العدد 3894 - الأحد 05 مايو 2013م الموافق 24 جمادى الآخرة 1434هـ

السياسة وجيل المستقبل

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

عندما تأخذ طفلاً عمره سنتان من أب وأم عربيين، وتعطيه أسرة انجليزية في بريطانيا لتربيته لمدة سنة واحدة، فإن هذا الطفل خلال سنة واحدة سيتقن اللغة الإنجليزية بمهارة، بينما لو علمنا الطفل في مدارسنا العامة والخاصة والمعاهد فإننا نحتاج إلى سنوات طويلة حتى يتقن هذه اللغة، ومع ذلك ستكون عصية عليه.

السبب أن الطفل يتشرب بسرعة هائلة ما في البيئة، فإن عاش في أسرة فرنسية، سيتقن لغتها سريعاً، وأن عاش في أسرة يابانية، فسرعان ما يتقن لغتها. وما يتشربه الطفل في صغره، يظل يؤثر على حياته في كل مراحل عمره بشكل متفاوت حتى يموت، وهنا نمكن أهمية وخطورة ما يتشربه الطفل، لأنه سيؤثر على مستقبله.

وما يحدث في البحرين من أحداث سياسية، يتشربها الطفل بكل حذافيرها (برمجة فكرية ثقافية غير مقصودة أو تلقائية)، فهو يشاهد الشباب المحتجين وما يفعلون، ويشاهد رجال الأمن وما يفعلون. ولهذا تجد الأطفال يلعبون لعبةً تعكس تأثير الأحداث السياسية والأمنية على حياتهم، إذ ينقسم الأطفال في اللعبة إلى قسمين، الأول يمثل قوات الشغب يحملون عصياً، يتخيلونها هراوات ورصاصاً انشطارياً (الشوزن)، والفريق الثاني يمثل المحتجين، ويحملون الحجارة وقناني الماء يتخيلونها كمولوتوف.

الطفل لا يميّز، فكل ما يتشربه بالنسبة إليه يعتبر صحيحاً 100 في المئة، وحقيقة مطلقة لا تقبل النقاش، وهو ما يعني عملياً أن الأطفال الحاليين سيكونون في المستقبل جيلاً خارجاً عن السيطرة، أو بمعنى ظهور جيل جديد قواعد التحكم بعقله الجمعي مختلفة عن قواعد الجيل الحالي.

قد يصعب إدراك انعكاسات الأوضاع على المستقبل، لسبب أن العقل الجمعي لجيل الآباء لا زال يسيطر إلى العقل الجمعي لجيل المستقبل (الأطفال)، بحكم القوة والتنشئة، لكن بعد سنوات سيصبح هؤلاء الأطفال شباباً ورجالاً أشداء، يمتلكون القرار للعيش بما اعتقدوه أنه حقيقة في صغرهم.

غبار الصراع السياسي في البحرين يحجب الرؤية، وما أن تنجلي الغبرة، سيجد الجميع أن البلاد تعيش خارج العصر، والسفينة لم تصل إلى بر آمن، وعندما ينضب النفط سنكون دولة فقر ومجاعة مثل دول أفريقيا، فلا توجد تنمية حقيقية للإنسان تغنيه عن العيش بدون النفط.

البلاد خرجت عن طريق التنمية والسياسة المضيئة التي تسلكها الدول المتقدمة إلى نفق سياسة مختلفة تقود البلاد إلى مستقبل مجهول. وتغيير ما تشربه وتبرمج عليه جيل المستقبل (الصغار)، يتطلب تغيير الفكر وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحفظ كرامته وتساوي الجميع أمام القانون. أما القبضة الأمنية فلن تؤدي إلا إلى المزيد من الاضطرابات السياسية والأمنية.

يجب أن يتغيّر الفكر العام، وليرتكز على أن الإنسان هو الثروة الحقيقية للتنمية الشاملة والرفاهية، والعيش في كنف الحضارة الإنسانية، فاليابان التي لا تمتلك ثروات طبيعية، تقدّمت دول العام لإيمانها بقيمة الإنسان.

البلدان التي تعيش الازدهار والحضارة هي التي يشعر فيها الإنسان بقيمته، فصيانة حقوق الإنسان وكرامته توفر أفضل البيئات ليظهر الإنسان حقيقته كثروة يتجلى فيها الإبداع والابتكار والتطور والتقدم والازدهار. بيئة مليئة بمشاعر الحب والسعادة والتسامح والإخاء.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3894 - الأحد 05 مايو 2013م الموافق 24 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 11 | 10:54 ص

      الحلو حلو

      الله يخلي الحكومة

    • زائر 10 | 2:16 ص

      مقال.رائع

      احسنت على هذا المقال المتميز و المُلح في هذا الزمن

    • زائر 4 | 2:10 ص

      حقا

      كل ما تقوله حقيقه في هذا المجتمع الذي يحتاج للتقدم في الانسان نفسه ؟

    • زائر 3 | 1:05 ص

      عين الصواب

      أحسنتم على هذا الطرح المميز بوركت أناملكم

    • زائر 2 | 1:04 ص

      عين الصواب

      أحسنتم على هذا الطرح المميز بوركت أناملكم

    • زائر 1 | 11:19 م

      و إن غدا لناظره لقريب

      يا ناظر الغد، بارك الله فيك على هذا البعد فى النظر. كم منا يفكر مثلك؟

اقرأ ايضاً