العدد 1523 - الإثنين 06 نوفمبر 2006م الموافق 14 شوال 1427هـ

دفاعاً عن... طاغية!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

نقلت «الشرق الأوسط» في عددها أمس (الاثنين) عن مصادر مقربة من الشرطة القضائية التي تشرف على حجز صدام ورفاقه، ان «الرئيس المخلوع طلب في الليلة التي سبقت النطق بالحكم، صحن أرز مع اللحم، وانه نام متأخراً، وكان قلقاً على غير عادته».

وأضاف المصدر انه مشى بقلق وبطء عندما طلبه القاضي، و«كان قلقاً للغاية». وعندما أخرج من القاعة، كانت خطواته أكثر بطئاً، ولم يتفوّه بأية كلمةٍ غير ما هتف به من كلماتٍ في قاعة المحكمة، مستغلاً وجود الكاميرات كالعادة، ولم يبدُ بتلك القوة التي تظاهر بها، وهو ما يخالف الصورة التي حاول فريق الدفاع تصويره فيها من معنويات عالية. بل انه لم يقابل أخاه برزان التكريتي، ولا حتى «رئيس محكمة أمن الثورة»، ورفيقه في حكم الإعدام «عوّاد الـ...»! (إنّا لله... يبدو أن هذا الإسم سيظل يلاحقنا في كل مكان، على رغم صدور تعميمٍ بمنع كتابته منذ أسابيع)!

صدّام الذي فرّ من أمام قوات الاحتلال الأميركي إلى حفرته لينجو بجلده، تاركاً البلد نهباً للغزاة، ونسي شرف الجندية في تلك اللحظة العربية الحزينة من التاريخ، أعرب قبل شهورٍ عن رغبته بالإعدام رمياً بالرصاص باعتباره قائداً أعلى للجيش، لكن القاضي العراقي «القاسي القلب» لم يحقّق له هذه الرغبة البسيطة، بل أصرّ على إعدامه شنقاً حتى الموت!

وإذا استثنينا الشيعة في جنوب ووسط العراق، والأكراد في الشمال، الذين تمتّعوا بديمقراطية صدام طوال ثلاثين عاماً، فإن الكويتيين والإيرانيين كانوا أكبر المبتهجين بالحكم، وهو أمرٌ طبيعيٌ جداً، لكل من ذاق عدالة وإنسانية وحلاوة حكم صدام!

الأنظمة العربية حتى الآن لم تنبس بكلمة، وإن كان لها من عتابٍ فعلى الرفيق الأميركي الحليف، الذي لا يحترم الصداقات القديمة ولا (العيش والملح)، ولا الحرب بالنيابة لمدة ثماني سنوات، ولا يقيم اعتباراً لأي جانبٍ إنساني، ولم يستجب للالتماس الأخير بنقل الرئيس الضحية «المفترى عليه» إلى دولةٍ عربيةٍ بشرط ألاّ يتدخل في السياسة، ليقضي بقية عمره في تربية الحيات والثعابين والطيور!

منظمة العفو الدولية انتقدت حكم الإعدام الجائر، والإتحاد الأوروبي الرهيف القلب، الإنساني المشاعر، رفض الحكم أيضاً، فلا يجوز إعدامُ إنسانٍ حتى لو ذبح وشرّد الملايين. بعض العواصم العربية صرّحت بعد تمنّعٍ بأنها لم تعتد على مثل هذه الأحكام، فمجتمعها بطبيعته غير معتاد على أحكام الإعدام لأنه مجتمع مسالم، مع أن تاريخها القريب لم يخلُ من ممارساتٍ أمنيةٍ عنيفةٍ أودت بأرواح العشرات من مواطنيها.

رئيس الوزراء العراقي، المالكي اعتبر الحكم نهاية حقبةٍ سوداءَ في تاريخ العراق، ورفض تصنيف صدام ضمن أية طائفة لأنه «لا يشرّف أحداً»، فالظلم وانتهاكات حقوق البشر وارتكاب المجازر ونشر المقابر الجماعية لأبناء الشعب، هذه النفسية الإجرامية الشاذة ليس لها مذهبٌ ولا طائفةٌ ولا دينٌ، ومن الخطأ أن يضع بعض أهل السنة، في العراق أو خارج العراق، أنفسهم في موقع الدفاع عن طاغيةٍ جزّار، خصوصاً انه لم يكن يدّعي أنه يمثلهم، بمقدار ما يمثل ذاته المتورمة بحب الدنيا والسلطان، فلماذا يورّطون أنفسهم بدعوى الانتساب إليه؟

هذه الفكرة على بساطتها ومنطقيتها، وانسجامها مع روح الدين الإسلامي الجامع لكل المذاهب والاتجاهات في الأمة، إلاّ انها لا تلقى قبولاً لدى بعض الفئات، التي يذهب بها الشطط إلى اعتبار محاكمة صدام إذلالاً لكل الشعوب العربية، وأن إعدامه إهانة لكل القادة العرب! والويل لأمةٍ تأخذها الحميّة الطائفية إلى تقديس الطغاة والظلمة والجبابرة وسفّاكي الدماء بهذا الشكل الذي يُضحِكُ علينا بقية الأمم

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1523 - الإثنين 06 نوفمبر 2006م الموافق 14 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً