العدد 3827 - الأربعاء 27 فبراير 2013م الموافق 16 ربيع الثاني 1434هـ

النهوض بالمرأة يوجب مشاركتها بقوة في الحياة العامة

رئيس طب العائلة والمجتمع بجامعة الخليج العربي فيصل الناصر:

ينظر رئيس طب العائلة والمجتمع بجامعة الخليج العربي ورئيس المجلس العلمي لاختصاص طب الأسرة بالمجلس العربي للاختصاصات الطبية فيصل عبداللطيف السليمان الناصر في هذا الحوار إلى جوانب مهمة في مسيرة عطاء المرأة في حياتنا، فمن مسئولية الأمومة إلى المشاركة في مشاريع التنمية والحياة العامة مروراً على قضايا أسرية مهمة، تمضي محطات هذا الحوار.

ووفقاً لموضوعات متعددة مرتبطة بشئون المرأة، نجد أنه على رغم التطور الملحوظ في المجتمعات العربية فيما يتعلق بحقوق المرأة ومنحها فرص إثبات الوجود، فإننا أمام جملة من القضايا التي يجب ألا تُهمل أبداً من جانب الباحثين والمعنيين... ولاسيما على صعيد الاستقرار الأسري والاجتماعي... في هذه السطور، سنعرج على الكثير:

دخول المرأة إلى ميادين العمل

نبدأ حوارنا مع ضيفنا بهذا السؤال... من المهم أن يكون لدى المجتمع وخصوصاً المرأة، معرفة بمتطلبات تكامل الصحة النفسية والجسدية لكي تقوم بدورها المهم كنصف آخر، ما هي أهم المقدمات التي يتوجب علينا فهمها كأزواج وزوجات على صعيد العمل والأسرة والحياة العامة؟

لابد أن أقول في البداية إن الأمومة عمل، وتربية الأولاد عمل وأشغال البيت وإدارته هي كذلك عمل، عمل وبالتالي، فإن المحافظة على قيم المجتمع هي من أكبر الأعمال المناطة إلى للمرأة، لأن قيم العمل تنشأ من تربية الأجيال، ولهذا فمن أهم وأبرز المهمات التي أنيطت للمرأة هي تربية الأطفال، فالأمومة أول مسئولية كبرى للمرأة، ونحن هنا نتحدث عن المرأة في كل المجتمعات، أما في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، فكما قال شاعر النيل حافظ إبراهيم ذلك البيت الشهير: «الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق»، ذلك أن المرأة في تلك المجتمعات تشكل نصف عدد السكان.

وبلغة الأرقام، يسعني القول إن المرأة تشكل في مجتمعاتنا ما نسبته 49.9 في المئة، ومع ذلك، وهذا جانب مهم بالنسبة لي، نجد أن الكثير من الدراسات كشفت عن أن إسهام المرأة في سوق العمل لا يتجاوز 10 في المئة، وكانت النسبة أقل بكثير في مطلع تسعينيات القرن الماضي، ثم بدأت في الارتفاع شيئاً فشيئاً وفق الفرص الاقتصادية في الدول العربية والإسلامية، وبذلك، تقلصت الفجوة في سوق العمل بين الجنسين ومن أول الأسباب هو الثقافة المرتفعة لدى المرأة نتيجة التحصيل العلمي، وتقاربت الأجور بين الرجال والنساء، مع أنه لاتزال هناك فجوة في الأجور بين الجنسين... لكن لنأخذ مثلاً تجربة دخول المرأة إلى ميادين العمل منذ العام 1970، سنجد أن هناك دخولاً للمرأة في ميادين كانت حكراً على الرجال، لكنها بدأت تقل اليوم مع دخول المرأة ميادين القانون والهندسة والطب، وهذا الأمر كائن أيضاً في أميركا، فالفجوة قائمة، لكن هناك اليوم ما نسبته 14 في المئة من النساء في القطاع الهندسي، و29 في المئة منهن في قطاع الطب الجراحي، وتبلغ نسبة النساء في مجالس أكبر 500 شركة عالمية ما نسبته 15.5 في المئة، وأيضاً في أوروبا، فمع التقدم هناك إلا أن نسبة مشاركة المرأة في قوة العمل كانت نحو 37.9 في المئة في العام 1996، ثم ارتفعت المعدلات، وهي أرفع في البلدان الاسكندنافية مثل السويد التي بلغت نسبة مشاركة المرأة فيها إلى 78 في المئة.

