العدد 3799 - الأربعاء 30 يناير 2013م الموافق 18 ربيع الاول 1434هـ

مع «إكسون» أو من دونها... أكراد العراق يكافحون للاستقلال في «الطاقة»

منشأة نفطية في كردستان العراق
منشأة نفطية في كردستان العراق

خلف أبواب مكاتبهم المغلقة في الولايات المتحدة يعكف كبار المسئولين التنفيذيين في شركة إكسون موبيل ومحاموها على دراسة مجموعتين من العقود للتوصل إلى قرار قد يغير موازين القوى في العراق. وقد عقد رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأسبوع الماضي اجتماعاً تم ترتيبه على عجل مع الرئيس التنفيذي لـ «إكسون»، ركس تيلرسون في محاولة لاستمالة الشركة الأميركية الكبرى التي بدت عازمة على الانسحاب من حقل غرب القرنة-1 النفطي الذي تبلغ استثماراته 50 مليار دولار والواقع في جنوب البلاد الذي تسيطر عليه بغداد.

ومنذ أن وقعت «إكسون» عقوداً لستة امتيازات مع حكومة إقليم كردستان العام 2011 وضعت الشركة نفسها على أحد أخطر خطوط المواجهة في العراق بين الإقليم الواقع في شمال البلاد والحكومة المركزية التي تقول إنها صاحبة السلطة الوحيدة في منح العقود النفطية والسيطرة على صادرات الخام. وتقول مصادر في الصناعة إن المالكي عرض على تيلرسون حوافز كبيرة للبقاء في الحقول النفطية في جنوب العراق شريطة أن تتخلى الشركة عن أصولها في الإقليم الكردي شبه المستقل.

وقال وزير النفط العراقي عبدالكريم لعيبي يوم الأحد (27 يناير/ كانون الثاني 2013) إن من المنتظر أن تأخذ «إكسون» قراراً نهائياً في غضون الأيام القليلة المقبلة. وسيحدد القرار الاتجاه الذي ستشير إليه بوصلة «إكسون». ورفضت الشركة التعليق بشأن قراراها المنتظر. وقال دبلوماسي أميركي سابق متحدثاً عن احتمال خروج «إكسون» من كردستان والبقاء في الجنوب: «فقدان الهيبة سيكون أمراً جللاً (...) فوجود إكسون هنا يجعل الكفة السياسية متكافئة». وبصفتها أول شركة نفط كبرى تتحدى بغداد حين قررت العمل في الشمال فقد منحت «إكسون» الأكراد انتصاراً في صراعهم مع الحكومة المركزية على استغلال ثروات النفط والغاز في البلاد.

وفتحت خطوة «إكسون» الباب لشركات أخرى مثل توتال وغازبروم نفت الروسية وشيفرون كورب التي أضافت في الآونة الأخيرة امتيازاً ثالثاً إلى محفظتها الكردية وتتطلع إلى عمليات استحواذ أخرى. غير أن ثلاثة من امتيازات «إكسون» تقع في منطقة متنازع عليها بين بغداد والأكراد وعلى خط مواجهة بين الجيش العراقي والقوات الكردية. وتقول مصادر بالصناعة إن تيلرسون عبّر عن مخاوف بشأن الأمن في اجتماع في سويسرا مع رئيس الإقليم الكردي، مسعود البرزاني لكن كردستان قالت في وقت لاحق إن «إكسون» جدّدت التزامها بالعمل في الإقليم. غير أن بغداد تتوقع هي الأخرى أن تقف «إكسون» في صفها. وقال مسئول في وزارة النفط العراقية: «نحن واثقون في أن الشركة لا ترغب في التخلي عن غرب القرنة»، مشيراً إلى أن إنتاج هذا الحقل فقط يتجاوز إجمالي طاقة الإنتاج الحالية لكردستان. وأضاف المسئول الذي طلب عدم كشف هويته لأنه غير مخول بالحديث لوسائل الإعلام «نعتقد أن إكسون ستوقف عملياتها في كردستان وتنتظر لحين التوصل إلى حل لكل المشكلات المعلقة». وتعطل تشريع جديد لتنظيم رابع أكبر احتياطيات نفطية في العالم لعدة سنوات بسبب صراع على كيفية اقتسام السلطة بين السنة والشيعة والأكراد في العراق زادت حدّته منذ انسحاب القوات الأميركية قبل عام.

ويقول الأكراد إن حقهم في تحديد سياستهم النفطية الخاصة مكفول في الدستور الاتحادي لكن بغداد تقول إن العقود التي يوقعها الإقليم غير قانونية وحظرت التعامل مع بعض الشركات العاملة في الإقليم. وكانت شركات نفطية عالمية مستعدة لتحمل هذه المخاطرة في مقابل ما تقدمه كردستان من شروط تعاقد أفضل وأمن ومناخ عمل أكثر سهولة مقارنة بالبيروقراطية واختناقات البنية التحتية التي تعوق مشروعات النفط في بقية أنحاء العراق. وإذا أرادت بغداد إبعاد «إكسون» عن الشمال فعليها أن تعدها بشروط مواتية لكن محللين ومصادر بالصناعة يشكون في قدرة المالكي على تقديم تلك الشروط ويقولون إن قيامه بذلك سيكون خطأ. وقال مسئول تنفيذي كبير في شركة نفطية «إذا اختاروا بغداد فأنا متأكد من أنهم (إكسون) سيريدون شروطا محسنة (...) لكن إذا حصلوا على شروط محسنة سيطالب آخرون بالمثل». بل إن بعض المصادر في الصناعة أشارت إلى أن هذا ربما كان جزءاً من حسابات «إكسون» منذ البداية؛ أي أنها رأت أن تحديها لبغداد قد يمكنها في نهاية الأمر من استخدام عقودها الكردية كرافعة لانتزاع تنازلات في الجنوب.

وعلى رغم أن انسحاب «إكسون» من كردستان من شأنه أن يسبب حرجاً للإقليم إلا أن خبراء يقولون إن هذه الخطوة لن تؤدي إلى إبطاء جهود كردستان للحصول على مزيد من الاستقلال عن بغداد في مجال الطاقة. وقال مصدر في الصناعة: «إكسون غيرت قواعد اللعبة آنذاك لكن الأمور تطورت منذ ذلك الحين». فهناك الآن شركات كبرى أخرى تنتظر الفوز بامتيازات في المنطقة التي توصف بأنها من آخر المناطق البرية للتنقيب عن النفط ومن غير المتوقع أن تفقد تلك الشركات عزمها. ويكمن التحدي الحقيقي في إيجاد سبل جديدة لبيع النفط الكردي الذي يتم نقله إلى الأسواق العالمية حتى الآن من خلال خط أنابيب تسيطر عليه بغداد يمتد من كركوك إلى ميناء جيهان التركي. لكن الصادرات الكردية عبر هذه القناة توقفت في ديسمبر/ كانون الأول بعد أن بلغت ذروة عند نحو 200 ألف برميل يومياً نتيجة لنزاع مع بغداد بشأن المدفوعات. ولأن الأكراد سئموا الانتظار فقد بدءوا الالتفاف حول شبكة خطوط الأنابيب الاتحادية ونقل كميات صغيرة من الخام بالشاحنات عبر الحدود التركية مقابل الحصول على منتجات مكررة. وهذه التجارة صغيرة لكن لها مدلولاً.

وقال مصدر في الصناعة: «فيما يتعلق بالنفط والغاز هذه نقطة اللاعودة (...) من الآن فصاعدا لن يوافق الأكراد على سياسة مركزية للنفط والغاز. وستفعل أقاليم أخرى الأمر نفسه». وتلجأ كردستان إلى تركيا بحثاً عن حلول. فهناك شراكة واسعة تتشكل بينهما في قطاع الطاقة منذ العام الماضي. وقال مصدر دبلوماسي مطلع على المفاوضات: «سيكون هذا اتفاقاً مدوياً. هذه هي السبيل الوحيدة لعمل ذلك (...) أن يشمل كل شيء في نفس الوقت».

العدد 3799 - الأربعاء 30 يناير 2013م الموافق 18 ربيع الاول 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً