العدد 3776 - الإثنين 07 يناير 2013م الموافق 24 صفر 1434هـ

سنتان بعد ثورة 14 يناير... المد السلفي والإعلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

سألني أحد الأصدقاء من القراء الأعزاء: «لِمَ توقّفت عن الكتابة في موضوع الثورات العربية، تونس والإخفاقات والإنجازات؟» وحُقَّ له السؤال. سؤال بقدر ما سرّني، فإنه حمّلني المسئولية أكثر فأكثر، ذلك أن الكتابة على أرض متحركة ليست من السهولة بحيث يتصدّى لها المرء بشكل متواتر، حيث يحتاج المتابع إلى وقفات تأمّل لينظر بعين الرويّة، وبعد سنتين من نجاح الثورة التونسية، يمكن ملاحظة بعض الأمور والتعليق عليها سواء عظم شأنها أم صغر.

نعم هما أمران لافتان: الإعلام والمدّ السلفيّ؛ لا يعني ذلك أنهما الأبرز والأهمّ ولكنهما في رأيي، المنعرج بعد الثورة في المشهد التونسيّ. ونهتمّ في هذا المقال بالظاهرة السلفية، ونخصّ الإعلام بمقال قادم.

لئن كانت السلفية، بما هي رؤية وتصور للحياة والدين، قديمة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ الإسلامي، فإنّ التعامل معها أخذ أوجهاً مختلفة من فترة إلى أخرى، ومن شخص إلى آخر، ومن تيار إلى تيار مخالف ومن دولة إلى غيرها.

وليس المجال هنا استقصاء هذه الآراء أو الانطباعات عن الظاهرة السلفية، وإنما الغاية رصد التحوّلات الأخيرة في التعامل معها خصوصاً في تونس بعد الثورة.

بادئ ذي بدء، يعتزّ كل مسلم منّا أن يكون مقتدياً بالسلف الصالح، في أخلاقهم وسلوكهم وتقواهم وتعاملاتهم. لكن المصطلح ارتبط - وخصوصاً في أيامنا هذه - بالجماعات الإسلامية ذات الفكر المتشدد، والتي قد تجنح أحياناً إلى العنف لتغيير المنكر أو إحلال الحق والمعروف محل الباطل.

وهذا العنف تتصوره بعض الجماعات السلفية في ثوب «جهاد»، وهو - كما يراه المنظّرون والمؤصّلون لهذا الفكر - فريضة غائبة.

ودون الدخول في المساجلات الفقهية والحِجاجية، تؤكد معظم الحركات السلفية الجهادية أنها لا ترى ديار المسلمين اليوم، ديار كفر ينبغي جهاد أهلها بعد أن يُستتابوا، رغم أن هذه الفكرة نادى بها بعض السابقين واللاحقين منهم.

لقد برز التيار السلفي في تونس بشكل لافت جداً في العقدين الأخيرين، ورغم كونه اكتسى طابعاً دعوياً توعوياً وعظيّاً، فإنه لقي مقاومة من الأنظمة السابقة، ووصل الأمر في فترات إلى حدّ التصادم مع السلطة، لكن لا تخلو علاقة هذا التيار مع السلطة، في بعض مسمياته المحلية، من محطات اطمئنان؛ فمثلاً نظام الرئيس التونسي المخلوع اطمأنّ نوعاً ما إلى جماعة الدعوة والتبليغ، فتركهم ينشطون على مرأى ومسمع الناس، في المساجد والأسواق، أفراداً وجماعات. لكن لا يعني ذلك أن كل أعضاء التنظيم السلفي سلموا من المتابعات؛ فالوجه الآخر للتعامل مع التيار السلفي هو المعاملة الأمنية، حيث ضيّقت أجهزة المخابرات على بعضهم وذاقوا منها الويلات، واضطر بعضهم إلى الهروب، بينما قضى غيرهم تحت التعذيب.

أما بعد الثورة فقد وجد السلفيّون في تونس، كغيرهم، مهاداً ملائماً للنشاط الواسع بالأشكال التقليدية، وكذلك بشكلين جديدين هما الانتظام والانفراط: الانتظام الحزبي القانوني من خلال المساهمة في الحياة السياسية وبعث الجمعيات المدنية وغالباً ما يكون ذلك من طرف ما يعرف بالسلفية العلمية. أما الفئة الثانية من السلفيين فإنّها رفضت الانتظام، وكانت مثار انتباه المجتمع من خلال بعض الأعمال التي اختلف حولها الرأي العام في تونس، ولعلّ أبرز هذه الأعمال: استقبال دعاة من المشرق والمغرب بأموال طائلة طرحت أكثر من سؤال حول مصدرها ومن يقف وراء تمويلهم، إضافة إلى ما صار يعرف بقضية العلم الوطني في كلية الآداب بمنوبة، حيث تمّ إنزاله واستبداله براية سوداء ترمز إلى السلفية المتشددة. فضلاً عن ذلك لوحظت تلك المحاولات المتكررة للسيطرة على تسيير المساجد وتغيير الخطباء والأئمة، زد على ذلك أحداث السفارة الأميركية.

أمّا ما استراب منه المواطنون أكثر فأكثر في تونس، فهو ممارسة العنف على الأفراد والمؤسسات بحجة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

بيد أن هذه الظواهر لا تعني أنّ المجتمع التونسي يرفض هؤلاء، بل بالعكس، يكاد يُجمِع معارضوهم قبل المتعاطفين معهم على أن الشباب السلفي هو قطعة من النسيج الاجتماعي التونسي ولابد من الحوار معهم ومحاولة فهم مقدماتهم.

وهذا ليس بغريب على المجتمع التونسي الذي عرف التعايش والتسامح؛ ذلك أنهم يرون من هؤلاء الشباب السلفيين أعمالاً اجتماعية خيرية وطوعية ربما تفوق انتظارات البعض أحياناً ما يدفع الباحثين والمفكرين إلى مزيد من البحث في الظاهرة بحثاً علمياً عميقاً لاستيعاب هذه الطاقات وحسن استثمارها في مرحلة البناء التي تُقدم عليها البلاد.

إن موضوع السلفية لا يكفيه مقال واحد ولا كتاب واحد، وإنما يحتاج إلى دراسات متخصصة لجسر الفجوة بين هذا العضو وسائر أعضاء الجسد في بلد لايزال في مرحلة تشكيل كيانات سياسية وإيديولوجية، منها الجديد وكثير منها قديم اصطبغ بلون الثورة ويسعى إلى أن يكون له مكان فعال.

لكن الجميع، وإن اختلفوا، فهم متفقون على ضرورة المحافظة على اللحمة والتماسك داخل المجتمع والابتعاد عن التصنيف الإقصائي؛ ذلك أنّ كل الأشكال الفكرية والسلوكية التي برزت على السطح، بعد الثورة، هي نتاج طبيعي لنصف قرن من سياسة بورقيبة وظله ابن علي الرئيسين السابقين لتونس.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 3776 - الإثنين 07 يناير 2013م الموافق 24 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 12:17 ص

      تونس التسامح

      طويلا ما عرفت تونس بالتسامح والانفتاح الفكري
      فكيف نشات فئات بهذا التشدد وما الحلول لاستيعابها
      أسئلة فعلا محيرة

    • زائر 9 | 4:32 م

      بعد التحية

      فقد سعدت بقراءة هذا المقال المميز والذي يتأكد لنا فيه مدى تطويعكم للغة العربية وتسخير ها للهام من الأحداث والتطورات بصورة توضح ما التبس من الامور. فشكرا وخالص الدعاء بمزيد التالق

    • زائر 8 | 3:31 م

      سلام شكرا على العودة

      سلام
      شكرا على العودة
      لدى بعض الملاحظات وان كان المقال لا يمكن ان يتسع لمثل هده المواضيع الشائكة والحساسة
      -العودة الى التاريح التونسي هل كانت هناك سلفية
      المرجعية الاخوانية او المرجعية الوهابية
      هل تؤمن السلفية بالثورة والديموقرطية
      هل هناك تصادم مستقبلي بين السلفية والنهضة هل هما فصيل واحد ام المصالح ستفرق بينهما
      من ربح من الخر هل الثورة ام السلفيةهل سلفية عقيدة م>هب ام روح من الشعب
      0

    • زائر 7 | 12:20 م

      عين العقل وأحسن الكلام

      إن موضوع السلفية لا يكفيه مقال واحد ولا كتاب واحد، وإنما يحتاج إلى دراسات متخصصة لجسر الفجوة بين هذا العضو وسائر أعضاء الجسد في بلد لايزال في مرحلة تشكيل كيانات سياسية وإيديولوجية، منها الجديد وكثير منها قديم اصطبغ بلون الثورة ويسعى إلى أن يكون له مكان فعال

    • زائر 5 | 6:07 ص

      يا اخي أين الثورة؟؟

      بالله عليك وين ها الثورة
      ما شفنا كان المشاكل؟؟؟؟

    • زائر 4 | 6:01 ص

      نحن والعالم الغربي

      بارك الله فيك .... أنا ارى ان العالم الغربي اليوم ازداد تكالبه على الاسلام و المسلمين .... و جند رجالا من مختلف الجماعات الاسلامية يتحدثون باسم الاسلام لينشروا الفتن بين المسلمين

    • زائر 3 | 12:55 ص

      التصنيف الإقصائي؛

      قضية بالغة الخطورة
      الكل يصنف
      الكل يقصي
      كل يعظم فكره حزبه ...
      يا ليت شعري ما الصحيح

    • زائر 2 | 12:09 ص

      ودون الدخول في المساجلات الفقهية

      أرى ضروري الدخول فيها لأنه السبيل إلى إقناعهم بضرورة احترام التنوع الثقافي والفكري وأن الحقيقة لا يملكها احد وأن الحقيقة عندك هي خطأ ربما عند غيرك

    • زائر 1 | 11:42 م

      التيار السلفي في تونس

      مهمّ جدا أن نتعرف إلى وضع التيار السلفي في تونس خاصة وان افعلام يقدمه بصور غير موضوعية نظرا لتشوه يد الإعلام مع جهات حزبية معينة

اقرأ ايضاً