العدد 424 - الإثنين 03 نوفمبر 2003م الموافق 08 رمضان 1424هـ

التعليم: المساواة حتى في إعادة التأهيل

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إن ما يتم طرحه في الفترة الأخيرة من آراء تخص عملية التوظيف في وزارة التربية والتعليم، والتركيز فيها على توظيف المجموعة الأخيرة من الخريجين يستتبع النظر إلى الموضوع من جوانب أخرى، فالمسألة أعمق غوراً وأخطر نتائج مما يبدو للوهلة الاولى.

فإذا صحّ الزعم ان الوزارة «مررت مجموعة جيدة من المعلمين إلى جانب مجموعات ضعيفة»، فذلك تسأل عنه الجامعات التي خرّجتهم في المقام الاول وعلى رأسها جامعة البحرين، والدولة التي ابتعثتهم ثانياً.

والإشكال لا يرتفع بالحديث عن المجموعة الأخيرة المحسودة على «موتة الجمعة»، وإنما يستدعي مراجعة هذا الملف بصورة كاملة وعادلة ومنصفة، وخصوصاً أن التدهور في مخرجات التعليم الحكومي يشهد تدهوراً يلمسه الجميع، ما يضطر الكثيرين إلى اللجوء إلى إلحاق أبنائهم بالمدارس الخاصة، مع ما يعنيه ذلك من كلفة باهظة ترهق موازنة الأسرة، طمعاً في دراسةٍ... ومستقبلٍ أفضل للأبناء.

إن التدهور في مخرّجات التعليم لن يكون وليد توظيف الدفعة الأخيرة، ولن ينتهي عندها، فهو يعود إلى سنوات وسنوات، كانت فيها سياسة التوظيف مغمورة بالضباب، لم تعرف شيئاً اسمه شفافية أو مراقبة أو نشر أسماء في الصحف، فكل شيء كان يتم من دون سؤال أو جواب. وهي مرحلة عشناها طويلاً، وقيّض لي أن أعيشها على مستويين: الشخصي والمهني. شخصياً كنت على تماسٍ مباشر مع هذه القضية منذ منتصف العام 1997، ورأيت كيف يُعامل من لا يجد له ظهراً يسنده، وسمعت ما سمعه مئات المراجعين من عبارات الاعتراف الصريحة من العاملين بقسم التوظيف بالوزارة على مدار سنوات، كلها تقول بالمختصر المفيد: «من ليست له واسطة أو توصية فليبقَ في منزله». سمعناها مراراً وتكراراً حتى ملّت الآذان.

مهنياً أشرفت في بداية صدور «الوسط»، على صفحة «بريد القراء» للأشهر الثلاثة الأولى واكتشفت حقيقة فاجعة: هي أن الوزارة الأكثر جأراً بالشكوى والتذمر بسبب سياساتها هي وزارة التربية والتعليم، فقد كانت غالبية الرسائل تشكو بألم من هذه السياسة. وانهالت علينا من المعلومات التفصيلية ما يصدم المرء، وعندما كنا ننشر بعض الرسائل أو التعليقات أو التظلمات كانت العلاقات العامة بالوزارة - في عهدها السابق - تلجأ إلى الرد بطريقة ساخرة في أماكن أخرى، ما كان يثير مزيداً من الانتقادات والحنق.

إذاً، في تلك الحقبة لم تكن هناك شفافية ولا هم يحزنون، كل ما هنالك تعتيمٌ وفرضُ أمرٍ واقعٍ مرير، لا يمكن فيه محاسبة موظف على تصرفه فضلاً عن مراجعة مسئول عن سياسته. وطبعاً لا يمكن أن يدّعي أحدٌ أن سياسة التوظيف السابقة كانت تتم عبر معايير الكفاءة، فهناك من لم يوظف إلا بالواسطة، أو «التوصية»، وهي مسألة تستدعي التحقيق فيها في زمن الانفتاح والشفافية لمعرفة الحق من الباطل. وعليه، يجب ألا نقع في فخ الافتراض غير المُسلّم به، وهو ان «مجموعات ممن توظفوا مؤخراً ضعاف المستوى»، فتلك دعوى ضبابية تفتقر إلى الدليل بالأرقام لنعرف النسبة بدقة بدل خلط الأوراق، وبالمقابل محاولة «تعميم» افتراض ان التوظيف في المرحلة السابقة كان يجري «بحسب الأصول»، وان كل من توظف كان كفوءاً ومؤهلاً بأحسن المواصفات، فعلى الأقل هناك شكوك قوية في توظيف أشخاص بحسب معايير هي أبعد ما تكون عن الكفاءة الشخصية والمؤهلات العلمية. وليس سراً الكشف عن توظيف أشخاص من دون امتحان، أو عدم توظيف آخرين اجتازوا الامتحان منذ سنوات ويحملون معدلات امتياز، شغل أماكنهم بطبيعة الحال أشخاص جاءوا على ظهر دبابة «الواسطة».

فإذا كانت هناك دعوة جادة إلى تصحيح أوضاع التعليم فالأفضل تشكيل لجنة تحقيق لكشف الحقائق ومعرفة نسبة الفئة الضعيفة المستوى و«إعادة تأهيلها» للالتحاق بهذه المهنة الخطيرة (سلك التدريس)، وفي الوقت نفسه «إعادة تأهيل» - ومن باب المساواة والعدل - من وصل إلى «كرسي» الوظيفة عبر معايير الواسطة والمحسوبية والفساد الإداري في المرحلة السابقة، لعلنا نتدارك العملية التعليمية مما يحيق بها من خطر يعود سنوات إلى الوراء. نقول ذلك من باب الإنصاف والعدل، من أجل مصلحة الأجيال المقبلة والعملية التعليمية برمتها، ولكي لا يكون هناك انطباع بأنه لم ترتفع الأصوات إلا عندما تم توظيف الدفعة الأخيرة التي بقيت رهن البطالة سنين متتابعة في زوايا البيوت تمضغ أحزانها، ممن لم يكن لهم في السنوات الخوالي سند ولا ظهر ولا كتاب توصية ولا حرف «واو»?

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 424 - الإثنين 03 نوفمبر 2003م الموافق 08 رمضان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً