العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ

مستقبل البحرين بيد أبنائها

كلمة للدكتور منصور الجمري في جامع الامام زين العابدين (بني جمرة)، في 23 أغسطس 2001 .

قال الله تعالى في كتابه الكريم " إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم" (فاطر 43)

عندما يتحدث البعض عن التغيير يقتصر في حديثه على التغيير الاقتصادي والمادي دون النظر الى البعد الاهم الذي يسبق التغيير المادي. ذلك البعد الذي يغير النفس ويصلحها هو البعد الثقافي، هو الدافع المع نوي والأخلاقي الذي ينمي الثقة بالنفس لدى الفرد.

بما أن الأمة، أي أمة، تتكون من أفراد مجتمعين حول ثقافة معينة وتربطهم روابط معنوية ومصالح مادية، فان بعث الثقة بالنفس لدى الافراد والجماعات هي نقطة البداية لاحداث التغيير الخارجي، الذي تحدث عنه القران الكريم " وأ لوا استقاموا على الطريقة لا سقيناهم ماءا غدقا"… "وأن ليس للانسان إلا ماسعى" (النجم 39)

فالقران يتحدث عن البعد المادي المتطور (لا سقيناهم ماء غدقا) ولكن ذلك مرتبط بالاستقامة، استقامة الرأي والثقافة التي تبعث الأمة بروح جديدة.

لو رجعنا إلى قبل عشرة أعوام أو اكثر لكنا لا نسمع سوى الإحباط وعدم الثقة بالنفس في أوساط مجتمعنا البحريني… كان الترابط ضعيفا على المستوى العام، وكان الذي يتحدث عن إصلاح الأوضاع يعيش الوحدة ويلا قي الاذى لوحده… كان كثير من الناس لا يثقون ببعضهم الآخر، وكانوا دائما يتطلعون إلى الآخرين ..في البلاد الاخرى .. بإعجاب ويحاولون تقليد الغير.

ولربما كان ذلك من مخلفات تاريخنا المليء بالمتاعب والاخفاقات. فلقد تكررت الاخفاقات خلال العقود الماضية مما أدى لتسرب روح لا أبالية، وروح اتكالية غير واثقة بقدرتها على القيام بدورها المتوقع منها . واقصد بذلك الدور حمل الامانة التى تحدث عنها القران الكريم: "انا عرضنا الامانة على السماوات والارض والجبال فأبين ان يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان انه كان ظلوما جهولا" (الاحزاب 72 ).

غير أن هذا الوضع تغير مع منتصف التسعينات عندما خرج الشعب متكاتفا، يدا بيد، حاملا همه وأماله، ومتقاسما آلامه، ومتحملا الامانة الكبيرة.

لقد صدق شعب البحرين مع الله، والله لم يخيب ظن هذا الشعب المعطاء، هذا الشعب المؤمن، هذا الشعب المضحي، هذا الشعب الواثق بنفسه، هذا الشعب الحامل للامانة.

إننا نعيش فترة تاريخية كان يحلم بها اجدادنا لا نهم لم ينعموا بالنعمة التي من الله بها علينا. تلك هي نعمة توحد القلوب واستناره الرأي، واستعادة الثقة بالنفس، والاستعداد لنيل شرف وكرامة حمل الاما نة، وانا انشاء الله نحمل هذه الامانة غير جاهلين بها وغير ظالمين لحقها. ذلك "ان العهد كان مسؤولا" (الاسراء 34)

إن تحمل الأمانة بمسؤولية يعني أن نستعد نفسيا للاستمرار صامدين موحدين في مواقفنا وواثقين من أنفسنا، كما يعني الالتفات إلى متطلبات التغيير الإيجابي الذي ستعود منافعه لنا إنشاء الله جميعا، ولأجيا لنا الذين سيفخرون بما قدمه هذا الجيل، فيما لو واصلنا الطريق وعرفنا كيف نستفيد من إنجازات الصمود والتضحية التي قدمها الجميع.

إن أهم ما يواجهنا اليوم أيها الأعزة هو الفهم الصحيح للمرحلة الحالية لكي نتجاوز العقبات ونستفيد من فرص العمل الوطني المتاحة. وهذا يتطلب مزيدا من التخصص في عملية ادارة شئوننا، يتطلب مأسسة شئوننا ، يتطلب تشاورنا مع بعضنا الاخر، يتطلب عملنا الجماعي المشترك، يتطلب محاسبتنا لبعض الآخر، يتطلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، يتطلب اعتماد الأساليب الحديثة في جميع أنشطتنا وأعمالنا، يتطلب اعتمادنا الوسائل الديمقراطية القائمة على الانتخاب وتداول عملية اتخاذ القرار وعدم احتكار العمل العام تحت أي عذر كان. فلا وصاية لاحد على امة واعية ومرتبطة بدينها وحبة لوطنها.

فالأمة التي ضحت وصمدت ومن الله عليها بنصر منه، أمة تستحق أن تقرر شئونها بذاتها. هذا هو المعنى الحقيقي لعمل الجماعة في الإسلام. انه عمل قائم على التقوى، بمعنى خوف الله ووضعه أمام أعيننا في كل م ا نعمل ونقول. وهو عمل قائم على الشورى والتشاور وعدم الاستبداد بالرأي وعدم احتقار الطاقات، بل على العكس، فالاسلام يوجب علينا ان نتساعد وان نتعاون وان نطور قدراتنا ( فمن تساوى يوماه فهو مغبون)، على حد تعبير الإمام علي عليه السلام.

التساعد والتعاون يعني تربية القيادات الاجتماعية والسياسية والمهنية المتطورة، وهذا يعني فسخ المجال للجميع للمشاركة برأيه وبجهده. فلا فضل لإنسان على آخر في الإسلام إلا بالعمل الصالح. والعمل الصا لح ليس حكرا لاحد ولا يمكن أن يمنع أحد من ممارسة العمل الصالح. "ياأيها الإنسان انك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه" (الانشقاق 6)

جميعنا مسؤول عن ممارسة العمل الصالح وعدم خنقه وعدم عرقلته تحت أي عذر كان…" والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين أمنوا وعمل الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر".

اننا مسئولون عن محاربة الفرقة والتفريق بين اهل البحرين على اساس طائفي او حزبي او عرقي. جميعنا أبناء بلد واحد ولامكان لمن يريد استخدام الدين او الوطنية من اجل استئصال وحرمان الاخرين من ممارسة د ورهم او التعبير عن رأيهم. ان الانتصار للقيم السامية الواردة في الدين الاسلامي لاتعني تفريق المجتمع. "أن أقيموا الدين ولاتتفرقوا فيه" (الشورى 71). لم يكن الدين ابدا في يوم من الأيام سببا لتفريق الناس. الدين رحمة من الله للعالمين جميعا. والرحمة تعني التسامح وتدفع بالمسلم للشعور بالقوة المعنوية امام الاخرين. ولكن لايدفع الدين بالاتجاه المعاكس الذي يشوه صورة ومعنى الاسلام لدى الاخرين.

جعلنا الله ممن يتواصى بالحق ويتواصى بالصبر ولا يتنازل عن العمل الصالح القائم على الأيمان بثقافة الإسلام التي أنقذت الناس من الجاهلية، وأخرجتهم من الظلمات إلى النور.

العدد 3819 - الثلثاء 19 فبراير 2013م الموافق 08 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً