العدد 3950 - الأحد 30 يونيو 2013م الموافق 21 شعبان 1434هـ

أنظمة تصنع الشقاء وتصدّره إلى العالم

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

السعادة نسبية، وكذلك الشقاء. ذلك على المستوى الفردي؛ لكن حين تفيض الممارسات التي تولّد وتخلق الشقاء، وحين تكون غالبة ومهيمنة في تفاصيل أي أمة بفعل عوَر السياسات، وبفعل الفساد، وبفعل التمييز، وبفعل القمع في درجاته القصوى وشبه النهائية، لا يكون الشقاء نسبياً. إنه واضح وصريح ومتكامل الأركان بمحو الإنسان وسحقه وسحْله، وعلى أقل تقدير، الإمعان في إذلاله. والحديث عن السعادة في ظل واقع بائس كهذا، لا يتجاوز الهلوسة والهذيان والخطابة في جمع من البهائم!

لا مبالغة في الأمر القول: تحتفظ أنظمة عربية، ومنذ زمن، بقدرتها على تصدير الشقاء والبؤس إلى العالم؛ لكثرة ووفرة حضوره في كل زاوية ومفصل من مفاصل الحياة والحيّزات التي تهيمن عليها. ذلك إنجاز لا يمكن أن يتم التغاضي عنه؛ أو المرور عليه بعيداً من تلمّس الأثر؛ ليس على الداخل فحسب؛ بل في التهديد الذي يمثله على قيم العالم التي أقرَّتْ وثبّتت الحقوق والواجبات وإن كان بعد حروب ومجازر وفظاعات؛ تلك التي لم تنتهِ منذ قرون ولم يتم استخلاص أدنى درس وقيمة منها، ضمن العالم الذي نحن في صدده.

الشقاء في وصفاته النهائية ومحصلاته لا يختلف كثيراً عن الحصاد الذي تتولاه مجموعات، بعد أن زرعت نبْتاته مجموعات أيضاً. شقاءٌ يتبدّى ويبرز في المؤسسات المنتجة له، في دول وأنظمة كأنّ مهمتها المقدّسة في هذه الحياة، إرجاع العالم والإنسان إلى مراحل ما قبل العدم. والمؤسسات لها من يعمل من الباطن، وضمن «قطاع خاص» إذا حقّ لنا أن نستعير ذلك التقسيم في قطاعي الاقتصاد والإنتاج. يتولى بعض تلك المهمّة أفراد برعاية رسمية؛ لا وظيفة ولا مهمّة؛ ولا همّ لهم في الحياة إلا إنتاج مزيد من الشقاء، والتنغيص والإرعاب وخلخلة الطمأنينة والاستقرار لدى المستهدفين من تلك الآلة.

من المؤسسات الرسمية المسئولة عن البيئة، ولا علاقة لها بالبيئة إلا بتدمير البشر وبيئاتهم وبمسمّى رسمي؛ مروراً بمؤسسات الأمن التي تنشر الرعب وتعمّمه كما تعمّم وزارات الشئون الإسلامية موعد غرّة رمضان والعيدين، وعروجاً إلى مؤسسات تحديد: من الفقير ومن الغني؛ تبعاً لمذهبه ودينه وجنسه؛ وقفزاً إلى مؤسسات التعليم التي تترصّد النابهين وعباقرة المستقبل في امتحانات تهيئة وقبول كي يُمنحوا «نفقة الدولة»! تبعاً لمذاهبهم وأديانهم أيضاً؛ وخصوصاً في المراحل التي لا تسويف فيها للحقوق، على غرار أسئلة تبعث على الاستلقاء فحْصاً بالرجلين لفرط المهزلة التي لم ينقص منها إلا السؤال عن عدد الذين يحملون أسماء «شنغ» في الصين لاجتياز امتحان الظفر بـ «نفقة الدولة»؛ وليس انتهاء بما بعد ذلك الماراثون بالتخرّج والوقوف ضمن طوابير طويلة من التمييز أيضاً بحق العمل وعلى «نفقة الدولة»!

نحن بذلك إزاء صناعة قائمة للشقاء تتيح لها التصدير للدول التي تعاني ندرة أو شحّ شقاء عندها. وفي احتجاج يبرز هنا أو هناك؛ سيتم التلويح لك بالقانون. القانون الذي وفّر مظلّةً لتلك الصناعة كي تعمل على الأرض؛ من دون الحاجة إلى القفز أو التواري أو العمل من تحت الطاولة. وما أدراكم ما الطاولة، بمناسبة صناعة التخوين في حوار قائم بطبيعة الحال لن ينتج بأداء مشهود جنات عدن من السعادة أو سعادة هي جنات!

والسعادة ضمن مبرّر قيام التنظيمات الحديثة في المجتمع الإنساني (الدولة) أصْلٌ وهدف. الشقاء من المفترض ألاّ مكان له في مثل تلك التنظيمات الحديثة؛ وخصوصاً حين يكون استهدافاً، وبطبيعة الحال لا يمكن أن يكون هدفاً؛ بمعنى أن يقوم كيان دولة أو نظام بهدف إنتاج أكبر قدْر من الشقاء في حال تنافسية مريضة مع أشباهه في العالم؛ تذكيراً بشقاء الإنسان في بدائيته وندرة اطمئنانه وشيوع استهدافه.

في العام 2013، مازالت دول وأنظمة تمعن في لهو ولعبة صناعة الشقاء وإنتاجه، وفي ظل رصْد تقني ومعلوماتي، وفي الوقت نفسه، لم تعد في عصورها الذهبية بالنسبة إليها، والعصور الظلامية بالنسبة إلى الضحايا، يوم أن احتكرت المعرفة والمعلومة، ويوم أن وضعت مواطنيها تحت مجهر المراقبة بدءاً بالشارع؛ وليس انتهاءً بغرفة نومه وأماكنه الخاصة، يُراد تسويق أن الصورة مغلوطة ومُفبْركة وتمّ التلاعب بها في ظل هبّة «مشبوهة» وربيع «مؤامرة» على دورة الفصول/الفصل (الخريف) الذي يُراد له أن يكون أزلياً بأزلية (الشقاء) على رغم اصطناعها وتخليقها والحرص على تثبيتها.

المضحك في الأمر، والباعث على التندّر، أن وسائل إعلام تلك الدول المنتجة للشقاء، تعمّم وتكرّس خطاب أن «الشقاء» مؤامرة، ضمن حزْمة عريضة من المؤامرات التي تتعرّض لها تلك الدول الخارقة في أدائها على مستوى الإنجاز على الأرض، وعلى مستوى «احترامها وتقديسها وتكريسها وتفقيسها للحقوق أيضاً»، ما يجعل الحديث عن شقاء على اختلاف صوره ونماذجه، ضرباً من المؤامرة الكبرى في عالم الديجيتال وغوغل إيرث!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 3950 - الأحد 30 يونيو 2013م الموافق 21 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 6:07 ص

      تصدير الثوره

      من قالها غير جيراننا اهل فارس بعد مادمرت ما بناه شاهنشاه محمد رضا بهلوي تريد تصدير الخراب الى خليجنا العربي.انت عبيط او شكلك كده!!!!

    • زائر 4 زائر 3 | 10:15 ص

      من هم اذا؟

      اين بصرك وبصيرتك هل الذين يفجرون انفسهم في الاسواق والمساجد والميادين ويسحلون محبين اهل البيت عليهم السلام الفرس ام هم عرب اقحاح من الخليج الى مصر مع الاسف الشديد يعيشون وسطنا واما خربوا ما بناه الشاه هم اولى بمصلحتهم بان يعيشوا او يرفضوا لعميل لامريكه او اسرائئيل

    • زائر 5 زائر 3 | 3:29 م

      اهل البيت

      لا ايكون اهل البيت حكرا عند الطائفة واحدة فقط كلنا نحب اهل البيت لكن لا نبالغ فى حبهم ومسئلة الخراب معروفة من يخرب و يدمر مثال العراق (المالكى) ايران (خامينئى) لبنان(حزب الشيطان) سوريا (بشار وحلفائه الفرس)انظرو الى دولهم و قارنو مع دول اخرى

    • زائر 2 | 1:18 ص

      المشكلة

      ان هذه الانظمة العربية تصنع الشقاء لشعبها اولا وبعدها تصدره للعالم ليشقى.

    • زائر 1 | 10:18 م

      اعداء البشر جعلوه هدفا مشروعا

      اينما وجدت بشر لا يعتنق التوحيد بمنظورهم الغارق في التجسيم سيكون هدفا مشروعا هو وعياله و جميع اسرته و ماله و عرضه مباح لهم تحت عنوان السبي انهم يسحلون باسم الرب و ينحرون باسم الرب و يغتصبون باسم الرب

اقرأ ايضاً