العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ

كيف ولماذا وافق أكثرية الشعب على ميثاق العمل الوطني

سألني مراسل "الوطن" الكويتية عن رأي المعارضة البحرينية في الاستفتاء الذي جري منتصف فبراير 2001، وقد أجنبته بانه ومن الناحية المبدأية تؤمن أطراف المعارضة البحرينية بأن السيادة للشعب، ورأيه يصبح ملزما للجميع. والاستفتاء الذي جرى في 14 و 15 فبراير 2001 سبقته أحداث كثيرة نزولا وصعودا ولذا لابد من التطرق إلى تلك الاحداث وكيف تطور موقفنا منها.

في نهاية نوفمبر 2000 أصدر الامير مرسوما ذكر فيه عزمه تعيين لجنة من 46 شخص لمناقشة وطرح ميثاق عمل وطني وأن هذه اللجنة المعينة سوف تعرض ما توصلت إليه على مؤتمر شعبي يعينه الامير، وبعد ذلك سيصدر الامير مرسوما لتعديل الدستور. وكان موقف المعارضة الرفض لأن اللجنة المعينة والمؤتمر المعين لن يمثلا الشعب. إلا أن الحكومة شرعت في تعيين اللجنة التي اجتمعت لمدة ثلاثة أسابيع فقط ابتداء من 2 ديسمبر وانتهاء بـ 23 ديسمبر 2000. وبعد الاجتماع الاول والثاني انسحب أربعة من أعضاء بعد أن اطلعوا على مسودة الميثاق الوطني المعد مسبقا والتي احتوت على ديباجة خاطئة جملا وتفصيلا عندما تطرقت لتاريخ البحرين وتطوره السياسي والاجتماعي.

والحكومة أصرت على سرية اجتماعات تلك اللجنة ومنعت الندوات ولم تسمح لاحد بأن يتناول ما هو مطروح خارج الدائرة المغلقة ولذا كان موقف المعارضة شديدا من ناحية الرفض. وقمنا بتوزيع المسودة الاولى من الميثاق ليطلع عليها الشعب. وقد استغرب كل من اطلع على تلك المسودة وكان التشاؤم هو سيد الموقف في الداخل والخارج، وذلك للاسباب التالية:

(1) التاريخ المذكور خاطئ وليس له أي توثيق علمي ودوافعه سياسية معروفة.
(2) الميثاق لم يأت بأي حق إضافي على ما هو وارد في دستور البلاد، رغم أنه طرح نفسه على أساس تحديث الدستور.
(3) الميثاق يدعو لتحويل البحرين من إمارة إلى مملكة ونقل كثير من السلطات من ممثلي الشعب إلى الملك.
(4) الميثاق يدعو لتكوين برلمان في مجلسين أحدهما منتخب والآخر معين، مما يعني بأن ممثلي الشعب لن تكون لديهم حرية ممارسة دورهم في التشريع والمراقبة.
(5) الميثاق ينص على أن الوزراء مسؤولون أمام الامير بينما ينص الدستور على أن الوزراء مسؤولون أمام المجلس الوطني المنتخب.
(6) الدستور ينص على أن أي تعديل له لا يتم من خلال المادة 104، والتي تنص على ضرورة موافقة على الاقل ثلثي أعضاء المجلس الوطني المنتخب.

ولذا فإن شهر رمضان الماضي شهد ازدياد درجة حرارة الوضع السياسي بين الحكومة والمعارضة. فالمعارضة دعت إلى التخلي عن الافكار التي وردت أعلاه وطالبت الحكومة بفتح باب الحوار وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين وعودة المبعدين والغاء حالة الطوارئ كمقدمة أساسية للدخول في مشروع خطير وحساس من هذا النوع. وإلا فإن الحكومة ستخرج من أزمة وتدخل في أخرى.

ومع اقتراب 23 ديسمبر 2000 تنازلت الحكومة عن فكرة تعيين مؤتمر شعبي للتصديق على الميثاق وأعلن الامير أنه سيطرح الميثاق للاستفتاء دون تحديد موعد وضوابط معينة. واستبدلت في المسودة الثانية الديباجة التي احتوت على تاريخ مغلوط بمقدمة أقل خطأ. ولا زالت المقدمة تحتوي على أخطاء لكن ليست فادحة كسابقتها. ودشن الميثاق أيضا مواده بعدد آخر من مواد الدستور دون إضافة أي حق إضافي وأصر على تغيير النظام من الامارة إلى المملكة وإنشاء مجلسين أحدهما معين والآخر منتخب.

في هذه المرحلة انتقلت المعارضة إلى رفض الطريقة ودعت لفتح الحوار بصورة حرة وتحديد موعد للاستفتاء ودعوة مراقبين دوليين للاشراف على الاستفتاء ومعرفة رغبة شعب البحرين. واستجابت الحكومة جزئيا وسمحت لندوة بنادي الخريجين منتصف يناير الماضي (2001)، أي بعد ستة أسابيع من طرح الميثاق وتمريره من خلال لجنة معينة. وكان واضحا للجميع مستوى الوعي الشعبي من خلال مداخلات تلك الندوة. فبالرغم من أن الحكومة فرضت أسماء معينة للحديث في تلك الندوة إلا أن المداخلات من الجمهور كانت صرخة مدوية أوضحت أن مشروع الميثاق لن ينجح إلا إذا أفرجت الحكومة عن جميع المعتقلين وسمحت لجميع المبعدين بالعودة والغاء قانون أمن الدولة ومحكمة أمن الدولة ورفعت الحصار عن الشيخ عبد الامير الجمري ورفعت الحصار عن المساجد وغيرها من المؤسسات الاجتماعية.

وهكذا أصبح حديث الشارع هو ضرورة المصالحة الوطنية الشاملة، واستمر الوضع هكذا لاسبوعين حتى أعلنت الحكومة أنها ستجري الاستفتاء في 14 و 15 فبراير 2001، وكان ذلك الاعلان نهاية يناير الماضي. وفي ظل هذه الظروف دعت المعارضة لمقاطعة الاستفتاء أو التصويت بـ "لا". إلا أن المفاجأة التي حصلت في 5 فبراير 2001، حيث أعلن الامير أنه سيطلق جميع المعتقلين السياسيين وسيسمح للمبعدين بالعودة ورفع الحصار عن الشيخ الجمري وعن تجميد العمل بقوانين الطوارئ.

وحدث ما لم يتوقع أحد أن يقوم به الامير، إذ أفرغت السجون من المعتقلين ولم تتم إهانة من أراد الرجوع إلى البلاد لاول مرة في تاريخ البحرين، وكانت ردة فعل الشعب هي الفرحة الكبيرة والخروج إلى الشوارع بعد أن كان الناس يمنعون من التجمع. وبدأت الصحافة تتحدث في أمور كان يسجن عليها المواطن، وانقلب التشاؤم إلى تفاؤل وتحولت مظاهر الاضطراب إلى مظاهر هدوء وفرح لم تشهده البحرين في تاريخها الحديث.

وبدات المعارضة في الداخل بتجميع قواها بعد الخروج من المعتقلات والحصار وبدأت الاتصالات مع المعارضة في الخارج لتنسيق المواقف في خضم الهيجانات العاطفية. وكان واضحا أن كثير من قطاعات الشعب تريد مكافأة الامير على ما قام به بالتصويت بـ"نعم". ومع كل هذا فقد أصرت المعارضة في الخارج على دعوة الشعب بالتصويت بـ "لا" ما لم توضح الحكومة علاقة المجلس المنتخب بالمجلس المعين وما لم توضح الحكومة بأن الحاكمية للدستور وليس للميثاق. وفي 8 فبراير 2001 أصدرت الحركة بيانها بهذا الشأن مما حدا برموز المعارضة في الداخل للاجتماع بالامير بصورة طارئة. واجتمع الامير مع كل من الشيخ عبد الامير الجمري، والسيد عبد الله الغريفي والاستاذ عبد الوهاب حسين والدكتور علي العريبي، ودار خلال الاجتماع حوار حول موقف المعارضة ووعد الامير بأن قانون أمن الدولة سيتم الغاؤه وانه مجمد حاليا، وأن وزير العدل سيطرح في اليوم التالي، أي 9 فبراير 2001، بأن المجلس المعين ليست له صلاحيات تشريعية وأن الحاكمية للدستور. وبالفعل نشرت الصحف المحلية تصريح وزير العدل في اليوم التالي. وعلى أثر هذا الموقف وافقت المعارضة في الخارج على تجميد دعوتها للتصويت بـ "لا" بينما وقفت الرموز الشعبية المعارضة في الداخل مع الميثاق لانهم قالوا بأن السبيل الوحيد الموجود لعدم عودة الحكم القديم وأساليبه هو مساندة الميثاق حتى ولو كان أقل من الدستور، خصوصا بعد أن صرح الامير بان الدستور هو المرجعية الاولى للشرعية وليس الميثاق. وعلى هذا الاساس حصلت الحكومة على مساندة العشب في الميثاق.

الديمقراطية هي حق الانسان في أن يشارك في اتخاذ القرار الذي سيؤثر على حياته العامة والخاصة من خلال المؤسسات الدستورية. الديمقراطية هي إنشاء المؤسسات القائمة على الارادة الشعبية. وفي عالم اليوم فإن مؤسسات الدولة إذا لم توازنها مؤسسات المجتمع المدني فإن الظلم والقهر السياسي هو البديل. وبالنسبة للمشاركة هناك محذور واحد من المشاركة في الحكومة. لقد كانت تجربة السبعينات مريرة للغاية لان عدد كبير من رموز المعارضة تم شراؤهم من خلال توظيفهم في مناصب وزارية وإدارية كما ذكرت سابقا، وهناك الآن من يلهث للحصول على مناصب حكومية على حساب أي شيء وكل شيء. إننا ننظر بعين الريبة لمحاولات الشراء هذه. لكن المشاركة في لجان مشتركة بين الحكومة والقوى الاجتماعية لاصلاح الوضع أمر آخر. فلو أن الحكومة احتاجت لمعالجة مخلفات الازمة وطلبت تشكيل لجنة مشتركة من الحكومة وممثلي القوى الاجتماعية فهذا أمر عظيم وهام. ولكن هذه الرؤية قد تتغير فيما لو صعدت الحياة السياسية اى مستوى ديمقراطي مقبول بحسب ضوابط عقلانية.

العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً