العدد 3894 - الأحد 05 مايو 2013م الموافق 24 جمادى الآخرة 1434هـ

لا تركّزوا على آلة القتل... ركّزوا على الذي يتعهّد ذخيرتها

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

آلة القتل لا تشبع لأنها بلا معدة؛ تماماً كالنار. المشكلة ليست في آلة القتل. المشكلة في العقل قبل اليد التي توجّه وتحدّد الأهداف والمرامي. ليس عقلاً مثل ذاك. هو آلة أخرى. تحوّل العقل إلى آلة قتل ودمار وخسف يُدخله في الأشياء. الأشياء التي بقدر ما تحقق فوائد وصلاحاً يمكنها في الوقت نفسه أن تحقق أضراراً ومآسي وخراباً.

ما يدير العالم وشئونه ليس العقل. ما يديره ويسيطر عليه هو الجنون والعتْه والسَفه في الآلة: آلة القتل ومُسيّرها. كل هذا البؤس الذي يكتظ به هذا الكوكب، وكل هذا الرماد الذي يسِم الأرض نتاج انعدام العقلية المتزنة، وطغيان الهَوَس بتكديس الضحايا، على اختلاف الضرر والعطب ومستوياتهما. آلة القتل لا يدعو حاملها وصاحبها ومموّلها بالحكمة والموعظة الحسنة. يدعو إلى التقرير المسبق. يدعو إلى تخليص الأرض من فائض المختلف مع رعاة تلك الآلة، وتدعو الآلة بتفويض غير مكتوب، إلى انتخاب نوع وتوجّه وذهنية ترى نفسها الأجدر والأكفأ والأولى بإدارة الأمور وتسييرها ضمن ما هيمنت وسيطرت عليه تلك الذهنية والآلة التي ترسم وتتحكّم في مصائر الناس وأعمارها. وأي ناس، أولئك الذين لا تعترف بناسيّتهم، وهم دون الأشياء من حولها بمراحل!

كل هذه العذابات والانهيارات على مستوى استعراض الكائن البشري في امتهان واحتراف الاهانة ضدّه. كل هذا الجنون وضمان تمثيله في الرسمي والمُختطف من المؤسسات وغير الرسمي؛ مادامت تحت عين وبصر متعهّد الآلة، ذلك الدّال على أن العالم لن يعرف طريقه إلى الاستقرار ومن ثم العدالة ربما لوقت طويل؛ لأن الجنون هو سيد وعنصر المعادلة المعوجّة التي يُراد فرضها على الخلْق فرضاً. كل ذلك برسْم احتجاج على الهيئة التي وجد عليها العالم، ولابد من إعادة النظر في تلك الهيئة وتفاصيلها وبشرها.

أول سمات تلك الآلة ومُسيّرها: الفقْد. لا معنى للحياة بالفقْد. الحياة وجدت لتمتد وتحضر. لآلة القتل رأي آخر خلاف المعنى الأفقي للحياة. للذين يتعهّدون تلك الآلة رأي يتقاطع مع من أوجد الخلْق أساساً. ألاّ يدّعي أو يجرؤ كائن من كان على أن يتوهّم أن بيده وضع حد لهذا الإسراف والتكدّس البشري. تتجاوز الحال مرحلة التوهّم إلى مرحلة اليقين أن بيدها تفويضاً تلقمه تلك الآلة. تفويضاً من السماء لا شاهد ولا دليل ولا نصّ عليه؛ وبيدها تفويض آخر ممن ارتضوا أن يكونوا موضوعاً للسُخْرة والاستعراض والتحدث باسمهم ولو كانوا في قبور كأموات أو في قبور تسعى في الأرض وهم شبه أحياء ولا شئ يدل على تلك الحياة.

ثم لماذا اللّف والدوران؟ من يجدون مستقبلهم ووجودهم واستمرار هيمنتهم على الناس وتوهّم استعبادهم واحتراف إهاناتهم والتفنّن في إلغائهم وإنكار انتمائهم للأرض التي يهيمنون عليها ووصْمهم بالعمالة والخيانة والانتماء لما وراء الحدود والطعْن في عقائدهم؛ ما يمهّد لاستباحة دمائهم ومصادرة أرزاقهم، هم الآلات بعينها؛ بل أضل سبيلاً منها؛ مادامت آلة القتل تأتمر بأمرهم وتُوجّه إلى ترتيب خرائط الموت وواقع الموت والدمار على الأرض.

أدولف هتلر، موسوليني، هيروهيتو، بن غوريون، غولدا مائير، مناحيم بيغن، إسحاق شامير، محمد أنور السادات، صدّام حسين، حسني مبارك، معمّر القذافي، زين العابدين بن علي، علي عبدالله صالح، بشّار الأسد، طوني بلير، جورج دبليو بوش الإبن، وبقية الجوقة في الخريطة العربية خصوصاً الأحياء منهم والأموات، والجوقة في خريطة العالم عموماً، كل أولئك آلات قتل سواء بالمباشرة أو الوكالة، قبل أن يوجّهوا آلات قتلهم لاختبار فاعليتها وطاقتها وقدرتها على فرْم اللحم وهرْس العظْم البشري، وتحطيم الأرقام القياسية عبر الذين سيشيّعون إلى المقابر ووفرة العزاء؛ أو أولئك الذين تتعطّل طاقاتهم بفعل خطأ غبي ارتكبته آلة القتل الغبية!

لم يعد القتل والإبادات أسطورة ومستحيلاً في البسيط من ممارسة إهانة الحياة والتعامل معها باعتبارها طارئاً والموت أصلاً. قبل قرون لم يحتج الذين كانوا رعاة الموت إلى آلات قتل بهذه الدّقة وبتقنية التوقيت والتفجير عن بعد لتحصد عشرات ومئات في حفل شواء بشري يسرّ أصحاب الأمراض والعُقَد. آلات انحرافهم النفسي والأخلاقي كانت تتكفل بذلك عبر البدائي من أدوات القتل والإبادة. نعلم أن الحياة ليست هشّة بما توافر من أسباب تحصينها؛ لكنها تكون دون الهشاشة بمراحل حين تنفلت وتتشظّى وتتآكل فيما بين المُسْتَهدَفين من الآلة البشرية المريضة وما يتوافر لها من عدّة وعتاد قتل.

في نهاية الأمر: من الغباء التركيز على آلة القتل وتناسي الذين يتعهّدون ذخيرتها.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3894 - الأحد 05 مايو 2013م الموافق 24 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:51 ص

      الحقيقة

      ما دمت ذكرت الأسماء لم تذكر ولا واحد من محيطك الخليجي وهم أكثر من يوزع آلات. الدمار وعجن الإنسان في جميع بقاع الأرض

    • زائر 2 | 3:02 ص

      عدم الايمان بلقاء الله وحسابه يجعل الانسان خاليا من كل خوف

      من لا يخاف الله خافه هكذا يقول المثل لأن الانسان بلا نوازع دينية واحتكام الى القيم السماوية والاخلاق الدينية والمثل الارضية سوف يحرق الأرض بمن عليها
      دون ان يرقّ له جفن. هكذا هم الجبابرة وقد صرحّوا بذلك قولا وفعلا
      المشكلة في الناس الذين يقبلون بأن يكونوا ادوات للمجرمين

    • زائر 1 | 11:15 م

      هذا ما جنته يدى الإنسان

      النظام الذى وضعه الإنسان على هذه الكرة لا تنتج الا ما كتب فى المقال. بمعنى آخر فشل الإنسان فى تاسيس نظام يسعده على هذه الكرة. بعد ألف سنة يمكن كتابة هذا المقال و إضافة أسماء أخرى عليها. و كله عادى هذا ما جنته يدى الإنسان.

اقرأ ايضاً