركات بالتصفية والسجن والملاحقات حتى أصبح العرب من أكثر الشعوب في الأرض تعرضاً للنفي.

الحراك الجديد اعتمد أسلوب المعارضة السلمية، استفادة من تجارب الشعوب الأخرى، فأحرج بذلك الأنظمة، التي بوغتت بأسلوب غير مألوف، وهو ما يفسر الإرباك والتخبط الذي سيطر على سياساتها لفترةٍ طويلةٍ.

تزامن مع ذلك الدور الذي لعبته الحركة الحقوقية التي بنت نفسها خلال العقد الماضي، وقاومت أساليب الإقصاء والاستعداء والتشويه المبرمج باتهامها الدائم بالتسييس. مع أن التجربة التاريخية تشير إلى ارتباط الحركتين السياسية والحقوقية بصورةٍ وثيقةٍ لا انفصام لها، في مختلف تجارب الشعوب، وبالخصوص في الهند وجنوب إفريقيا، اللتين قاد حركتيهما محاميان (المهاتما غاندي ونلسون مانديلا). بل إن حركة النضال ضد بقايا السياسات العنصرية في الولايات المتحدة التي استمرت حتى الستينات، قادتها «حركة الحقوق المدنية». وهي حركةٌ إنسانيةٌ شاملةٌ، شارك فيها ناشطون سياسيون وحقوقيون ومحامون ورجال دين وصحافيون وكتّاب وطلاب. ولم يتهمهم أحدٌ بالتسييس وما شابه من خزعبلات كالتي تُكتب وتُنشر من قبل الجيوب المحتقنة عنصرياً في بلداننا المتخلفة في مجال احترام حقوق الإنسان.

في الربيع العربي، شهدنا بروز الحركة الحقوقية العربية، في موازاة الحراك السياسي المطالب بالحرية والخبز واسترجاع الكرامة. وما كان للحراك العربي أن يكون له هذا الدويّ لولا تطور وسائل الاتصال الحديثة، ووجود نخبة من الحقوقيين المهنيين الذين رهنوا أنفسهم لأداء مهمةٍ نبيلةٍ في هذه الحقبة من التاريخ العربي.

الاستباحات والانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية كانت كبيرة في العقود الماضية، وكان ألف ضحية يسقط في السجون والمعتقلات دون أن يسمع بهم أحد، إلا من القلة المهتمة بالسياسة والمتّهمة بالتدخل فيها. وكان ألف خالد سعيد قُتل على أيدي رجال المخابرات، وكُسرت أسنانه وشُوّه وجهه، لكن لم يكن هناك كاميرا تصوّر، ولا حركة حقوقية ترصد، فكان الضحية يُدفن ليلاً، بعلم أهله أحياناً، وبدون علمهم أحياناً أخرى.

آلاف الضحايا العرب تعرضوا لإعاقات سمعية وبصرية وحركية وهم في المعتقلات، وكثير منهم خرجوا بإعاقات نفسية واضطرابات ذهنية، لم يسمع عنهم أو يشعر بهم غير عوائلهم وأهلهم المقرّبين. الآن الوضع تغير. لقد أصبحت هناك حركةٌ عربيةٌ نشيطةٌ لرصد وتوثيق كل انتهاكٍ وجريمةٍ وتجاوزٍ لحقوق الإنسان. لم يعد العربي مخلوقاً رخيصاً يستباح دمه في مسالخ الأنظمة... فقد أصبح هناك من يرصد ويوثّق ويتابع ويسهر، ممن وهبوا أنفسهم لأداء هذه المهمة الإنسانية النبيلة المناهضة هذه الحرب الجنونية، التي تُستباح فيها الدماء والأعراض والأموال وحرمات المنازل وأماكن العبادة والكرامات.

من هنا، إذا كان العام 2011 عام صعود الحركة الحقوقية العربية، فإن العام 2012 كان عام محاولة محاصرتها ووأدها ومعاقبتها بشدةٍ، سجناً، وتعذيباً، وتلفيقاً للتهم، وعزلاً لهذه الشموع عن العالم القريب والبعيد.

هذه النخب انتهت جميعاً لتحقيق أهدافها، بعد عقودٍ من الاضطهاد والسجن والملاحقات والصبر المرير، لأنها ببساطةٍ وقفت إلى الجانب الصحيح من التاريخ... وانحازت إلى قضية الإنسان.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 1:39 م

      ونعم التشبية

      هل الذين تسميهم حقوقين عندنا في قامة غاندي و نيلسون مانديلا و الله انك ظلمات هذة الشخصيات راجع نفسك و اقراء تاريخ غاندي و نيلسون مانديلا يمكن ضميرك يصحة الحمد لله علي نعمة العقل

    • زائر 10 | 3:14 ص

      انهم انتصروا للكرامة وحرية الانسان.

      دروس وعبر، ولكن من يستفيد؟ كلهم انتصروا لأانهم ببساطة انتصروا للانسان وقضية كرامته وحريته.

    • زائر 9 | 3:12 ص

      نور الشمع ليس كما الشمس لكن ففي دمع بدون همس

      قد تكون السياسة معدلة ومبذلة وقد تكون من السياسات الغير معروفة وهي سياسة بلا حسد وبلا حصد. فقد لا يكون الفساد فيها مستشري الا من الحساد، وقد ازداد ولم يختلف عن ما كا قي قديم الزمان، لأنه بلا معادلة ولا مشكلة وأصبحت المعاملة بلا مسألة ولا مسائلة. فهل دار بنا الزمان وأصبح الإنسان لا إنسان بلا ذمة ولا ضمير وإنسان بلا حيوان. فذات بلا مروءة وكرامته مطروحة أرضا، بلا سلام ولا كلام.
      فأين تحية الإسلام في هذا الظلام؟

    • زائر 8 | 2:29 ص

      نبيل رجب ويوسف المحافضه وزينب الخواجه

      شكراً لتضحيات الحقوقيين ونطالب بالافراج عنهم فوراً، مايعمله الشعب لتحريرهم لايساوي شعره من مافعلوه للشعب، اطالب الشعب بالضغط على النضام للإفراج عنهم

    • زائر 7 | 2:15 ص

      الحقوقيون , الرموز , الاطباء, المعلمين , الموظفين والعمال , وكل من يتحرك في الشارع تحت الملاحقة

      اغلبية الشعب ملاحق لانه يطالب بحقوقه وبطالب بمحاسبة المجرمين هادمين المساجد قاتلين الانفس البريئة .

    • زائر 6 | 1:51 ص

      احسنت على وففتك الشجاعة

      وبورك لقلمك المعبر عن الام الناس كل الناس و متى نرى انتصار القيم النبيلة في مجتمعنا بعد ماديست دوس الدواب فوق الحشيش

    • زائر 5 | 1:21 ص

      وقفة شكر

      اقف وقفة شكر لجميع من ضحوا ولو بالقليل في سبيل ماقدمه المضحون من تضحيات واخص الرموز ونبيل الشعب والمحافظة والوفاق وكل حر شريف

    • زائر 3 | 12:10 ص

      هذه هي الخلاصة فمن يتعظ؟؟؟؟؟؟

      هذه النخب انتهت جميعاً لتحقيق أهدافها، بعد عقودٍ من الاضطهاد والسجن والملاحقات والصبر المرير، لأنها ببساطةٍ وقفت إلى الجانب الصحيح من التاريخ... وانحازت إلى قضية الإنسان.

    • زائر 2 | 12:05 ص

      النبلاء

      ذكرتنا بنبيل رجب ويوسف المحافظة وعائلة الخواجة. جهودهم مشكورة عند الله والناس.

    • زائر 1 | 11:34 م

      مقال جيد وملموس يا سيد

      ولا زال الطريق شاقاً ووعراً وشائكاً وطويلاً لبلوغ نقطة النهاية والتي أوشكت أن تكون في متناول اليد

اقرأ ايضاً