العدد 3858 - السبت 30 مارس 2013م الموافق 18 جمادى الأولى 1434هـ

شبكة الأمان الاجتماعي تَئِنُّ تحت وطأة الأزمة الاقتصادية في أوروبا

ينفق المتقاعد جريجوريس ليمونيس (73 عاماً) المقيم في أثينا معاش تقاعده البالغ 580 يورو (760 دولاراً) شهرياً في دعم زوجته وأسرة ابنه وهو طباخ عاطل عن العمل لديه طفلان صغيران وزوجة تعمل أحياناً في الخدمة المنزلية.

وتتزايد أعداد الأسر التي تضم ثلاثة أجيال تعيش على دخل واحد في جنوب أوروبا حيث تؤثر البطالة المنتشرة على نطاق واسع على المجتمعات المترابطة ذات النسيج المحكم.

وبدأت آليات امتصاص الصدمات الاجتماعية في القارة تئن تحت وطأة الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2008 وأدخلت منطقة اليورو في أزمة ديون سيادية منذ عام 2010. فحالة الرفاهة التي صنعها الأوروبيون بعد الحرب العالمية الثانية ويعتبرها الكثيرون إنجازاً كبيراً لحضارتهم كانت من الأسباب التي حالت دون تحول الكساد الكبير إلى ثورة أو اضطرابات اجتماعية حادة حتى الآن.

وقال ليمونيس وهو عامل دهانات سابق في قطاع الإنشاءات ويملك المنزل الذي يقيم فيه «الحياة اليومية أصبحت بؤساً حقيقياً».

وأضاف «تتراكم علينا الفواتير وعندما نسدد كل ذلك لا يتبقى لنا ما يكفي لحياة كريمة». ومع وجود أكثر من 26 مليون عاطل في دول الاتحاد الأوروبي وعددها 27 دولة منهم ستة ملايين في مقتبل العمر يواجه النظام صعوبات ويفشل في مجاراة الوضع القائم في بعض الأحيان؛ بل إن العديد من العاطلين استنفدوا المزايا المتاحة لهم.

ويقول لازلو اندور مفوض الاتحاد الأوروبي للشئون الاجتماعية والتوظيف «في العديد من الدول يزداد الفقراء فقراً» مشيراً إلى تباين متزايد بين الشمال والجنوب. وقال «النسيج الاجتماعي الأوروبي يتعرض لضغوط واضحة ويتعين اتخاذ إجراء قوي على مستوى الاتحاد الأوروبي وعلى مستوى الدول». وارتفع الإنفاق الحكومي في مختلف أرجاء القارة في المرحلة الأولى من الأزمة لكن دولاً مثل اليونان والبرتغال وإيرلندا وإسبانيا وإيطاليا الأكثر تضرراً أصبح يتعين عليها الآن خفض الإنفاق على معاشات التقاعد والرعاية الصحية والتعليم وإعانات البطالة. وقال إندور في حديث لـ «رويترز» إن الدول التي توجه الاتفاق الاجتماعي إلى تقديم خدمات مثل رعاية الأطفال والتدريب المهني والمساعدة في إيجاد وظائف وتوفير الرعاية الصحية تحقق نتائج أفضل من تلك التي توجه أغلب الإنفاق إلى مدفوعات نقدية لأرباب المعاشات والعاطلين.

وفي حين أنفقت كل من النمسا وإسبانيا نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على الرعاية الاجتماعية بخلاف معاشات التقاعد حققت النمسا خفضاً بنسبة 55 في المئة في معدل الفقر في حين تمكنت إسبانيا فقط من خفض المعدل بنسبة 28 في المئة.

وقال إندور إن دولاً أخرى مثل إيطاليا وبولندا التي تنفق نسبة أكبر من موازنتها الاجتماعية على معاشات التقاعد تبدو أقل كفاءة في مكافحة الفقر لأن السكان من الفئة العمرية القادرة على العمل هم الأكثر تضرراً من الأزمة وهم الأقل تغطية بهذا الانفاق. لكن نظم الرعاية الاجتماعية تخدم جماعات المصلحة الخاصة بها ويصعب تغييرها.

ويشعر الساسة بالقلق بشأن قدرة النموذج الاجتماعي الأوروبي على الاستمرار في عهد الدين العام المرتفع والنمو المنخفض وارتفاع عدد كبار السن.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في حديث لصحيفة «فاينانشال تايمز» في ديسمبر/ كانون الأول الماضي: «إذا كانت أوروبا اليوم تضم ما يزيد قليلاً على سبعة في المئة من سكان العالم وتحقق نحو 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي ويتعين عليها تمويل 50 في المئة من الإنفاق الاجتماعي العالمي فمن الواضح أنه يتعين عليها العمل جاهدة للحفاظ على ازدهارها وأسلوب الحياة فيها».

وقالت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي تضم ديمقراطيات صناعية منها 21 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي إن الإنفاق الاجتماعي كنسبة من الناتج أصبح الآن أعلى بنسبة ستة في المئة ما كان عليه في 2007 في المتوسط في الدول الأعضاء في المنظمة وعددها 34 دولة.

وأضافت المنظمة أن ارتفاع متوسط الأعمار من شأنه دفع تكاليف معاشات التقاعد والرعاية الصحية للارتفاع في السنوات المقبلة.

وقال خبير التوظيف والعمل والرعاية الاجتماعية بالمنظمة، ويلم اديما، إن غالبية حكومات الاتحاد الأوروبي استغلت الأزمة كسبب لرفع سن التقاعد ليتمشى أكثر مع ارتفاع متوسط الأعمار.

ويميز خبراء علم الاجتماع بين ثلاثة نماذج للرعاية الاجتماعية الإسكندنافي والأوروبي والأنجلوساكسوني. وتقدم دول الشمال الإسكندنافية مستوى مرتفعاً من الرعاية الاجتماعية «من المهد إلى اللحد» مع التركيز على رعاية الأطفال قبل سن الدراسة ويعمل على إبقاء النساء وكبار السن في سوق العمل.

أما النموذج الأوروبي فيتميز بنظم تأمينات اجتماعية يقوم على مساهمة العاملين فيه تقدم حماية قوية للمشتركين في حين يواصل هذا النموذج تنظيم العمالة وسوق العمل.

ويميل النموذج الإنجلوساكسوني لجعل مدفوعات الرعاية الصحية أقل وأكثر انتقائية ويشجع الإقبال على نظم الرعاية الصحية والتعليم والمعاشات الخاصة للميسورين.

وبدا أن النظام الإسكندنافي أثبت أعلى كفاءة في خفض معدلات الفقر دون إبعاد الناس عن العمل غير أنه يأتي مع أعلى مستويات ضريبية.

وتدفع بريطانيا وإيرلندا مخصصات نقدية للأمهات العائلات للبقاء في المنزل على عكس ما تراه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية والاتحاد الأوروبي من أن هذه الأموال من الأفضل أن تنفق على توفير رعاية عامة للأطفال.

وفي ألمانيا تخطط حكومة ميركل لتقديم هذه الميزة هذا العام. وقال أديما من المنظمة «من المنطقي بدرجة أكبر إدخال الناس في سوق العمل بدلاً من التركيز على دفع أموال لهم للبقاء في المنازل (...) لكن من المثير للعجب أن بعض الدول تخفض من الإنفاق على رعاية الأطفال قبل سن الدراسة».

ووجدت الحكومات الأوروبية أن تخفيض الإنفاق على مجالات معينة في نظم الرعاية الصحية القائمة أسهل من إجراء إصلاحات جذرية على النظام برمته.

وعلى وجه الخصوص، فإن إنفاق المزيد على الأطفال وعلى من أنهوا تعليمهم لتعزيز العمل والمهارات وإنفاق أقل على كبار السن يعد مسألة صعبة سياسياً. فكبار السن يصوتون في الانتخابات بنسب أكبر من الصغار.

وكتب المحللان السياسيان باتريك دايموند وجي لودج في ورقة بحثية لمركز دراسات بوليسي نتورك «في العديد من الدول تكون الطبقة المتوسطة هي المستفيد المباشر من التأمينات الاجتماعية... وذلك يحصن معاشات التقاعد ومدفوعات الرعاية الاجتماعية لكبار السن من المساس بها فعلياً».

وهولندا حيث يتمتع المتقاعدون بأعلى قوة شرائية في أوروبا تعد مثالاً على ذلك. فحزب 50+ المؤسس حديثاً والذي دافع عن حقوق أرباب المعاشات حصل على مقعدين من مقاعد البرلمان وعددها 150 مقعداً لأول مرة العام الماضي.

ومنذ أن وافق ائتلاف يمين الوسط ويسار الوسط على رفع سن التقاعد إلى 67 عاماً اعتباراً من 2021 تصاعد الدعم لكبار السن وأظهر استطلاع أجري هذا الشهر أن حزب 50+ يمكن أن يحصل على 18 مقعداً إذا ما أجريت الانتخابات الآن ليصبح ثالث أكبر حزب. وقد يدافع كبار السن عن مصالحهم السياسية لكن يتعين عليهم إدراك الحاجة لترك موارد للإنفاق الاجتماعي على الصغار.

وهذا ما يقوله ليمونيس اليوناني الذي يعول أسرته بمعاشه «على الأقل نحن أرباب المعاشات كبار وقد عشنا حياتنا... ما يقلقني هو حال أطفالنا. ماذا سيفعلون عندما لا يكون بمقدورنا مساعدتهم».

العدد 3858 - السبت 30 مارس 2013م الموافق 18 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً