العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ

مطاردة «القاعدة» من كهوف تورا بورا إلى ســـــــواحل الصومال

ما أشبه الليلة بالبارحة، هذا ما يمكن أن نقوله إذا عمدنا إلى المقارنة بين ظهور حركة «طالبان» في أفغانستان و»المحاكم الإسلامية» في الصومال. فالحركتان ظهرتا بقوة وفي فترة وجيزة في المسرح واستطاعتا أن تقلبا ميزان القوتين العسكرية والسياسية لصالحهما في لمح البصر. كما أنهما تتبنيان النهج الإسلامي المتشدد ولهما صلات قوية بتنظيم «القاعدة».

حركة «طالبان» واجهت غضب أميركا عقب تفجيرات 11 سبتمبر/ أيلول العام 2001، ودفعت الثمن غالياً من دماء عناصرها وقادتها في كهوف جبال تورا بورا، وانتزع منها الحكم في كابول بقوة نيران التحالف الدولي المناهض للإرهاب. فهل ستجد «المحاكم الإسلامية» التي أصبحت قاب قوسين أو أدنى من السيطرة على مقاليد الحكم في مقديشو المصير نفسه بعد أن تجد الولايات المتحدة ذريعة «سبتمبر أخرى» للقضاء عليها في سواحل دولة الموز؟

هذا السيناريو إذا صدق فسيقودنا إلى نتيجة مفادها أن الولايات المتحدة تخطط وتسعى إلى تجميع كل عناصر وقادة "القاعدة" في القرن الإفريقي حول عسل "المحاكم الإسلامية" في الصومال لتنقض عليها بليل وتشتت شملهم كما حدث لـ "طالبان" وتنظيم "القاعدة" في أفغانستان، ويدعم هذا التوقع ما تشهده الساحتان اليمينية والسعودية من تطورات أولها: أن الرياض أفرجت في أغسطس/ آب الماضي عن 9 سجناء ممن أطلق سراحهم من معتقل غوانتنامو، وأعلنت أخيراً عزمها الإفراج عن هؤلاء العائدين؛ لأنهم "ليسوا مدانين في أعمال إرهابية وقعت في الداخل" كما ألمح إلى ذلك نائب وزير الداخلية السعودي الأمير أحمد بن عبدالعزيز في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وقد تؤدي هذه الخطوة - إذا حدثت - إلى احتمال تسلل هذه العناصر إلى اليمن ومنها إلى الصومال طبعاً، وتكون الرياض بالتالي قد أمنت من شرهم وتفجيراتهم. وفي صنعاء نفسها سمعنا عن أخبار هروب 23 سجيناً من أخطر عناصر "القاعدة" في فبراير/ شباط الماضي، كما أكدت محكمة الاستئناف المتخصصة في شئون الإرهاب في نوفمبر الماضي أنه قد يتم الإفراج عن الرجل الثاني في "قاعدة اليمن" محمد حمدي الأهدل قريباً، ما يفتح الطريق أمام توقع ذهاب هؤلاء أيضاً إلى الصومال التي قد تصبح مركز نشاط التنظيم في القرن الإفريقي في الفترة المقبلة حتى حين.

ولكي نفهم حقيقة ودوافع توقعاتنا هذه فلنسبر في أغوار وتفاصيل ظهور حركة "طالبان" و"المحاكم الإسلامية". فقد نشأت المدارس الدينية المعروفة باسم "طالبان" في ولاية قندهار جنوب غرب أفغانستان على الحدود مع باكستان العام 1994 على يد الملا محمد عمر مجاهد، إذ رغب في القضاء على مظاهر الفساد الأخلاقي وإعادة أجواء الأمن والاستقرار إلى أفغانستان.

وساعد على سرعة انتشار الحركة وإقبال الأفغان عليها عدة عوامل داخلية منها: اغتيال زعيم الحرب وقائد تحالف الشمال المناوئ لحركة "طالبان" أحمد شاه مسعود على أيدي عناصر يشتبه في انتمائها إلى الحركة، الحروب الأهلية التي نشبت بين فصائل المعارضة الأفغانية بسبب الصراع على السلطة، والفوضى وانعدام النظام بعد دحر قوات الاحتلال السوفياتي.

أما العوامل الخارجية فقد تضافرت الكثير منها في وقت واحد على المستويين الدولي والإقليمي وهيأت المجال أمام حركة "طالبان". فباكستان سعت إلى التعاون مع حكومة صديقة في كابول لتسهيل عمليات التبادل التجاري بينها وبين جمهوريات آسيا الوسطى، ولم تجد بغيتها في حكومة رباني ومسعود التي اتهمتها بالتعاون مع الهند، فلما ظهرت "طالبان" سارعت إلى دعهما والتعاون معها، فالولايات المتحدة تقاطعت مصالحها مع مصالح "طالبان"، عقب دحر السوفيات بمساندة زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن، فلم تمانع ظهورها في بداية الأمر ثم سرعان ما اختلفت المصالح بعد ذلك فانقلب الوضع وأصبحت من ألد أعدائها.

ففي البداية رغبت واشنطن في ضرب الأصولية الأفغانية بأصولية أشد منها حتى تخلو الساحة لجماعة أصولية واحدة تستطيع تطويعها في فلك السياسة الأميركية بعد ذلك، ورغبت واشنطن كذلك في تشديد الحصار على النفوذ الإيراني ومنعه من التوغل تجاه الشرق وخصوصاً في جمهوريات آسيا الوسطى ومنطقة بحر قزوين التي تحوي أكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد الخليج العربي. لذلك لم تمانع ولم تقف حجر عثرة أمام تقدم "طالبان".

كثرت التحليلات التي تناولت الجهات الخارجية التي كانت وراء إنشاء "طالبان" وبروزها على مسرح الحوادث، بعضها ينسبها إلى المخابرات الباكستانية والبعض الآخر ينسبها إلى المخابرات الأميركية إبان الحرب الأفغانية السوفياتية.

حققت قوات "طالبان" مكاسبَ عسكريةً سريعةً واستطاعت هزم القيادات العسكرية ذات الخبرة الواسعة بفنون القتال أثناء الحرب الأفغانية السوفياتية، والسبب في ذلك يرجع إلى قوة الدافع الديني المحرك لهؤلاء الطلاب الذين أفتى لهم علماؤهم بأن ما يقومون به هو جهاد في سبيل الله؛ وبسبب التعاطف الشعبي الذي لاقوه رغبةً في التخلص من الاضطرابات الأمنية وحال الفوضى واصلت تقدمها حتى تمكنت من الاستيلاء على السلطة في كابول العام 1996.

ومَثَّل يوم الحادي عشر من سبتمبر 2001 يوماً فاصلاً في تاريخ حركة "طالبان"، إذ استغلته الولايات المتحدة ذريعةً وشنت حرباً ضروساً حتى أسقطت نظام "طالبان" ودمرت قطاعات واسعة من قوات "القاعدة" التي كانت تتخذ من أفغانستان ملاذاً ونصبت عن طريق الأمم المتحدة حكومة حامد قرضاي في كابول العام 2002.

يعود تاريخ إنشاء المحاكم الإسلامية في الصومال إلى مطلع العام 1991 عقب انهيار الحكومة المركزية، ولكنها لم تعمر سوى أشهر قليلة؛ بسبب الحرب الأهلية التي اندلعت نهاية العام 1991. وعادت إلى الظهور ثانيةً العام 1994 وحققت استقراراً في بعض مناطق الصومال.

وفي العام 1996 أدت الخلافات القبلية والسياسية في الصومال إلى تحجيم دورها بشكل كبير، ما أدى إلى انحسار دورها في قضايا التحكيم بين الأطراف المتخاصمة بالتراضي من دون أن يكون لها تأثير سياسي أو عسكري يذكر. وظلت تعمل كذلك إلى أن تعزز دورها مرةً أخرى العام 1998.

وفي أعقاب هجمات 11 سبتمبر في الولايات المتحدة خضعت الحكومة الصومالية الانتقالية إلى ضغوط؛ لإلغاء تلك المحاكم اعتقاداً منها أنها مرتبطة بجماعة الاتحاد الإسلامي، المدرجة ضمن القائمة الأميركية الخاصة بالمنظمات الإرهابية.

وبموجب تلك الضغوط اتفقت الحكومة بعد مفاوضات طويلة مع عدد كبير من رؤساء المحاكم الإسلامية على ضمهم إلى الجهاز القضائي الحكومي واستيعاب الميليشيات التابعة إلى المحاكم إلى جهاز الشرطة الحكومي، وهو ما تم فعلاً وطوى ملف المحاكم الإسلامية في مقديشو على الأقل.

ولكن الحكومة الصومالية الانتقالية لم تتمكن من السيطرة على الوضع الأمني ولم تتجاوز سلطاتها بضعة جيوب في العاصمة الكبيرة، ما أدى إلى ظهور الميليشيات القبلية المسلحة من جديد التي تقوم بأعمال سطو ونهب في العاصمة وخطف أشخاص للحصول على فدية. وطالت عمليات الخطف موظفين أجانب تابعين إلى منظمات دولية.

وبعد تفاقم الأوضاع الأمنية بسبب انشغال الحكومة وقادة الفصائل المعارضة بالمفاوضات الجارية في نيروبي، شُكِّلَت لجان شعبية قبلية لإقناع العلماء بوضع حد للفوضى في العاصمة، ثم تطور الأمر إلى إنشاء قبيلة محكمة إسلامية في المناطق التي تسكنها من العاصمة على يد علمائها.

خلاصة القول يمكن أن نقول إن جميع التنظيمات المتطرفة في العالم اجتمعت في هذا الاتحاد للمحاكم الإسلامية، على طريقة "طالبان" التي كانت تديرها "القاعدة" سراً. وعليه نتوقع أن يضطر من يدعمون المحاكم المتطرفة في الصومال عن جهل إلى تركها والتبرؤ منها؛ لأنها ستجرهم إلى ملاحقة من المجتمع الدولي مشابهة لتنظيم "القاعدة".

المسألة أكبر من إيواء رموز من "القاعدة" بل هي مخاطر أكبر من التي حدثت في أفغانستان وهي تهدد منطقة القرن الإفريقي بكاملها وليس الصومال فحسب، وما الصومال إلا معسكر للانطلاق نحو الآخرين كما كانوا يفعلون في أفغانستان، إذ يذهبون بغرض التدريب وليس للجهاد هناك. فهذه المحاكم تعتبر بمثابة تنظيم دولي متطرف يجعل من الصومال منطلقاً لعملياته ومن آواهم أو دافع عنهم فسيدفع الثمن كما حدث لـ "طالبان" التي فقدت عرشها وعاشت في الكهوف والأخوار.

فهل سيكون مصير عناصر "المحاكم الإسلامية" عقب أن تنجح في استقطاب كل عناصر "القاعدة" في المنطقة العربية والقرن الإفريقي الغرق في سواحل الصومال الممتدة على بحر عمان؟

العدد 1556 - السبت 09 ديسمبر 2006م الموافق 18 ذي القعدة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً