العدد 3922 - الأحد 02 يونيو 2013م الموافق 23 رجب 1434هـ

صناعة الأرواح والتحكم بعقول البشر

عباس المغني abbas.almughanni [at] alwasatnews.com

الأفكار هي أرواح وجسدها العقل البشري، إذا دخلت عقل إنسان أصبحت حية، وإذا كانت قويةً فإنها تتحكم بمشاعره وسلوكه، وإذا لم تدخل عقل إنسان تكون ميتة.

مثال، «الشهادة»، هذه فكرة، عندما تدخل عقول الشباب، فإنها تصبح حيّةً تتحكم بمشاعرهم وسلوكهم، وتجعلهم يتقدمون ساحة الحرب غير آبهين بالموت. بينما الشباب الذين لم تدخل عقولهم فكرة الشهادة فيبتعدون عن الحروب، خوفاً على حياتهم.

وروح الفكرة وتأثيراتها، تتشكل بأشكال مختلفة ومتنوعة، حسب دخولها العقل البشري وإيمان الشخص بها. وقد تصل سيطرة روح الفكرة على الإنسان إلى درجة سلب عقله، وبرمجته، بحيث تجعله يندفع للدفاع عنها ويقدم روحه رخيصةًً من أجلها.

والفكرة الواحدة لها روح خيرة أو روح شريرة، والواحدة منها تنقسم إلى قسمين روح أصلية، وروح ممسوخة، مثلاً فكرة «الشهادة»، تكون روحاً خيّرة أصلية في حال دفعت الإنسان لتقديم حياته للدفاع عن أسرته من عصابة معتدية.

وتكون الشهادة روحاً «ممسوخة»، عندما تجعل إنساناً يحمل متفجرات ويذهب إلى مدرسة، ويفجّر نفسه ويقتل عشرات الأطفال، يظن أنه شهيدٌ يتقرّب إلى الله بقتله الكفار وأطفالهم.

الروح «الممسوخة» هي روح شريرة وهي أخطر مراحل الشر، لأنها تخلط الحابل بالنابل، فلا يميّز الإنسان الذي ابتلي بها بين الصح والخطأ، إلى درجة أنه يفجّر نفسه ويقتل أطفالاً، ويعتقد أن هذا الفعل صحيحٌ يقرّبه إلى الله. وهنا الطامة الكبرى التي تتجلّى فيها الفتن.

للتوضيح، الخيل أو الحصان عندما يتزوّج من نسله فإنه ينجب خيلاً، أي ينجب خيلاً أصلياً، ولكن عندما يتزوج الخيل كلباً فرضاً، فإنه ينجب حيواناً ممسوخاً. كذلك روح الشهادة عندما تتزوّج روحاً خيّرة فإنها تكون أصلية، ولكن إذا تزوجت روحاً شريرة فإنها تصبح ممسوخة. فالروح «الممسوخة» هي زواجٌ بين فكرتين، الأولى «الشهادة»، والثانية «الكافر مباح دمه وعرضه وماله».

التفكيري المتطرف يقول: «الكافر دمه مباح»، هذه فكرة، تم برمجتها في عقول فئة من البشر، فأصبحت حية تتحكم بسلوكهم، تدفعهم إلى قتل كل إنسان يعتقدون أنه كافر. وروح هذه الفكرة تدافع عن نفسها، بأن تدفع الشخص الذي يعتنقها، إلى الدفاع عنها حتى الموت. فمثلاً لو كان هناك رجلٌ من التكفيريين يحمل مسدساً، وهو يصوّبه على طفل يعتقد أنه كافر، وجئت أنت وقلت له: «ما تفعله حرام لا يجوز قتل طفل حتى لو كان كافراًَ»، ماذا ستكون ردة فعل هذه الرجل؟ سيوّجه المسدس تجاهك ويقتلك أيضاًَ، لأن روح الفكرة التي في عقله تدافع عن نفسها، وتسخر من يعتنقونها للدفاع عنها حتى الموت. بل وتجعلهم يفجّرون أنفسهم من أجل الدفاع عنها، تحت روح مساندة ممسوخة ثم تسمى «الشهادة». تخيّل أن روح هذه الفكرة جعلت الإنسان الذي يعتنقها يقدم روحه رخيصةً من أجل قتل أناس أبرياء مختلفين معه.

والفكر التكفيري قائمٌ على عدة أفكار منها «الفرقة الناجية»، و»إذ حاربك الكفار فاعلم أنك على الصراط المستقيم»، بمعنى أن أميركا الكافرة إذا دافعت عن نفسها، فهو دليل دامغ على أنك على الحق المبين.

والفكر التكفيري قائمٌ على صناعة الأرواح، بطريقة علمية، ولكن بمسميات مختلفة، لعبت فيها الاستخبارات العالمية دوراً كبيراً في تشكيلها، فعندما قام الاتحاد السوفياتي باحتلال أفغانستان، وتشجيع أميركا وحلفائها المجاهدين على قتال الاتحاد السوفياتي، تجلت القوة الهائلة لصناعة الأرواح ولكن بمسمى مختلف «غسل العقول» و»التلاعب بالعقول». فقامت الاستخبارات العالمية بجعل أفغانستان مختبراً للصناعة الجديدة بأحدث ما توصل إليه العلم، وإنشاء فكر يحمل روحاً مدمرة، يتم توجيهها إلى أي بلد لا يخضع لحساباتهم، ويجعلونه يحارب بالوكالة عنهم.

ولكن المشكلة أن الفكرة هي روح تنتقل من عقل إلى آخر. وانتقلت إلى عقول غير خاضعة لتعليمات الاستخبارات العالمية، وبالتالي خرج هذا الفكر الذي يحمل الروح المدمرة عن السيطرة، فتوجّه إلى أميركا فكانت أحداث 11 سبتمبر 2001 عبرةً لمن لا يعتبر، وهو في طريقه الآن للانتقال إلى أوروبا، وكما يقول المثل: «انقلب السحر على الساحر».

الروح الممسوخة للفكر التكفيري الآن متواجدة بشكل ملفت في بلدان إسلامية وعربية، وهو وضعٌ مخيف، إذا ما انتقلت هذه الروح إلى داخل بلداننا الآمنة. والمطلوب منك كإنسان، أن تراقب أفكارك وتتأكّد من الروح التي تحملها، واحرص على حماية أبنائك من الذين يروّجون للأفكار الممسوخة، فيحوّلون ابنك البريء إلى وحش كاسر.

إقرأ أيضا لـ "عباس المغني"

العدد 3922 - الأحد 02 يونيو 2013م الموافق 23 رجب 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 10:09 ص

      الجن

      هذه من أفعال الشياطين والمتأبلسين ويسوون أعمال سحر في بيت من البيوت ويحضرون جن وبعضهم يستخد السحر الأسود في البيت الخطايا أو ما يطلق عليه معبد اليهود ومجود قرب مدرسة ... مو بعيد عن مقبرة .... أما الشعوذات فرقيه شرعيه كلما روي عن آل بيت النبوه أنهم حذرو الناس كما فعل هاروت وماروت في بابل، والكهنه في مصر والسحره ... يعني هم موت وخرده وزياده مايندره هو غاضب عليهم لانهم لجؤ للسحر أو حضروا الشياطين من ملك سليمان بن داوود أو ويش عاد بقى غير البقاء لله؟

    • زائر 4 | 9:58 ص

      العجله والآجله

      ليس من الأسرار أن قال تعالى الروح من أمر ربي .. لكن كيف نصنعها والناس ما شهدت خلق أنفسهم. بس ستهلون ويحصلون ويضربون ويخاصمون بعضهم البعض ولو على آن هاو اربع آنات من مال أول. يقولون هذا مال الدنيا إنزين وين مال الآخره؟

    • زائر 2 | 11:34 م

      الفكرة الممسوخة اذ خلت عقل شاب تحوله الى انسان ممسوخ

      صدقت. الافكار الممسوخة تحول الشاب الى انسان ممسوخ

    • زائر 1 | 10:23 م

      صحيح

      طوال التاريخ ساقوا الجنود الى المعركة بعد أن تم حشو عقولهم بأفكار تماشى تفكير القائد لكى يؤدوا دورهم بالصورة المطلوبة. لذلك برز أهمية الإعلام فى المعارك و تنفيذ الأمور . لكن من يُقاد لا يدرك بأنه مُقاد. بل يتصور بأنه حر فى تفكيره و القرار قراره الشخصى بكامل قواه العقلية. ستستمر الحالة على ما عليها الى نهاية الزمان و زوال الكرة الأرضية. البشر لم يتغيروا. تحليلك صحيح لكن البشر لا يدركونه. أنت مقدام.

اقرأ ايضاً