العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ

ليلة الهروب من السياسة!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في مساء الجمعة الماضي، كان العرض الأخير من مسرحية «بس قابلني»، وهي مسرحية اجتماعية ذات طابع فكاهي، كما جاء في الإعلان عنها. لكنها لم تستطع الإفلات من السياسة، فهذا الشعب المتورّط في دهاليز السياسة حتى النخاع، لم يعد بإمكانه النزول من على مشنقة السياسة حتى في مسرحياته الفكاهية!

قبل الذهاب كنت متردداً، فهذه هي الليلة الوحيدة التي يمكن التنفس فيها، فاتصلت بزميلي المصوّر، مستشيراً: هل أذهب لحضور خيمةٍ انتخابيةٍ أم أذهب لمشاهدة المسرحية؟ فقال من دون تردد: «اذهب لتخفّف عن قلبك»... وهكذا كان.

المسرحية ليست نخبويةً وإنما شعبية، لذلك ستفتقد فيها الأساليب الفنية الرفيعة، ولغة المسرحيين المترفّعة وفذلكات المثقفين. الممثلون هواة، يؤدون أدوارهم بعفوية غالباً، فيضحك لهم الجمهور ويحزن، ويطيل التصفيق في بعض المشاهد المؤثرة، مع ان الأداء الفني للممثلين يكاد يراوح مكانه دون نقلة كبيرة من حيث المستوى، وإن كان بعضهم يجتهد في تقديم ما يمتع الجمهور. الإمكانات محدودة، ومع ذلك يبذل المخرج والطاقم الفني جهوداً كبيرة لتعويض جوانب النقص.

وأخيراً... نأتي إلى موضوع المسرحية: بحرينيٌ فقيرٌ من الطبقات المسحوقة، يُولد له طفلان (توأم)، فيحسّ بانطباق السماء على الأرض لضيق ذات اليد. المفاجأة أنهما ولدا وهما متلاصقان من ناحية الرأس والكتف، وهو ما يدخلهما في سلسلة من المواقف المضحكة. عندما يكبران نكتشف انهما مصابان بالتخلف العقلي. وعلى أبواب الشباب، تبرز الطامة الكبرى، حين يفكران بالزواج، فأي فتاةٍ يمكن أن تتزوج بأي منهما؟ ولو حصل أحدهما على فتاة أحلامه، فكيف سيخطبها ويتزوج بها و... ينام معها على سرير الزوجية؟ وكيف سيتصرف التوأم الآخر؟... ثم كيف يمكن أن يعثرا على فرصة عملٍ والشباب الأصحاء من خريجي الجامعات يعيش كثيرٌ منهم عاطلاً عن العمل. وهكذا يتجهان إلى وزارة العمل، ويدخلان على أحد الموظفين ليطلبا وظيفةً ما، (سائق، مدرس، مدير، أو حتى وزير!)، فيصرفهما على أن يعودا بعد شهر، في الوقت الذي شاهداه يسهّل توظيف فتاةٍ لعوب، تتمخطر في مشيتها وتعطيه رقم «الموبايل» ليتفقا على الخروج معاً في المساء.

قضيةٌ أخرى تتناولها المسرحية، «الأجنبة» أي قضية إحلال الأجانب محل المواطنين، فيما تسميه الصحافة «التجنيس العشوائي»، وتسميه الجمعيات «التجنيس السياسي»، وهي سياسةٌ مدمّرةٌ للاجتماع البحريني على المدى المتوسط والبعيد، بل بدأت آثارها تظهر من الآن، في ظل ممالأة بعض قوى الموالاة للسلطة وسكوتها عليه، من أجل مكاسب فئويةٍ قصيرةِ النظر، سيدفع جميع أبناء الشعب ثمنها أضعافاً مضاعفة.

هذه السياسة المدّمرة، تتناولها المسرحية بالإشارة إلى العمالة الوافدة، التي تحوّلت بين ليلةٍ وضحاها، إلى «مواطنين جدد»، لهم ما كان للمواطن «القديم» من خدمات صحة وإسكان وتعليم... وليس عليهم ما على المواطن من حملاتٍ دائمةٍ محمومةٍ لإثبات ولائه للوطن!

المواطن (والد التوأم) بقي بعد 20 عاماً على راتب 150 ديناراً لم يتزحزح درجةً واحدة، وبقي ينتظر بيت الإسكان 20 عاماً، بينما «وهبت» الوزارة المسكن للمواطن (الآسيوي) الجديد بعد استلام الجواز الأحمر بأسبوع واحد! هذه الوقائع التي يعيشها التوأم تعيد إليهما العقل، فيدركان أيّ وطنٍ متنكرٍ لأبنائه يعيشان فيه، فيصيح أحدهما غاضباً: «الجنسية مو جواز أحمر... الجنسية وطن»! يكرّرها 3 مرات فيضج الجمهور بالتصفيق.

زميلي المصور أراد أن ينصحني بالفرار من السياسة ليلةً واحدة، فماذا لو عرف ان المسرحية «الفكاهية» لم تكن أقل صخباً بالسياسة من خيام المترشحين؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1526 - الخميس 09 نوفمبر 2006م الموافق 17 شوال 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً