العدد 3905 - الخميس 16 مايو 2013م الموافق 06 رجب 1434هـ

حذار من مشروع الوطن البديل

يوسف مكي comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

حين أعلن وعد بلفور العام 1917، الذي تعهدت بريطانيا بموجبه بجعل فلسطين وطناً قومياً لليهود، رفض العرب ذلك الوعد، لأن البريطانيين قدّموا للصهاينة، بلاداً لا يملكون حق التصرف فيها. يُضاف إلى ذلك، أن الأرض التي استهدف السطو عليها، ليست أي أرض، فهي بالنسبة إلى العرب أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، والأرض التي أسرى إليها الرسول الأعظم. وهي الأرض التي وُلد فيها السيد المسيح، عليه السلام.

وفلسطين في ذاكرة العرب، تحمل عنوان انتصارهم على البيزنطيين، ومجد الدولة الأموية، وقبة الصخرة، ومعركة حطين، وبطولات صلاح الدين الأيوبي. وهي على هذا الأساس، مهد بداية، وعنوان نهضة، ومنطلق جحافل فتوح، وهي التاريخ، في أزهى تجلياته. وقد ارتبط نضال العرب المعاصر بالكفاح من أجل تأكيد هوية فلسطين العربية والحفاظ على مواريثها. ولذلك اعتبر التصدي للصهيونية، مشروع تحدٍ وصراع وجود، وليس صراع حدود.

ورغم الهزائم التي منيت بها الأمة في حربي 1948 و1967، بقيت هذه النظرة من يقينيات الفكر العربي. وإثر نكسة يونيو/ حزيران، خرج مؤتمر القمة العربي بالخرطوم، بلاءات ثلاث: لا صلح لا مفاوضات لا اعتراف.

وبعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، تسللت مفردات الهزيمة إلى قاموسنا السياسي، تحت شعار العجز عن مقاومة الكيان الغاصب، رغم أن نتائج الحرب أكّدت بما لا يقبل الجدل انتصار السلاح وعجز السياسة. بدأ الحديث عن واقعية سياسية، وعن خلل في موازين القوى العسكرية بيننا وبين العدو، ليتبعها رفع شعار هجوم السلام، فإعطاء قوة دفع لتحقيقه، وكسر الحاجز النفسي، وسياسة الخطوة خطوة، والتطبيع، والشرق الأوسط الكبير الذي تحوّل سريعاً إلى شرق أوسط جديد، ففوضى خلاقة، ومخاض ولادة جديدة. وكل مفردة من هذه المفردات، تفترض قضماً جديداً من حقوقنا.

المحطة الجديدة، من السعي وراء تسوية سلمية مع العدو، بمبادلة الأراضي التي تم احتلالها في يونيو/ حزيران العام 1967، ربما بأراضٍ من صحراء النقب أو غيرها من الأراضي التي اغتصبها الصهاينة في نكبة فلسطين العام 1948 تثير ملاحظات عدة. فمثل هذا التنازل، لو قُدّر له أن يتحقق، يحمل نذر التنازل عن القدس الشريف، ومدينة الخليل، لتصبح القضية تضحيةً بالذاكرة التاريخية، وبالحقائق الزاهية التي صنعت مجد العرب. والأخطر من ذلك، أنها تخلق أرضية للقبول العربي بالتضحية بكل فلسطين. فالأمر كما هو مطروح، لم يعد متعلقاً باستعادة أرض بعينها، بل استبدال أرضٍ بأرض.

وهذا القول، ليس فرضية نطرحها للنقاش، بل هي ما يستقيم مع طبيعة الفهم للمشروع الصهيوني، باعتباره مشروعاً استيطانياً توسعياً. والموقف الصهيوني كما أكدته التجربة، ليس مع استبدال مستوطنات شيدت على أرض هي بحكم القانون الدولي، وقرارات الأمم المتحدة أراض محتلة، بل المضي قدماً في بناء المزيد من المستوطنات، مادام العرب غير قادرين على التصدي للعدوان.

وما دامت خلاصة معنى يهودية دولة «إسرائيل»، تعني في أبسط أبجدياتها، أن الآخرين من العرب الفلسطينيين، هم «أغيار»، فلن تستقيم معادلة الاصطفاء من غير طردهم، فليتم استبدال الأراضي المحتلة، بأراضٍ أخرى، لكن من خارج فلسطين، في مكان آخر عرف بـ «الوطن البديل».

وبالتأكيد، سيقف كل الصهاينة، خلف فكرة الوطن البديل، ولن يكون بالإمكان التعويل على حكومة إسرائيلية من دون أخرى. فكل الحكومات الإسرائيلية، اليمينية واليسارية والليبرالية، تتساوى. وجميعها إذا ما أتيح لها الوصول إلى سدة الرئاسة، تواصل سياسة الزحف على ممتلكات الفلسطينيين، وبناء المستوطنات، وهدم البيوت وإقامة المعابر والجدران العازلة.

الراعي الأميركي لعملية السلام، أفصح عن حماسته لمشروع تبادل الأراضي، حيث أشار وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد زيارته إلى الأرض المحتلة ولقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى عودة المفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن المبادرة العربية لن تكون أساساً لها.

المعنى الصريح لمبادرة تبادل الأراضي، هي القبول العربي ببقاء الكتل الاستيطانية الكبرى، والتنازل عن العودة إلى حدود 1967، التي نصّ القرار رقم 242 على أنها أراضٍ محتلة، ونصّ على عدم شرعية احتلال الأراضي بالقوة المسلحة. وقد أكّد مجلس الأمن الدولي مرةً أخرى هذا القرار، في قراره رقم 338، الذي اعتبر القرار الأول، أرضية للتفاوض للتوصل إلى حل سلمي لأزمة «الشرق الأوسط».

لقد رفضت بعض حركات المقاومة الفلسطينية، كحماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التعديلات الجديدة على المبادرة العربية، باعتبارها مقدمةً لتصفية القضية الفلسطينية، ولكن هذا الرفض سيظل عاجزاً عن فعل أي شيء ما لم يتم تصليب الموقف العربي، باتجاه فكرة تحرير فلسطين.

رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، كان واضحاً في رفضه لفكرة التبادل، فالمفاوضات مع الفلسطينيين، من وجهة نظره، ينبغي ألا تكون محكومةً بأية شروط. وقد بلغ رفضه لتبادل الأراضي، حد وصفه بالنكتة. وحسم موقفه بالقول إنه ليس لدى «إسرائيل» أراض يمكن أن نعطيها في إطار هذه الفكرة. وما دام الأمر كذلك، فإن حكومة نتنياهو تفترض أن يتم التعويض عن الأراضي الفلسطينية التي بنيت عليها الكتل الاستيطانية الكبرى، والمعابر والجدران العازلة، في مكان آخر، غير أرض فلسطين التاريخية. وذلك ما يجعلنا نحذر من الاستحضار الصهيوني لفكرة الوطن البديل.

بالطبع لم تنشغل المبادرة الجديدة بحقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولا بتأكيد عروبة القدس والحرص عليها، وتلك نقاط ضعف أخرى، يمكن توصيفها بالمثالب. وهكذا فإن الذي أمامنا لن يكون خطوةً إلى الأمام، على طريق تحقيق صبوات الشعب الفلسطيني، بل سيراً على ذات السكة التي تم السير عليها منذ العام 1973، والتي أثمرت عن استمرار تهويد المقدسات، وتسعير الاستيطان الصهيوني في أرض السلام.

لن يستقيم ميزان العدل، إلا بالتوقف عن الركض وراء السراب، فليس أقسى من الهزيمة سوى التكيف معها، وقبولها مسلمةً نهائيةً. فأن يبقى الحق معلقاً إلى حين، منتظراً تغيّراً في موازين القوى لمصلحة الأمة، خيرٌ من تقديم التنازلات، وتلك حقائق سجّلتها مدوّنات التاريخ، ومأثور القول، إنه ما ضاع حق وراءه مطالب.

إقرأ أيضا لـ "يوسف مكي "

العدد 3905 - الخميس 16 مايو 2013م الموافق 06 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً