العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ

خيارات الأمس واليوم

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

أعتقد أن العمل السياسي في العالم العربي مر بثلاث مراحل، مرحلة «الوجهاء والأعيان»، ومرحلة «الأحزاب والتنظيمات السياسية»، وأخيراً مرحلة «الجماهير الغفيرة» التي نعيشها اليوم والتي عبر عنها الربيع العربي أصدق تعبير.

الخمسينيات الجميلة ذهبت بكل ألقها ولن تعود، فالمزاج السياسي اختلف، والظرف الدولي ليس هو، ومدارس وايديولوجيات همدت وأخرى بعثت حية، وعالم اليوم الضاج بصخب الألوان وفانتازيتها هو غير عالم الأمس أحادي اللون.

وعالم المنشور السري والحلقات الحزبية ليس هو نفسه عالم اليوتيوب وتويتر والانستغرام والمعلومة فائقة السرعة والعصية على الكبح والمنع. وأدوار البطولة اليوم ليست لشخصيات بوزن عبدالناصر والخميني وتشي غيفارا ومانديلا؛ بل للجماهير الغفيرة التي تصنع التغيير وتفرض التحولات.

لم يعد الفكر السياسي اليوم وليد مناقشات سرية يعقدها التنظيم السري في أماكن مغلقة، بل أصبح وعياً يومياً متجدداً تعثر عليه بكبسة زر تأخذك في دنيا الله الفسيحة في الشرق والغرب، تقرأ لمن تحب، وتختار من الأفكار ما يروق لك. ليس هذا فحسب، بل صار بالمقدور أن تناقش وتتفاعل وتطرح وجهة نظرك بكل حرية، ما يوفر مساحة تفاعلية باتت جزءًا من واقع سريع التحول، يساهم - ضمن ما يساهم به - في تعزيز الحس النقدي لدى المتلقي الذي غادر موقعه السلبي وأصبح في الصفوف الأمامية من عملية التأثير.

على المستوى الخاص، أدخل التحديث الذي رافق نشأة الدولة الحديثة تحولات على طبيعة العلاقة ما بين النخبة الشيعية والطائفة التي تنتمي إليها، في وقت مبكر من بدء عملية تكوين الدولة في كل من البحرين والعراق ولبنان وباكستان. فقد كان ممثلو الطائفة الشيعية في تلك العملية هم الوجهاء والأعيان، وكانوا في غالبيتهم من ملاك الأراضي أو زعماء العشائر، وقد اعتاد هؤلاء إجراء صفقات مع الطبقة الحاكمة، ومن خلال هذه المساومات، وجد الشيعة العاديون مواقع جد متواضعة لهم في الدولة الناشئة حديثاً.

كان الوجهاء يستفيدون من ارتباطهم بالسلطة، وفي المقابل كان المطلوب منهم أن يمثّلوا طائفتهم ويكبحوا جماحها في الوقت نفسه. ولقد استقر هذا الأمر طويلاً قبل أن تحدث تغييرات وتحولات اجتماعية مهمة، أضعفت قبضة ملاك الأراضي وزعماء العشائر ومن في حكمهم، فـ «هواء المدينة هواء حر» على ما يقول المثل السائر.

وبحسب ما يذكر أستاذ سياسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا في الأكاديمية البحرية الأميركية ولي نصر في كتابه «صحوة الشيعة»: «ان الشيعة الذين لم يعودوا مقيدين بعد اليوم بالأعراف الصارمة للحياة القروية وإيقاعها الزراعي البطيء. باتوا يتطلعون ويتوقعون أن تكون لهم كلمة مسموعة في السياسة».

ويشير نصر إلى أن صعود الدولة الحديثة في الربع الأول من القرن الماضي حمل في طياته تبدلاً في بنية المجتمع الشيعي وذلك من خلال تفكك الروابط التي كانت فيما مضى تشد الكثرة الكاثرة من الشيعة شداً محكماً إلى طائفتهم وزعمائهم، فقد اتجه الشيعة من الطبقتين الوسطى والعالية إلى تحصيل العلم في المدارس العلمانية سواءً في الغرب أم في داخل الوطن، وهكذا صار البعض منهم علمانياً في نمط عيشه، ضمن موجة ايديولوجية اخترقت العالم العربي وقتها. فقد أفرزت هذه المرحلة جنوحاً طاغياً وعابراً للمذاهب نحو العلمنة، لكنه تجلى بنوع خاص بين أبناء الطبقتين الوسطى والعليا من الطائفة الشيعية في البلدان العربية، وقد لعبت النخبة العلمانية دوراً بالغ الشأن في السياسات اليسارية على اتساع الشرق الأوسط كله. ففي العراق كان الأعضاء القياديون في الحزب الشيوعي العراقي من الشيعة، وعلى النسق ذاته تصوّت الغالبية الساحقة من الشيعة في باكستان لحزب الشعب الباكستاني، حزب يسار الوسط العلماني والمطية السياسية لأسرة بوتو. وفي البحرين فإن كثيراً من القيادات اليسارية كما هو معروف كانت شيعية.

لقد أقبل الشيعة على اعتناق الفكرة القومية بحماسة لافتة في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وذلك لتحديد أطر النضال ضد الاستعمار، وتقرير طابع الدولة القومية المأمولة لدى الشيعة ولاسيما كونهم أقلية في محيط سني هائل. كانت القومية العلمانية هويةً جامعةً، كونها تُعرّفهم تعريفاً يرتفع بهم فوق المماحكات الجدلية القديمة، ويساويهم بالسنّة في أعين الأمة، غير أنه تبين أن هذا الوعد «وعد خادع» مع جنوح الدول الحديثة أكثر فأكثر نحو الاستبداد والتسلط، وإظهارها شغفاً باستخدام التخرصات الطائفية القديمة لتدعيم ركائزها السلطوية.

لقد تخندقت الدول الحديثة في الفوارق نفسها التي أمل الشيعة أن تردمها؛ إذ عملت تلك الدول على تقوية مفاصل الحكم المتسلط وزيادة تهميش الشيعة، بل أعطت قوةً دافعةً إضافيةً للطائفية، وهو ما ساهم في فترة لاحقة في تبلور هوية جديدة لتشيع حركي فاعل استمد عنفوانه من رموز المؤسسة الدينية وشكّلت فيه التجربة الايرانية في 1979 نموذجاً ملهماً.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3846 - الإثنين 18 مارس 2013م الموافق 06 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:36 م

      شكرا جزيلا

      اشكرك مرة اخرى علي ه1ا المقال المهم و الشيق و اود منك أن تحدثنا عن القومية و الاممية في مقالاتك القادمة

    • زائر 3 | 1:00 ص

      شيق

      موضوع شيق.. فشل الخيار القومي ساهم فعلا في سطوح نجم الاسلام السياسي .. بوركت

    • زائر 2 | 11:38 م

      بيان

      مادخلت السياسة بيت إلا خربته

اقرأ ايضاً