قطاع العمل (غير المنظم)

هل من الممكن تصنيف أكثر قطاعات العمل التي دخلتها المرأة وخصائصها ومدى مناسبتها لها؟

في السابق، كانت المرأة تعمل في مجالات مختلفة، وبعضها لاتزال قائمة في بعض الدول العربية، وأقصد بذلك (قطاع العمل غير المنظم)، وأكبر نسبة من النساء يعملن فيه لأسباب كثيرة منها غياب فرص العمل أساساً، كما أن المرأة تعمل في هذا القطاع على رغم امتيازه بقلة الأجور، لكنه لا يحتاج إلى شهادات تحصيل علمي وخبرة، ويبقى غير محصن بقوانين العمل... هذا بالنسبة لقطاع العمل غير المنظم، وهناك قطاع آخر نلاحظ فيه عمل المرأة... ليس في منطقة الخليج، ولكن في بعض الدول العربية وهو القطاع الزراعي كما هو الحال في جمهورية مصر العربية والجمهورية العراقية وجمهورية السودان، بل إن هناك نساء يعملن في هذا القطاع من باب العمل العائلي غير مدفوع الأجر.

سلبيات لاتزال قائمة

تبقى الكثير من السلبيات التي تؤثر على الحياة الأسرية مرتبطة بخروج المرأة للعمل على رغم الكثير من المتغيرات التي شهدناها على مدى السنوات الماضية... لكن كيف يمكن الموافقة بين حق المرأة في العمل وبين دورها الأسري؟

المرأة هي نصف المجتمع من دون شك، ووجودها مهم قطعاً لبنائه والارتقاء به، ولها دور في البناء الفعلي مساهمةً مع الرجل، لكن لابد من القول إن هناك سلبيات برزت في حياة الكثير من النساء العاملات بسبب التركيز على العمل الوظيفي بشكل مقدم على أهم المسئوليات الملقاة على عاتقها وهي الأمومة، وتتجه النساء العاملات إلى الاستعانة بالخادمات، وهؤلاء لسن مربيات كما يسميهن البعض! بل هي خادمة تدير خدمات المنزل، وبالتالي، فمن أكبر المشاكل هي تحويل تربية الأطفال إلى الشغالات وهذا موضوع خطير يؤدي إلى إنشاء جيل غير سوي يحمل عادات وتقاليد لا تتوافق مع المجتمع، ويقتبسها ممن هو جنبه ويعطيه الرعاية، فهناك أضرار أخرى اجتماعية ونفسية تترك أثرها على الطفل حينما يكبر.

ومن تلك السلبيات أيضاً، أن المرأة قد تضطر للعمل في وظائف ربما هي في الأساس لا تصلح إلا للذكور، وبالتالي يعرضها إلى أمور كثيرة، سواء على هيئة مساوئ اجتماعية ونظرة اجتماعية سلبية أو مساوئ ومخاطر على الصحة البدنية والنفسية، وبالنسبة لبعض الوظائف، فإنها تجبر المرأة على العودة إلى المنزل في ساعات متأخرة جداً من الليل، وهذا في مجتمعات محافظة كمجتمعاتنا قد يعرض المرأة للكثير من الشبهات.

خروج المرأة للعمل، ومن جوانبه السلبية، أضعف من الروابط والألفة بين أفراد الأسرة... فعندما نجد أن المرأة منهمكة طوال 8 ساعات في العمل وأكثر، من دون مراعاة لأهمية التفاف الأسرة مع بعضها البعض، وهي وقت الغداء ظهراً على سبيل المثال، فهذا الأمر يؤثر على أفراد الأسرة جميعاً... بين الزوج والزوجة وبين المرأة وأطفالها ما يؤدي في المستقبل إلى انهيار الأسرة لا سمح الله.

من المهم أن نلفت إلى مشكلة لا يجب إغفالها، وهي الرضاعة الطبيعية للأطفال، فالدلائل العلمية تبين أن الرضاعة الطبيعية هي من الأمور المهمة في بناء جسم وعقل الطفل، وتبين أن الطفل - بحسب الدراسات - على الرضاعة الطبيعية، ينشأ في حالة طبيعية مستقرة إن حرم من الرضاعة الطبيعية، وخلال فترة المراهقة، ويصبح المستوى الذهني والفكري له أقل بكثير من الطفل الذي حصل على الرضاعة الطبيعية، ومع شديد الأسف، هناك بعض الدول لا تمنح - قانونياً - فترات الرضاعة، وليست كما لدينا حيث تحصل المرأة العاملة على إجازة وضع مدتها ثلاثة شهور، وبهذا ترتفع المساوئ على الطفل ذهنياً وصحياً واجتماعياً، وباختصار، فإن غياب الأم عن المنزل، يمثل لها عبئاً نفسياً مضافاً إلى الإرهاق الجسدي.

استغلال وعنف جسدي ونفسي

نجد في مجتمعاتنا أشكالاً من ظلم المرأة وابتزازها حيث يتصرف الزوج أو الأب أو الأخ براتب المرأة ويهضمها حقوقها... ما يمكن أن ينشأ عنه أشكال من القلق والاكتئاب والشكاوى الجسمية نفسية المنشأ وغير ذلك... هل هذا صحيح ولايزال منتشراً أم أنه أقل من الماضي بفضل التعليم والإعلام والإرشاد الديني والأسري والصحي؟

طبعاً، هذه الصورة لاتزال قائمة، لكنها في تناقص مستمر، إنما هناك ما هو مخفي وربما أخطر! وربما هناك ممارسات بنسبة كبيرة وقد لا تظهر على السطح ولا تُبرز في الإعلام، ومن أحد الأمور المسببة لمثل هذه الحالات، أن المرأة قد تراه وضعاً طبيعياً، ويعتمد ذلك على المفهوم الذي أنشأت عليه المرأة في الأسرة، أي مسألة التنشئة... فإن يأخذ الزوج أو الأب أو الأخ راتبها فإنه أمر طبيعي وتعتبره مساعدة للأسرة، كما أن ضعف مستوى التعليم والثقافة العامة لدى الكثير من النساء العاملات في وظائف بسيطة يعرضها إلى هذا الشيء ويضعها تحت الاستغلال، وهناك ما يسمى باستغلال الزوج لزوجته، فبالتالي، تُجبر المرأة على دفع الراتب للرجل، بينما في ديننا الحنيف، فإن الرجال قوامون على النساء ومن ضمن هذه القوامة مسئوليتهم عن رعاية الأسرة، ويحدث العكس في كثير من الأحايين حين تقوم المرأة بدفع تكاليف الأسرة، وهذه الظاهرة تؤدي إلى العنف ضد المرأة، والمرأة التي لا تقبل بالابتزاز وترفضه، ربما تتعرض إلى العنف الجسدي، بل هناك العنف النفسي وهو من أكبر المشاكل حيث يهدم كرامتها ويؤثر على شخصيتها وبالتالي تكون عضواً غير فاعل لا في المجتمع ولا في تربية أطفالها.

ونحن نعرف أن الحياة الزوجية هي مشاركة بين الزوجين، ولكن هي مشاركة في الرعاية وفي الاعتناء بالعائلة وليست مشاركة بالمال، وكما يقول العضو السابق بالأزهر الشريف محمد محمود عاشور: «ابتزاز المرأة لا يجوز شرعاً، فإن على الواجبات الشرعية في الإنفاق، وإذا وافقت برضاها منحه المال فهذا جائز، ولا يجوز الضغط عليها»، وحين نطلع على التقرير العربي للنهوض بالمرأة الصادر في العام 2005، فقد ركز على رعاية المرأة وإبراز واجباتها وتناول قضايا ومبادئ ودور المرأة ودعوة لتنمية شاملة للوطن العربي من خلال رفع مشاركة المرأة في التنمية كمرتكز أساسي لا تنهض المجتمعات من دونه.

العدد 3827 - الأربعاء 27 فبراير 2013م الموافق 16 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً