العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ

رؤى فلسطين أم ذاكرة وطن مهمل

الصورة سيرة المكان، وشهادة المجودات على نفسها، والصورة حديث العيون، ومسك لحظة زمنية ووضعها في إطار، أو ملء الإطار بشحنة دلالية تشير إلى مكان ما، الصورة هي ذاكرة الإنسان الأولى، وناره المجوسية التي تضيء طريقه للأشياء. ورولا حلواني التي كانت تعرض ذاكرة وطنها، وتسرد سيرة كل قصة، كانت تعرف القتلى، والذي سقط أمامها بأكثر من سبع رصاصات في صدره، جعلها تؤمن بأن لا سلام يمكن أن يتكلل لمثل هذا الوطن، كأنها التي كانت تبحث عن بيتها أمام البيوت المهدمة، هل كان يجب أن يقول لها عابر ما أن بيتك لم يعد موجودا؟ لكن الأكيد أن رولا كانت تسرد جزءا من ذاتها، لأنها تعتقد أن ما يحدث من حولها يحدث لها.

ولدت رولا تحت الاحتلال، في مدينة «الصلاة» (القدس)، من العام 1964م، وظلت تمارس الولادة مع كل لحظة، كانت مشبعة بوطن يتقاسمه القتلة، وتكون فيه الضحية مدانة بتهمة حيازتها قلبا، أصيب مرتين بالرصاص وهي تضع أصابعها على آلة الذاكرة الفوتوغرافية (الكاميرا)، معتبرة أن مفهوم التعبير الفني لدى الفلسطينيين هو التعبير عن الواقع «الاحتلال»، فهو الكامن في أعمالهم، والعفوية التي تخرج فيها.

كانت تؤمن بمشروع «السلام»، لكنها حين التقطت صورة القتيل الذي صادقته، يمسك بالحجر وفي رأسه تسكن رصاصة، جعلها تعيد النظر في هذا المشروع، وستعتبر السلام مرحلة مؤقتة لمسك الموت عن حصد اخوتها في وطن «مستهلك»، فقد كانت تقول إن الإنسان أغلى من الأرض، ولكن هناك ثقافة تنتشر في الشارع وفي أجساد يخترقها الرصاص، ثقافة تؤمن أن الأرض بقيمة الإنسان نفسه، أو قد تكون أغلى منه.

في المعرض الذي أقيم بصالة الرواق للفنون التشكيلية، كانت رولا تسرد قصتها، قصة شعب يبحث في جيوبه عن قطعة وطن، كانت تسرد وجعها الذي يسافر معها، وترتبه في أمتعتها، لتحوّل هذا الألم إلى فن، وشهادة حية على آلة الموت، هي محاولة لزرع الحلم في عيوننا، وهي محاولة لكشف الحقيقة، الحقيقة التي نعتقد أنها لم تعد صالحة!

شارك رولا في هذا المعرض كل من الفنان طارق الغصن، مواليد فلسطين، يقول: «إنني دائماً أشعر بأن عقلي غربي، ولكن قلبي عربي جداً. وإذا أمكن استحضار هذين النقيضين معا... فلاشك أنه أمر شيق جداً»، كما شاركه الفنان الإسباني باسكال غوريز، الذي اعتبر أن مشهد المستوطنات بعد سنة من الانسحاب مقفر، مثل ثقب أسود في ملامح قطاع غزة. يغطي الدمار هذه المناطق، والذي على اثره كما يقول باسكال تحول الاهتمام الدولي إلى تجاهل للخراب والدمار، معتبرا أن ما يقدمه «شهادة على الواقع، فهذا التعايش مع الخراب امتد لأكثر من ثلاثين عاما». وأخيرا، كانت الفنانة الألمانية أندريا كونزغ، التي وجهت جل اهتمامها بعد تخرجها من برلين إلى قضايا المرأة، فزارت الكثير من الدول سعياً إلى مساعدة المرأة والطفل، كما عملت مصورة لعدة منظمات حقوقية منها اليونيسيف، تقول أندريا: «مهمتي ترجمة الحوادث العالمية، والحصول على صورة حقيقية وصادقة كشاهد على البربرية، واجبي هو الحفاظ على جعل التصوير الفوتوغرافي باعثا لتغيير الظلم يوما ما»?

العدد 1574 - الأربعاء 27 ديسمبر 2006م الموافق 06 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً